مجرد رأي

برنامج الحكومة الاختبار الصعب...

تصغير
تكبير

بمجرد تشكيل الحكومة الجديدة تستحق حكماً الخطوة الثانية والتي يتعين أن تكون متسقة مع معطيات المرحلة التي يحلو للبعض تسميتها بالمفصلية في تاريخ الكويت، لما لها من استحقاقات محورية وأهمية قصوى في ترسيم حدود المستقبل، إما بالانطلاقة المستحقة وإما تسجيل رقم جديد في موسوعة «محلك راوح»، التي يدفع ثمنها الجميع.

الخطوة الثانية التي تشكل الاختبار الصعب للحكومة ولمستقبلها تتعلق ببرنامج عملها الذي ينتظر الجميع بشغف التعرف عليه، لا سيما وسط مصادر القوة الاستثنائية التي تتمتع بها الحكومة الجديدة وأبرزها خلو الساحة أمامها من أي منغصات سياسية كانت تعرقل نظرياً جهود الحكومات السابقة، وقبل ذلك الدعم والمراقبة الحكيمة من صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح.

وهنا قد يكون من المفيد الإشارة إلى أن فلسفة نجاح أي برنامج عمل حكومة جديدة يعتمد على مرتكزين أساسيين، وهما عنصر الزمن وجودة المحتوى لجهة تشخيص الداء ووصف الدواء، وبالطبع القدرة على إجراء المعالجات الواجبة بمشرط الحكيم مهارة وأفقاً.

ولعل أكثر الملفات التي يتعين على الحكومة الحالية وضع أصبعها على جرحه الغائر ما يتعلق بمكافحة مخاطر استمرار السياسات الاقتصادية الحالية، والتي تهدد صراحة بتدهور رفاهية المواطنين والرعاية الاجتماعية والتعليمية والبشرية المقدمة لهم رغم زيادة الإنفاق العام عليها.

الجميع في الكويت من القيادي للمواطن البسيط يعرف جيداً التحديات والتوقعات التي يمكن أن تحدث على أرض الواقع إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فلم يخلُ حديث حكومي أو نيابي أو شعبي وقبلها الدراسات التي تحولت مع مرور الزمن وطول انتظار الإصلاح لجبال من أوراق من محاذير مباشرة لبقاء الوضع الاقتصادي على ما هو عليه، لا سيما وسط موجة التحولات الاقتصادية الجذرية التي تشهدها المنطقة منذ فترة.

ومن هنا تتعاظم أهمية أن يتضمن برنامج عمل الحكومة إستراتيجية واضحة للسنوات الثلاث المقبلة، محورها الأساس «تمكين القطاع الخاص وبالحدود التي تؤدي إلى خلق فرص عمل وطنية في مختلف القطاعات الاقتصادية، على أسس تنافسية تقود لزيادة التنويع الاقتصادي والتبعية تنوع مصادر الدخل وتحقيق التنمية على أساس مستدام.

وبجردة واقعية لمسار الاقتصاد الكويتي السنوات الماضية ومقاربته باقتصادات المنطقة المتحولة والعالمية يلحظ بسهولة ما آلت إليه أحوال الدول التي انتهجت السياسات الريعية وفي مقدمتها الكويت والتي يثبت واقعها الحي أن استدامة الرفاه تتحقق بالتحول من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج، مع الأخذ بالاعتبار أن تكلفة الإصلاح المالي والاقتصادي ستتفاقم كلما تأخر التصدي لهذه المعضلة، بل وقد يصبح التصدي لها بالغ الصعوبة وتترتب عليه تبعات قاسية ومؤلمة وهذا مقتبس من شهادات الحكومات السابقة.

ولعل من أكثر الاستحقاقات الاقتصادية والمالية الملحة لنجاح تعديل المسار الاقتصادي تفكيك هيمنة الحكومة على الاقتصاد لصالح القطاع الخاص وهذا يتطلب الإسراع بتحريك مياه الخصخصة الراكدة استناداً إلى التجارب الإقليمية والعالمية بهذا الاتجاه.

ولتكن البداية من القطاعات التي تئن من السيطرة الحكومية مثل الرياضة والصحة والمرافق العامة التي يتطلب تطويرها عقلية تمتلك مهارات الوثب على المصدات التقليدية التي لم تفلح الحكومات السابقة في تجاوزها.

وبالطبع، يتعين أن يشمل المد المطلوب للقطاع الخاص جميع القطاعات القابلة للخصخصة بحيث يعاد رسم دور الحكومة في النشاط الاقتصادي، بما يعيد إلى القطاع الخاص دوره الريادي في هذا النشاط، ويعزز تنوع قطاعاته، ويضمن إيجاد فرص عمل منتجة للخريجين، ويدعم استدامة الرفاه الاقتصادي والاجتماعي على المدى الطويل.

نقطة إضافية لا يمكن تجاهلها في هذا الخصوص وتتعلق بضرورة إعادة النظر في الدورة الروتينية الحاكمة للمسار الاقتصادي بدءاً من الجهاز المركزي للمناقصات الذي يمكن الاستغناء عنه باسناد مهامه إلى الوزارات التي يتعين أن تكون مسؤولة عن مشاريعها وإنفاقها وفقاً لحاجتها التنموية وإنجازاتها الفعلية والمستحقة.

وتفادياً للمخاوف والشكوك المعطلة أحياناً والمستحقة أحياناً أخرى تستمر الأجهزة الرقابية في القيام بأدوارها على أن تكون رقابتها لاحقة وليست سابقة، ومن ثم تفادي طول الإجراءات المعطلة لمحركات أي تنمية مستدامة، على أن يأتي ذلك ضمن تحركات حكومية أوسع لإحداث إصلاحات هيكلية وتشريعية ومؤسسية تضمن إيجاد بيئة استثمارية محفزة وجاذبة لرأس المال الوطني والأجنبي.

الخلاصة:

لا نحتاج في المرحلة الحالية إلى محاولات حكومية خجولة لتنويع مصادر الدخل فلا يمكن المراهنة على تفادي تعميق مخاطر إدمان النفط، واضرار اعتباره ركيزة أساسية لتمويل الموازنة. ما يستوجب الإسراع في وتيرة الإصلاحات المالية والاقتصادية.

فتأخر الإصلاح بمفهومه الاقتصادي الواسع يضيّق أفق الاستدامة المالية ويزيد صعوبات تحسين الجدارة الائتمانية للدولة ويضعف قدرتها على تحقيق أي تنمية مستدامة.

ولضبط التوازنات الاقتصادية والمالية بشكل محكم نحتاج إلى ثورة على الإجراءات المعرقلة والأجهزة الداعمة للتخلف اقتصادياً مع افساح المجال للقطاع الخاص كشريك أساسي في التنمية المستهدفة بكل ما يتطلبه الأمر ويخدم الصالح العام.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي