بخلاف التَبَرَّمَ «الضجر» الذي ينتشر بين عموم المواطنين منذ سنوات طويلة بخصوص حاضرهم ومؤشرات مستقبلهم نشأت أخيراً حالة تفاؤل تمثل لحظة تحوّل تاريخية للبلاد تقول إنّ «استمرار تخلف الكويت عن دورة التنمية والتطوّر خليجياً ليس قدراً بل علّة بشرية تحتاج جراحة دقيقة».
لغة الخطاب الواضحة التي تحدث بها سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، مع مجلس الوزراء أخيراً أكدت أنّ قواعد أخرى ومقاربات جديدة ستدخل أبجديات إدارة البلاد المرحلة الحالية على أن تكون ترياقاً لعلّة تنموية متجذرة.
واتساقاً مع ذلك، تكون الحكومة الحالية أمام استحقاق المعاندة وتحدي الذات في تحقيق المستهدف منها على الأصعدة كافة، وأولها العمل برؤية واضحة لتجاوز همّ القفز إلى ما بعد عصر النفط بكل ما يعنيه ذلك من تحريك لمياه المشاريع التنموية الراكدة كأولوية قصوى وبما يعاكس أنماط المعالجة التقليدية.
وما يكسي التوقعات المتفائلة هذه المرة أهمية مضاعفة أن التوجيه السامي لتعديل المسار وضع الحكومة بجميع وزرائها وقيادات الدولة أمام مسؤولياتهم الحقيقية في أن الإنجاز المستحق منهم سيكون تحت مجهر القائد الحكيم ووفق جدول زمني محدد يعيد الكويت إلى داخل سياقها التاريخي للتنمية.
فالحكومة الحالية تتميّز عن سابقاتها بالعمل دون مخاطر الاصطدام بجدار الصراعات السياسية مع النواب، ما يجعلها تملك صلاحية الإدارة وإمكانات التنفيذ.
لكن هذه المزية الاستثنائية ليست هبة بل ثقة مشروطة بالإنجاز الذي يتطلب تفعيل مسؤوليات جسيمة تحتم على الوزراء تحدي أنفسهم في إنجاز التحول، لا سيما بعد أن بات عملهم تحت الرقابة المباشرة لسمو الأمير.
وهذا بالطبع يحتاج من الوزراء تبني إستراتيجية شاملة تدافع عن حاضر الكويت ومستقبلها ويواجهون من خلالها استحقاقات إقليمية خطيرة وتحوّلات دولية مقلقة.
ونتيجة حتمية لذلك، سيكون على الوزراء إدراك أنهم دخلوا بالفعل السباق ضد الزمن لتلافي ما فات البلاد من تنمية مستحقة، وأن طريقهم باتجاه واحد تقتضي إشاراته إحياء روية «الكويت 2035»، وتحقيق ما يستلزم من إصلاحات مزمنة ظلت مجرد حبراً على ورق خلال السنوات الماضية بسبب حالة الانسداد السياسي الذي طغى على علاقة السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ولذلك، مسؤولية نجاح الوزراء في إحداث النهضة المأمولة منهم مضاعفة، فلا أعذار مقبولة من حكومة في أداء مهامها التي أعاد سمو الأمير تذكيرها بها خلال أدائها القسم أمامه.
وهذا يعني ببساطة وبعيداً عن أي تعقيد وجوب التعجيل في تنفيذ المستهدفات بخطوات مدروسة وضمن جدول زمني محدد يلزم كل قيادي في الدولة بألا يهدأ له بال ولا يغمض له جفن حتى يحقق ما أتى من أجله، خصوصاً أن جميع العراقيل السياسية التي كانت تصد الحكومات السابقة عن التقدم انهارت سدودها.
وهنا قد يكون مفيداً التذكير بأنه ليس مطلوباً من الوزراء الحاليين اختراع البارود بل إعادة ترتيب الأولويات، وفي مقدمة ذلك استعجال اصدار مشاريع القوانين المعطلة بمراسيم ضرورة مثل قوانين المرور والإقامة والجزر والجنسية وكل ما يتعلق بالمشاريع التي تستهدف تنويع مصادر الدخل العام وحلحلة المشكلة الإسكانية وتحسين التعليم والصحة والتنمية البشرية وتعظيم أصول الدولة وغيرها من المشاريع الكافلة لإحداث تنمية مستدامة، وإطفاء حريق الميزانية العامة المتصاعد منذ نحو 10 سنوات، وجميع ما سبق وغيره يحتاج برامج عمل متطورة تواكب الحاجة الانقاذية وتعديل المسار بما يرضي طموح القيادة والشعب ويليق بمكانة الكويت.
فمجرد نفض الوزراء الغبار عن مشاريع القوانين المنسية في الادراج منذ سنوات طويلة والتي كان النواب يرفضون مناقشتها لأسباب سياسية يشكل انجازاً حكومياً مصيرياً، علماً أن تعطيل إقرار مشاريع التنمية راكم استحقاقات الإصلاح. وزاد هواجس المواطنين من زوال دولة الرفاه وسط محيط تقفز كل دوله إلى الأمام بخطوات مدروسة وممنهجة يومياً للدرجة التي تعمقت معها الفجوة بين درة الخليج «سابقاً» وجيرانها.
الخلاصة:
خاطب سمو أمير البلاد أعضاء الحكومة بالقول «عليكم واجبات ومسؤوليات تحتم مواصلتكم العمل ليل نهار، وهذه ضريبة التكليف والاختيار؛ فكونوا لقسمكم بارّين بإنجازات فعلية على أرض الواقع تعود بالفائدة على أبناء الكويت».
وحرص سمو الأمير على تنبيه الحكومة إلى أنها لن تكون بمنأى عن المحاسبة والرقابة، مشدّداً على ضرورة متابعتها «في تنفيذ أعمالها وواجباتها ومحاسبة من يقصر في أداء عمله».
وهنا يبرز مجدداً الأمل الممزوج بالتحدي حكومياً تجاه تعديل المسار وتحقيق الإصلاح بما ينسجم مع التحوّلات التي جرت في المنطقة الفترة الأخيرة والمرتقبة مستقبلاً.
لكن الأهم هنا أن استيعاب مقتضيات المرحلة الاستثنائية حكومياً يتطلب العمل بقدرات وإجراءات استثنائية، وبذل قصارى الجهود لتحقيق كل ما فيه خير الوطن ومصلحة المواطنين.