بدء التحضير الجدّي لعملية رفح... والاستغناء عن الأسرى الإسرائيليين!
بدأت الاستعداداتُ لاجتياح آخِر منطقة في قطاع غزة، رفح، بعد تمهيدٍ ناري بقصفٍ متقطع من البر والبحر والجو تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة «لتشجيع» ودفْع أعداد أكبر من المهجّرين على العودة إلى المناطق الجنوبية التي انسحب منها هذا الجيش الذي يحتفظ بحق معاودة الهجوم عليها حين يشاء.
ورغم التصريحات الأميركية المُعارِضة لاجتياح رفح «لعدم اقتناع الإدارة بالخطة الاسرائيلية المرسومة لانعدام صدقية تنفيذها» - وليس بقرار الهجوم الذي لا بدّ منه ويوافق عليه جميع الإسرائيليين من السياسيين الداعمين والمعارضين لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ولكن يختلفون على الأولويات - إلا أن القرارَ الإسرائيلي يبدو أن لا رجوع عنه. وقد سبق أن ردّد نتنياهو ان «الهجوم على رفح يحقق النصر المطلق»، وهي نتيجة يشكك فيها المسؤولون الإسرائيليون والاميركيون.
تَعَثُّر المفاوضات
قدّمت «حماس» التي تنوب عن جميع الفصائل الفلسطينية المُقاوِمة اقتراحاً أخيراً في 13 ابريل، ينصّ على بنود ثابتة لا تغيير فيها وعلى رأسها وقف إطلاق نار دائم، الانسحاب الكامل لجيش الاحتلال من غزة وتَبادُل لجميع الأسرى الأحياء والأموات والجثامين الباقين في حوزة المقاومة.
كذلك اقترحت الحركة - في خفْض لافت لمطالبها السابقة - مبادلة كل مجندة إسرائيلية وقعت في الأسر داخل الثكن التي هوجمت في السابع من أكتوبر بـ50 أسيراً فلسطينياً بينهم 30 من المحكومين بالمؤبد و20 محكومون بأحكام عالية.
وأكدت أنها تريد ضامنين لأي اتفاق، واقترحت قطر ومصر وتركيا وروسيا. إلا ان المصادر أكدت ان أميركا رفضت تركيا وروسيا كضامنيْن لأي اتفاق.
وردّت إسرائيل على هذا المقترح بعد أسبوعين في شكل رسمي كما هو متبع، وذلك بما يعكس إصرار نتنياهو على عدم وقف الحرب والانسحاب المطلق من غزة، لأن لديه مخططاً آخَر بعيداً جداً عن المفاوضات وإطلاق سراح الـ 136 أسيراً وجثماناً لإسرائيليين، وسط اعتقادٍ في تل أبيب بأن هناك ما لا يتعدى 50 أسيراً فقط على قيد الحياة.
ولذلك، وبسبب عدم نيته وقف الحرب، حدّد نتنياهو صلاحيات الفريق الإسرائيلي المُفاوِض وهو يمنع أي تفاوض يتنازل فيه عن ثوابته بإبقاء الحرب مشتعلة، ويحبط كل محاولة تفرض انتخابات إسرائيلية مبكّرة وتوقف الحرب.
ويَقبل نتنياهو بإطلاق سراح الأسرى بثمن بخس فقط ليُكْمِلَ الحربَ بعد ذلك ويحتل رفح ويقيم حُكْماً عسكرياً في غزة كما سُرّب عن قريبين منه.
وقد تخطى وزراء حكومة الحرب بني غانتس وغازي إيزنكوت ويوآف غالانت رئيس الوزراء وهم يطلعون على تفاصيل المفاوضات من الوفد المفاوض مباشرةً لانعدام الثقة بنتنياهو.
ويعتمد رئيس الوزراء على الدعم الذي يتمتع به من المجتمع المُحارِب الذي يرغب بإنهاء الوجود الفلسطيني وعلى ان أهالي الأسرى لا يشكّلون عدداً كافياً معارضاً لسياسته ليدفعه في اتجاه التفاوض حتى ولو كان 52 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون المفاوضات ولكنهم يؤيدون أيضا الاستمرار بالحرب.
وتَعلم المقاومة الفلسطينية أنها لا تستطيع تحرير الأسرى وخسارة هذه الورقة مقابل صفقة لا تشمل وقف الحرب نهائياً. وتفضّل ان يلاقي هؤلاء نفس مصير الفلسطينيين الذين يُقتلون تحت الردم والأنقاض جراء القصف الإسرائيلي.
ويريد نتنياهو احتلال رفح ليَقْضي على عدد من قادة «حماس» أو يَقتل الأسرى الإسرائيليين لإزالة هذا الملف نهائياً بما من شأنه أن يطلق يده في غزة كيفما يشاء.
إلا ان الرياح قد لا تجري بما تشتهي له السفن: إذ من الممكن ان يدخل الجيش رفح ولا يجد أسرى على قيد الحياة أو على الأقلّ، لا يجد جميع الأسرى.
وفي هذه الحال يستطيع نتنياهو ان يقدم للشعب الإسرائيلي إمكانية التفاوض بعد احتلال رفح والخروج منها وفي موقف مختلف يَضمن إبقاء قوة عسكرية في غزة وعدم الانسحاب منها. إلا أن ذلك لن يصبّ في مصلحة بقائه في الحكم بعد ذلك.
ولا تعتبر «حماس» ان الوضع الإنساني الضاغط يؤثّر على قرار التفاوض لمصلحة التنازل من دون الوصول إلى وقف إطلاق نار دائم وعودة المهجّرين إلى منازلهم في الشمال. لأن ذلك من شأنه الإطاحة بكل التضحيات التي قدمها الشعب ومقاومة غزة من 44 ألف شهيد و66 ألف جريح، حتى الآن.
التحضير لاجتياح رفح
أكد نتنياهو انه «لا توجد قوة في العالم ستمنع إسرائيل من اجتياح رفح»، وان «النصر أصبح قريباً جداً وفي متناول اليد». كما أعلن وزير المال بتسلئيل سموتريش ان «لا أمن لإسرائيل من دون احتلال كامل لقطاع غزة».
وانتظر نتنياهو أشهراً طويلة لتكتمل خطته لاحتلال رفح. فبدأ جيشه بقصف مواقع عدة ومنازل في رفح ليوقع عشرات القتلى من المدنيين والأطفال يومياً.
وهذا ما دفع نحو 300 ألف من المهجرين الفلسطينيين من أصل 1.300.000 إلى العودة إلى منازلهم في جنوب غزة مثل مناطق دير البلح والمغازي والنصيرات والبريج وعبسان الجديدة والزنة ومدينة حمد وخان يونس لتفقُّد منازلهم والعيش فيها بدل الخيم الموقتة في رفح.
وهذا بالضبط ما يريده نتنياهو ليشجّع، تحت القصف، العودة لمناطق الجنوب (بما انه يغلق الشمال من خلال معبر نتساريم) ليتسنى لجيش الاحتلال العمل بوجود عدد أقل من المهجرين.
وقد وصلت 10.000 خيمة إلى إسرائيل لتُقدَّم للفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم بانتظار 30.000 خيمة أخرى قدّمتها بعض الدول ومن بينها أميركا لإنشاء مخيمات في جنوب غزة بعد دفْع المهجّرين من رفح إليها قبل بدء العملية العسكرية.
تستطيع إسرائيل إغلاق معبر رفح بالكامل والاعتماد على المعابر الأخرى التي تمرّ عبر كل المناطق التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي وعبر الرصيف البحري قيد الانشاء والاستغناء عن رفح لتصبح إعادة الإعمار وتدفق الغذاء بيد إسرائيل وحدها.
وهذه العملية لا بد ان تنطلق قريباً لتقترب المعركة من نهايتها لأنها أصبحت عبئاً على أميركا وإسرائيل وعلى الغرب بسبب ردّ فعل الشعوب، خصوصاً الطلاب في الجامعات الأميركية، لكثرة جرائم إسرائيل التي ارتكبتْها أمام الكاميرات ولتجويع الفلسطينيين وقتْل آلاف الأطفال والنساء وتدمير غزة.
إلا أن بديلاً عن ممرّ رفح الغذائي لقطاع غزة لايزال غير متوفر، وهذا ما يدفع واشنطن لرفض خطة نتنياهو لدخول المدينة في ظل وجود أعداد هائلة من المهجّرين وشبح المجاعة يسيطر على كامل القطاع المنكوب.
اقترب موعد المعركة التي لا بد منها حيث يعتقد الفلسطينيون أن العالم تخلّى عنهم وتركهم تحت رحمة عدوٍّ لا يرحم ويقتل منهما مَن يشاء وكيفما يشاء ويقول لهم إن لا أحد يسأل عنكم ولا حياة لكم في غزة فارحلوا عنها.
وفي مقابل خطة نتنياهو، هناك إرادة شعبية دولية داعِمة بقوة وإرادة فلسطينية متمسكة بالأرض. فبين الفلسطينيين مَن سيرفض الرحيل، تماماً كما حصل يوم النكبة عام 1948 حين غادر أرض الأجداد مئات الآلاف.
إلا ان عدداً كبيراً بقي على أرض فلسطين رافضاً التخلي عن أرض الأجداد للصهيونية. ولذلك لا عجب أن يُعيد التاريخ نفسه وتفشل إسرائيل في تحقيق حلمها الأكبر.