... وكأننا بحاجة إلى إزهاق 49 روح إنسان حتى نعلم أن اشتراطات الأمن والسلامة في الكثير من العمارات في مناطق سكن العمال معدومة، فما حدث في منطقة المنقف كارثة بكل المقاييس ولكنها كانت متوقعة وجميعنا يعلم أن تكدس الوافدين في بنايات لا يتوافر فيها الحد الأدنى من اشتراطات الأمن والسلامة أمر أشبه بالطبيعي في مناطق محددة، كالمهبولة، وجليب الشيوخ، والحساوي، وخيطان، والفروانية، وغيرها من مناطق سكن العمال والعزاب، فهذا ليس الحريق الأول الذي يكشف مثل هذه المخالفات.
سبق وأن اشتعلت حرائق وكشفت عن مخالفات جسيمة داخل بعض العمارات تبيّن أنه يتم تخزين مواد كيميائية سريعة الاشتعال فيها، وتتكدس فيها عمالة بالمئات دون مخارج طوارئ، وسبق وأن خلّفت حرائق العديد من الأرواح بشكل متفرق، ولكن ليس بهذا الحجم الكارثي، وبالتالي نحن لم نكن نجهل بما يحدث في تلك العمارات بل إننا نعرف كل تفاصيل ما يحدث في تلك الأماكن ولكننا لم نكن نتوقع عدد وفيات بهذا الحجم فقط.
التقارير السابقة في إدارة تحقيق حوادث الحريق في قوة الإطفاء العام، وإدارات الطوارئ والتفتيش في بلدية الكويت، تشهد على أننا نعلم لذلك علينا أن نتوقف عن إلقاء تبادل اللوم، فما حدث مسيء لدولة الكويت بشكل كبير وعلينا اتخاذ تدابير حقيقية لوقف فوضى المناطق التي يقطنها العزاب والعمال، وجليب الشيوخ والمهبولة خير شاهد.
أحداث كوفيد-19 كشفت لنا أن تلك المناطق لا يتم تأجير الشقق فيها ولا حتى الغرف للعمال وإنما يتم تأجير السرير بالساعة، فمَنْ يعمل في الفترة الصباحية يستأجر السرير ليلاً، ومَنْ يعمل ليلاً يستأجر السرير ذاته صباحاً، وعندما تم تطبيق الحظر الكلي شهدت تلك المناطق تكدساً لا يوصف في العمارات، ولكن عندما انتهت الجائحة ماذا فعلنا ؟ لا شيء!
وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف كل يوم يثبت أنه رجل أفعال لا أقوال، غير أننا نزعم أننا مقبلون على مرحلة لا تهاون ولا تساهل في تطبيق القانون العادل، لذلك أملنا كبير بقدرته على مواجهة الواقع الصعب وفرض واقع جديد يليق بدولة الكويت في مناطق سكن العزاب والعمال ووضع حد لجشع تُجار الإقامات وتُبّاع المال على حساب الوطن والمواطن.