منذ فترة طويلة بقيت المواجهات بين إيران من جهة والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل من جهة أخرى في دائرة ما يطلق عليه بصراع الظل. المقصود بهذا الصراع هو أن المواجهات كافة تكون من خلال الوكلاء أو في ساحة أخرى خارج الحدود الجغرافية لكل من أطراف المواجهة، مثل الاغتيالات والهجوم الصاروخي عن بُعد من خلال طرف ثالث أو هجوم سيبراني أو قطع طريق إمداد أو فرض حصار وخلافه. ولكن بعد الهجوم الصهيوني على سفارة إيران في دمشق وردة الفعل الإيرانية من خلال الهجمات الصاروخيّة فقد تزايدت حدة المصادمات وغدت أكثر صراحة في المبارزة المباشرة!
هذه «المباشرية» في المواجهة تزايدت مع احتمالية تورط الكيان الصهيوني في إسقاط طائرة الرئيس الإيراني ووزير الخارجية وبعض رفاقهما. إذا ثبت لدى إيران أن لإسرائيل أو الولايات المتحدة لهما أي ضلوع في هذه الحادثة فذلك سيعني حتماً الخروج من الظل إلى المواجهات في رابعة النهار!
ماذا يعني خروج الصراع إلى الضوء أو السطح وبشكل مباشر بين هذين الطرفين؟
على المستوى الإستراتيجي فذلك يعني انتقال الصراع إلى درجة أعلى قد تصل إلى المستوى الهيكلي للنظام الدولي ما ينذر باحتمال وصوله إلى ما يشبه الحرب العالمية الدافئة التي تقف في وسط مستويي الحرب الباردة والحرب الساخنة.
في هذه الحرب الدافئة لن تكون المواجهة بين إيران ووكلائها وفي مقابلها أميركا وإسرائيل فقط بل ستتمدد كي تشكل لاعبين دوليين آخرين مثل الصين وروسيا كحلفاء إلى جانب إيران وبعض الدول الأوروبية كحلفاء لصالح الطرف الثاني. والأشد خطورة أن في ضوء هذا المستوى من المواجهة ستتحجم خيارات الدول إلى خيارات محدودة جداً... إما مع هذا الطرف أو مع الآخر أو اتخاذ خيار الحياد السلبي الذي سيكون الخيار الأشد خطورة حيث سيمثل حالة شك وريبة واستهداف من كلا الطرفين.
من الممكن أن يكون هناك خيار رابع يتمثل في الحياد الإيجابي ولكنه محتمل ومتاح فقط للدول التي يرضى بها الطرفان المتحاربان لان يكون لها هذا الدور، وهذه الفرصة لا تتاح إلّا لدول قليلة جداً ولربما دولة واحدة مثل سويسرا ابان الحربين العالميتين الأولى والثانية.
حاصل القول، إن الحالة الصفرية التي تنتاب الجو العام للعلاقات الدولية في ضوء حالة الحرب الدافئة ستكون قريبة من المعادلة الصفرية التي لا تتيح إلّا خيارين وهما إما الربح أو الخسارة فقط، وربح أحد الأطراف يمثل خسارة للطرف الثاني والعكس صحيح. في هذه الحالة ستكون الدول العربية بشكل عام والدول الخليجية بشكل خاص تحت وضع الاستقطاب الشديد حيث لا مفرّ من الخروج من «ديبلوماسية الظل» التي تتخذها الآن معظم دول المنطقة.
إنّ حادثة الرئيس الإيراني ستشكل فارقة إستراتيجية كبيرة في حالة ثبوت تورط الكيان الصهيوني بها، فإيران قد اكتسبت تموضعاً إستراتيجياً مهماً لكل من الصين وروسيا وإن انجرارها للخروج من مواجهات الظل لن يكون خروجاً منفرداً، لذا فإن الأيام المقبلة التي سيجري بها التحقيق في تلك الحادثة تعد من أكثر الأوقات حساسية ما يستوجب دراسة السيناريوهات المتوقعة كافة من لدن دول المنطقة، لاسيما الكويت التي تسعى للخروج إلى أُفق جديدة للمستقبل.