من الخميس إلى الخميس

غزّة... العالم ينتظر التغيير

تصغير
تكبير

هل هناك انفصال بين الضمير الإنساني، وبين ضمير المصالح السياسية؟ سؤال لابد أن يسبقه تعريف لمعنى الضمير الإنساني، وأيضا لمعنى المصالح السياسية.

فالضمير الإنساني هو مجموعة القيم والمبادئ والمعايير التي يفرضها مجتمع ما على أفراده تحت مسمى (التنشئة الاجتماعية)، أما المصالح السياسية فمرتبطة بتعريف السياسة التي هي ترجمة مخلة لكلمة policy، وأصلها اليوناني يعني الدولة أو مكان تجمع الناس، بينما بالعربية تعني القيادة والترويض، وسواء أخذنا المعنى القديم أم ما فهمه العرب فإن المعنى الاصطلاحي للسياسة هو ما سكن في مفهوم الأمم اليوم: وهو القدرة على تسيير أمور الدولة، والتوازنات بين التوجهات المختلفة داخل وخارج الدولة، إذاً لدينا عنصران يتحكمان في قيادة الدول الضمير الإنساني وضمير الساسة.

وبالعودة إلى سؤالنا حول وجود انفصال بين الضمير الإنساني وبين الضمير السياسي فإن الجواب يبدو جليّاً واضحاً بوجود هوة كبيرة بين الاثنين.

منذ شهور عدة والعالم يتابع القتل والدمار الذي تمارسه إسرائيل بحق الشعب الأعزل في غزة، ورغم حجج القادة الإسرائيليين، وربطهم هذا التعسف بهجوم «حماس» على إسرائيل في يوم واحد هو يوم السبت 7 من أكتوبر عام 2023، ورغم كل ذلك، إلا أن ردّة فعل إسرائيل الهائلة واللاإنسانية تُعبّر بصدق عن الظلم الذي لم يستطع الضمير الإنساني تحمّله والتغاضي عنه، هجوم مدمّر وبأسلحة فتاكة على مدى شهور تستهدف المدنيين والأطفال وتقضي على الأخضر واليابس دون تمييز.

إنه سيناريو قريب مما حدث في الحرب العالمية الثانية حين استهدفت البحرية الإمبراطورية اليابانية في 7 ديسمبر 1941 الأسطول الحربي، مرة أخرى، الأسطول الحربي الأميركي القابع في المحيط الهادئ في ميناء بيرل هاربر، وقد تبع تلك العملية العسكرية إعلان الحرب بين الولايات المتحدة واليابان، تلك الحرب التي أظهرت التعسف الأميركي في استخدام القوة وقصف مدينة وليست حربية، هي مدينة هيروشيما، بالقنبلة النووية في 6 أغسطس من عام 1945، ولم يكتفوا بذلك، رغم ما ظهر واضحاً من قوة دمار القنبلة الأولى، بل اتبعوها بقنبلة ناغازاكي في 9 أغسطس من الشهر نفسه، القنبلتان لم تفرقا بين البشر، أطفال وشيوخ وعزل، محت علامات الحياة كاملة في تلك البقعة من الأرض، وكشفت ربما للمرة الأولى في تاريخ البشر، وبهذه الصورة الواضحة الفرق بين ضمير الإنسان وبين ضمير السياسة.

إنها مأساة أظهرت مقدار بشاعة البشر وظلمهم، وظهرت في تلك الفترة معالم الضمير الإنساني الذي لم يتحمّل تلك الصدمة فأجبر قادة الدول على سن القوانين ومنع التوسع في الأسلحة النووية.

اليوم، تتكرّر المأساة دون استخدام القنابل النووية، فهناك جيش قوي تسانده قوى عالمية تمده بكل أنواع الذخائر، وهناك شعب شبه أعزل محصور في بقعة ضيقة ومطلوب منه تحمّل القنابل والقذائف التي تسقط فوق مساكنه لتحيلها إلى أنقاض، أنقاض يدفن تحتها الأطفال، ويموتون وهم يمدّون أيديهم من بين الأحجار طالبين الرحمة.

الضمير الإنساني يتحرّك من جديد، حتى في البلاد التي زعماؤها يجمعون الأموال لإسرائيل، وحكوماتها ترسل الأسلحة لهم، حتى في تلك البلاد لم يتحمّل جزء من شعبها تلك المذابح البشرية.

لكن هذا الضمير الإنساني لم يوقف الهجوم الثاني، هجوم ناغازاكي، وهو لن يستطيع إيقاف هجوم غزة، والسبب ضمير قادة السياسة وزعماء الدول، هذا الضمير اللاإنساني هو الذي يدير الدول ويتحكم في مصائر الشعوب.

إنّ حرب غزة، إن صحّت تسميتها كذلك، أسقطت مبادئ الديموقراطية التي تجعل الحكم للشعب، أظهرت تلك الحرب المأساة أن حكم العالم بيد الأقلية السياسية المُسيطرة التي لا تهتم لصيحات الشعوب، ولا حتى لأصوات ناخبيها، انتهت تماماً دعاوى القيم الغربية، دعاواها بالحرية، والعدالة، واحترام الإنسان وبقية الوصفات والشعارات التي تستخدمها لتمرير مصالحها.

كل مفكر اليوم يستطيع أن يأتي بالحجج الماثلة أمام عينيه وأمام العالم، وأهمها دليل غزة، ليبرهن لنفسه أولاً وللآخرين ثانياً كذب الدعاوى الغربية.

عندما انتصر ضمير الساسة على ضمير الأمة ظهرت بشاعة الحضارة الغربية التي نتمنى الخلاص منها، والإتيان بحضارة أخرى قادرة على تحقيق التوازن بين ضمير الأمة وضمير القادة، فالعالم ينتظر التغيير.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي