واشنطن أبلغت طهران بنيات تل أبيب قبل الضربة
«هجوم أصفهان»... ضربة إسرائيلية تفتقد الردع
بعد 5 جلساتٍ لمجلس الأمن الإسرائيلي المصغّر، لدرس حجم الضربة الإسرائيلية على إيران، جاء القرارُ، كما وصفه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، بـ«المسخرة»، لاستهزائه بحجم الضربة الرمزية الخالية من الإنجازات والبعيدة عن تحقيق معادلة الردع القديمة.وقالت مصادر إيرانية قيادية، إن «إسرائيل أبلغتْ إلى الولايات المتحدة بحجم ومكان الاستهداف، وواشنطن أكدت بدورها الأمرَ لطرفٍ ثالث، ليتم إيصال الرسالة عمداً لطهران التي ردت بأنها ستضرب إسرائيل فوراً، وأنها لن تقبل بأي سيناريو يتسبّب بخسائر في الأرواح أو اعتداء على منشآت عسكرية أو نووية».إلا أن إطلاق الصواريخ الثلاثة من طائرة إسرائيلية خارج الغلاف الجوي الإيراني واصطيادها من دفاعات إيران شرق مدينة أصفهان وحول الموقع النووي في ناتانز، أنزل الجميع عن الشجرة، لتقبل إسرائيل بمعادلة 300 مسيَّرة وصواريخ بالستية ومجنَّحة، ليل 13 - 14 أبريل، مقابل ثلاثة صواريخ رمزية أفقدتها الردع أكثر مما كانت الحال عليه قبل الردّ، ولينكفئ احتمال نشوب حرب شرق أوسطية، مع سقوط الحاجة إلى المزيد من الانتقام المباشر والعلني، بحسب المصادر المطلعة.إلا أن تصريحات بن غفير اللاذعة والمستهزئة ببنيامين نتنياهو استدعت ردود فعل من مكتب رئيس الوزراء الذي وصفها بـ«الخطرة على الأمن القومي»، لأن الكشف عن المسؤولية يعود حصراً لرئيس الوزراء ومكتبه وتلميحاته عبر وسائل الإعلام بتوقيتٍ يختاره هو.واعتبرت طهران أن «الضربة الرمزية والمتواضعة» ضد دفاعات ناتانز التي اصطادتها وهي تدخل الأجواء الإيرانية «لا تستحق الردّ»، وأنها غير معنية بالتصعيد، وهو موقف يهلّل له حلفاء إسرائيل.ومن نتائج حرب أوكرانيا واستخلاص العِبَر منها، وبعد ضرب وتدمير روسيا لمنظومة «باتريوت» الاعتراضية، تعلّم الجميع ضرورة فصل وإبعاد الرادارات عن موقع الصواريخ لمنْع تدمير المنظومة بأكملها. وهذا ما سمح لإيران بتطبيق التدابير المستحدَثة واعتراض الأجسام (الصواريخ الإسرائيلية حتى ولو كانت صغيرة الحجم) وتدميرها.وأكدت صور الأقمار الاصطناعية الأميركية عدم وقوع أي ضرر في المنشآت العسكرية الإيرانية ولا بدفاعاتها النووية.إذ قبلت إسرائيل بأن مهاجمتها لإيران لن تعيد «ميزان الردع» الذي كان قائماً قبل ضرب وتدمير القنصلية الإيرانية. واستنتجت تل أبيب أن طهران لم تكن لتجرؤ على قصفها بالبالستي من دون امتلاكها قنابل نووية أو أنها قريبة جداً من ذلك.وهذا يعني، وفق المصادر، أن ما يحكم العلاقة بين الطرفين هو ميزان «الرعب النووي»، خصوصاً بعدما هددت إيران بإعادة النظر بفتوى السيد علي خامنئي الذي حرّم اقتناء السلاح النووي.لذلك وجدت تل أبيب أن من الأفضل محاولة العودة إلى قواعد الاشتباك القديمة، أي ما قبل ارتكاب تل أبيب ما أقرّت بأنه خطأ في تقدير ردّ فعل إيران على مهاجمة وتدمير قنصليتها في سورية، والتي كانت سارية على الجميع.وكانت قواعد الاشتباك، تقضي بتبادل الضربات في أعالي البحار أو في سورية أو ضربات أمنية واضطرابات مدنية في داخل إيران التي كانت تردّ بضربات مماثلة وبتسليح وتطوير ومشاركة الخبرات مع الحلفاء.
معادلة جديدة
إلا أن العودة إلى الماضي ومعادلته لم تعد سهلةً، لأن معادلة جديدة في شرق أوسط جديد أَوْجَدَتْها الجرأةُ الإيرانية في مهاجمة إسرائيل بالمباشر وتوجيه ضربة كبيرة شكلت صدمةً للمجتمع الغربي ولإسرائيل، حسب المصادر القيادية.أما إيران، ووفق ما تضيف المصادر، فقد «قرأت» العملية التي نفّذتْها هي على أنها نجحت في فرْض واقع جديد وتحديد الإخفاقات ونقاط القوة والضعف لتطوير الوسائل القتالية الهجومية المستقبلية ولتعزيز قدراتها الصاروخية.وتَعتبر طهران أنها أصبحت جزءاً من «نادي الدول» التي تشارك في الحروب ضد الدول خصوصاً تلك التي تطولها صواريخها.ولم تعلن إسرائيل رسمياً مسؤوليتَها عن الهجمة الصاروخية (أو بالمسيَّرات)، لكنها لم تنفِ أياً من المعلومات المسرَّبة والتي تؤكد ان أميركا كانت على علم ولكنها «لم تشارك في العملية»، كما أكد وزير الخارجية أنتوني بلينكن. لكن من الطبيعي أن تأثيرَ واشنطن على حجم العملية واحتوائها واضحٌ وجليّ لأن الردّ الضعيف لم يمسّ بالتحالف الذي وُلد ليدافع عن إسرائيل من هجمات إيران الصاروخية.وقد أكد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، أنه أبلغ نتنياهو أن «أي تصعيد كبير لا يخدم مصلحة أحد ونريد رؤيةَ الهدوء يعود إلى المنطقة»، ما يؤكد أن ضابط الإيقاع الأميركي هو «المايسترو» الذي، من خلال إعلامه، يعلن عن تفاصيل العملية والضربة الأمنية التي سمحت لإسرائيل بتنفيس احتقانها والانتقال إلى مرحلة الضربات الأمنية و«المعركة بين الحروب»، كما كان يحصل في السابق، بحسب المصادر.
ضربات في سورية والعراق
وهذا ما دفع إسرائيل لقصف مواقع للجيش السوري في الجنوب وضرب مطار الثعلة ومطار إزرع الزراعي وكتيبة الرادار بين إزرع وقرفا بين السويداء ودرعا، لتدمّر منظومات رادارية عسكرية، من دون أن تستهدف أي موقع تابع للمستشارين الإيرانيين.كذلك ضربتْ تل أبيب قاعدة لـ «الحشد الشعبي» في محافظة بابل العراقية، ليقدّم نتنياهو نفسه على أنه يستطيع أن يطول من يشاء في الشرق الأوسط من حلفاء إيران. إلا أن ذلك يبدو أنه يقتصر على الحلفاء الأضعف فقط، والذين لا يملكون أو لا يرغبون بفتح جبهة واسعة في الوضع الراهن.وتعتبر المصادر، أن إسرائيل فقدت بوصلةَ أهدافها بسبب فشلها في تحرير الأسرى الإسرائيليين والقضاء على «حماس» عبر العمليات العسكرية المدمّرة، ما دفعها للتهور غير المحسوب ضد طهران التي لم تعد لقمةً سهلة لنتنياهو، فاصطدمت بالجدار الذي لم تحسب حسابه.أما الآن، فعلى القيادة العودة إلى خطوط النار الأصلية والتركيز على حرب غزة للبحث عن وسيلة للخروج من المأزق بالتحضير لعملية رفح البرية، مع الإبقاء على العمليات الأمنية والإغارة المفاجئة في شمال القطاع وجنوبه، قبل أن تقتنع تل أبيب بضرورة الجلوس على طاولة المفاوضات، وإنهاء الحرب.لم يعد خافياً أن إسرائيل وصلت إلى المراحل الأخيرة من حربها ولم يتبق لها سوى رفح، كما يدّعي نتنياهو، ما سيريح أميركا التي تخشى على نتائج الانتخابات الرئاسية وهي قلقة مما يمكن لرئيس وزراء أن يفعله ليجرّ الجميع إلى حرب واسعة لا تُحمد عقباها ولا يرغب بها أحد، الأمر الذي سيدفع للتسريع في عجلة الحرب على غزة بقدر الإمكان لتجنّب الأسوأ.فإسرائيل «فقدت الردع وخسرت أمام أضعف أعدائها (المقاومة الفلسطينية)»، كما صرّح وزير «حكومة الحرب» المصغرة غادي أيزينكوت، وفقدتْ ردعها في وجه أشرس أعدائها (إيران) لتضع نفسها في مكان لا يعيد لسكان «غلاف غزة» ولا لمستعمرات الحدود، اليقينَ منذ السابع من أكتوبر وبعد أكثر من 6 أشهر على الحرب اللا إنسانية التي لم تحقق أهدافها. وقد أنتجت سياسة نتنياهو وفشله تصدُّعاً وخلافاً داخلياً شديداً بين الساسة والمجتمع، في ضوء اقتصادٍ منهار وضعفِ أداء الجيش المترهل والذي لم تعطه القوةَ أو الغلبةَ مجموعةٌ كبيرة من الدول الحليفة والقوية التي أدركت أن إسرائيل تحتاج دائماً لمّن يمسك يدها.لقد أصبح الجميع «تحت الشجرة» وتثبّتت معادلة ردع جديدة لتتصدّع سياسة «المعركة بين الحروب في المناطق الرمادية» التي أجادتْها واتبعتها إسرائيل لعقود عندما كانت طهران غير جاهزة لمواجهة مباشرة مع إسرائيل وحلفائها الأقوياء.