الرأي اليوم
حُكومتنا الرّشيدة... الدُّنيا ليست ربيعاً
بكلّ أريحية، نستهلّ الكلام اليوم عن «كويت جديدة» تعيش مرحلة انتقالية مفصليّة تُؤسّس لغدٍ مُختلفٍ. من لم يرَ بوادر هذه المرحلة فتلك مُشكلة تعكس قصوراً في التحليل والمُتابعة، ومن أصدر على ما هو آت أحكاماً مُسبقة فتلك مُشكلة تعكس استعجالاً في التقدير.
استخدم صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد صلاحيّاته في ما يراه مناسباً لمصلحة الكويت والكويتيّين. تم وقف العمل ببعض مواد الدستور لأنّ سموه وصل بحكمته ورؤيته إلى قناعة بأنها تحتاج لتعديل من أجل المزيد من الحُريّات والتطوّر والاستقرار... ونحن، وبالأسلوب الذي جُبلنا عليه منذ تأسيس الكويت، لا نملك إلا أن نحترم قراره وأمره ونلتفّ حول رمز شرعيتنا وننتظر ونواكب ونتفاعل مع ما سيتم تعديله من موادّ دستورية.
غداً يوم جديد، والمنطق أن جميع المُهتمّين بالشأن العام من شخصيّات سياسيّة وثقافيّة وإعلاميّة وأكاديميّة وغيرها مسؤوليتهم مُواكبة هذه المرحلة بالتقييم الموضوعي، فالخوف سمة المُرتبكين، أو أصحاب أغراض مُستَتِرة، أو مُخالفين يخشون الانكشاف، أو أرباب مُزايدات ومواقف تصعيدية بلا مُبرّر اللهمّ إلّا المصالح الخاصة وزيادة الخطاب الانقسامي الذي يُغذّي وجودهم.
المُهتمّون بالشأن العام جميعاً مَدعوّون لاحقاً وعند بِدء الإجراءات الجدّية للتعديل إلى المشاركة كلّ من موقعه، فإن كانت لنا ملاحظات – نحن في السلطة الرابعة مثلاً- سندلي بها ونُوصّلها وفق الأصول والأعراف وما جُبلنا عليه من عادات وتقاليد واحترام على مدى الزمن في الكويت.
هذه المُشاركة يحرص عليها سمو الأمير وتَتَجسّد في النطق السامي، وهذا التفاعل بين الحاكم والمحكوم هو الذي ضمن استمرار إِبحار المركب الكويتي مُتخطّياً كلّ العواصف الطبيعيّة وغير الطبيعيّة منذ ما يزيد على 350 سنة وحتى اليوم.
انتهينا من المُقدّمة وننتقل إلى المضمون.
العِبْرة في كلّ ما حصل تكمن الآن في مُراقبة أداء الحكومة، فإن كانت تعتقد أن حلّ البرلمان يعني كما في الأغنية المصرية الشهيرة أن: «الدنيا ربيع والجو بديع قفّلي على كل المواضيع»، فإنها بذلك تكون كمن يرتكب خطأً يفوق في جسامته خطأ اتفاق السلطتين سابقاً على العبث بمصالح البلاد العليا كما جاء في النطق السامي. لن تقفل المواضيع بل إن بابها سيُفتح على كل أنواع الرقابة، وسمو الأمير أبلغ رئيس وأعضاء الحكومة في أوّل اجتماع لها بأنه سيُتابع عملها ويُحاسب من يُقصّر، وسموه أيضاً وفي إطار تفعيل مُشاركة السلطة الرابعة قال بوجوب: «تفعيل دور الإعلام، ليعرف شعب الكويت الكريم برنامج عمل الحكومة وأهدافه وما يتحقّق منه، لتنالوا ثقتهم وتأييدهم، فثقة الشعب غالية، لا تُقدّر بأثمانٍ». ولذلك فالسلطة الرابعة مَدعوّة للرقابة والمُتابعة.
الدنيا ليست ربيعاً للاستمتاع بِجَوّه بالنسبة إلى الحكومة بل مُواجهة يوميّة مع مُختلف التحدّيات المُتعلّقة بحياة الناس وأمورهم، فلا عذر لها بأن هناك من يعرقل (حسب التبرير الدائم) ولا حُجّة في التقصير بعد الثقة الغالية من صاحب السمو، وليكن مبدأ الثواب والعقاب مُنطلقاً من ضمير الوزير أولاً ومخافة ربّه واحترام مصالح الناس والدولة، ولتكن المُحاسبة فورية إن حصل خطأ أو رُصد عجز أو لوحظ تقصير.
على الحكومة تحديد أولوياتها بسرعة، مثل حلّ مشاكل الإسكان التي يُعاني منها السواد الأعظم من الجيل الشاب.
مثل إحداث ثورة في النظام التعليمي وليس تغيير بعض المناهج لأن مُخرجات التعليم لدينا لا تبني قادة مستقبل ولا كوادر مسؤولة.
مثل دعم فئات المُجتمع التي تتطلّب عناية خاصة كالمُتقاعدين والمُحتاجين والمُنتظرين في طوابير التوزيع الوظيفي وأصحاب المشاريع الخاصة الذين حاصرتهم القوانين.
مثل تطوير القطاع الصحي فلا يُعقل أن واحدة من أغنى دول العالم تُرسل مُواطناً للعلاج في الخارج لأسباب لن ندخل فيها بدل أن تستقطب منظومتها الصحية أفضل أطباء وأجهزة الخارج.
مثل إطلاق عجلة الحيويّة في كلّ المجالات والتركيز على تنشيط الاقتصاد واستقطاب الاستثمارات لمشاريع مدروسة وضروريّة.
مثل ترجمة حرص القيادة السياسية على شراكة القطاع الخاص فعلاً لا قولاً. وأقول (وأنا مسؤول عن كلامي) لن يحصل تنشيط للاقتصاد من دون دور أساسي للقطاع الخاص ومنحه فرصاً أكبر للعمل والتوسّع وإزالة العوائق من أمامه. وإن قال أحدهم إن حرصي على القطاع الخاص ينطلق من كوني تاجراً فَردّي عليه بعيداً عن سطحية من غابت عنه حقائق التنمية: نعم وأنا قدري أن أكون في هذا البلد تاجراً ابن تاجر ابن تاجر وهذا فخر سأورثه لأبنائي وأحفادي إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
والأهمّ، أن تتوقّف الحكومة عن تبذير الأموال هنا وهناك لإرضاء فئات أو قِطاعات لفترة قصيرة كما كان يحدث سابقاً... ولن أتوسّع في هذه النقطة.
من أجل الكويت، ومن أجل الحكومة، وحرصاً على نجاح تجربة المرحلة الانتقالية، سنزيد كسلطة رابعة من الرقابة الشعبيّة والمُتابعة والنّقد ونكون عوناً لمن طالبنا بالعون... فإن اجتهدت ونجحت فلها أجران وإن فشل البعض في أداء ما هو مُنتظر مِنه فلنا عودة إلى جُزئيّة الحِساب التي كانت أساسيّة في خِطاب صاحب السمو.