هجوم السفارة... الإمبراطورية الإيرانية لن ترد

تصغير
تكبير

الأول من أبريل هذا العام، الذي يُعرف بـ «يوم الكذب»، كان مختلفاً بالنسبة لسكان دمشق ومنطقة المزة فيها. فقد هز انفجار كبير، الحي، استهدف مبنى ملحق بالسفارة الإيرانية في سورية. أدى الهجوم الذي نفذته طائرات إسرائيلية إلى تدمير كامل للمبنى، الذي كان يستضيف اجتماعاً للقيادة العليا للحرس الثوري الإيراني وأسفر عن مقتل محمد رضا زاهدي، قائد قوة «فيلق القدس» في فلسطين وسورية ولبنان.

بالنسبة للكثيرين، كان الهجوم على الحرس الثوري في دمشق استفزازاً يمكن أن يجر النظام الإيراني إلى حرب شاملة. ومع ذلك، مر أسبوع من دون أي رد انتقامي.

وعدم قيام الحرس الثوري بالثأر من الضربة التي دمرت غرفة عمليات الحرس الثوري في المشرق، يؤكد حقائق عدة تستمر الجهات الإقليمية والمجتمع الدولي في تجاهلها. ومن هذه الحقائق، الضعف النسبي لإيران مقارنة بما يفترضه الغرب أو الصورة التي يرغب في تصويرها بالمنطقة.

وبينما قامت الإدارة الأميركية بالترويج بأن إيران غير مسؤولة عن هجوم «طوفان الأقصى»، كان زاهدي وفريقه - بالنظر إلى ألقابهم وأوصاف وظائفهم - حاسمين في تسليح وتدريب الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة وعلى رأسها «حزب الله» وحركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وتم التعبير بوضوح عن هذا الدور في تعزيز القدرات والتدريب وتمويل تلك الأذرع، في خطابات وبيانات الرثاء التي أعقبت اغتيالهم.

من المفارقات، أن العميد حسين أميرالله، الذي لقي حتفه إلى جانب زاهدي، كان لقبه قائد أركان الحرس الثوري في سورية ولبنان، صفة تعطي للوهلة الأولى نوعاً من «الشعور الخادع» بأنه مدير إقليمي لمنظمة غير حكومية دولية تعمل على تخفيف معاناة اللاجئين أو المحرومين، في حين أن الحقيقة تؤكد أنه المسؤول مباشرة عن ما يشارك فيه الحرس الثوري في المنطقة، بما في ذلك استخدام النظام السوري، البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية.

علاوة على ذلك، كان عمر زاهدي 63 عاماً حين مقتله، وهو أمر غير معتاد بالنسبة لضابط في جيش طبيعي، حيث تكون سن التقاعد، مثل العديد من الدول أقل من 60 عاماً.

وبالتالي، فإن تصوير زاهدي والحرس الثوري كأبطال لشعوب المنطقة والفلسطينيين ليس فقط موضوعاً غير دقيق بل هو «حفلة» من التضليل. فالحرس الثوري ووكلاؤه، ثبت عدم فعاليتهم ضد الجيوش النظامية ذات القدرة التكنولوجية الأعلى، وخير دليل هو سير العمليات الحربية بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان.

فمشاركة «حزب الله» في الحرب السورية وتحوله إلى جيش نظامي لقتل السوريين المنتفضين على نظام الأسد جعل منهم هدفاً سهلاً للجيش الإسرائيلي في الحروب اللاحقة، فتلك المشاركة في حرب سورية عرتهم من «عباءة القدسية» التي خلعوها على أنفسهم، وعزلتهم عن بقية العالم الإسلامي الذي سبق ونظر لهم خلال سنوات طويلة بكثير من المحبة والفخر، بسبب خطاباتهم الطويلة عن محاربة إسرائيل.

على الرغم من التوقعات بانتقام إيران وحرسها الثوري لخسارة «الخبراء في دمشق»، إلا أنه يبدو أن هذا الرد أمر غير محتمل، بالنظر إلى الواقع على الأرض والسوابق التاريخية. بينما كان زاهدي مهماً لإيران، إلا أنه لم تتطابق أهميته مع سلفه، قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» الذي اغتالته طائرة مسيرة أميركية في 3 يناير 2020.

بعد هذه العملية لم تتناسب الأعمال الإيرانية مع حجم خسارة سليماني، والإسقاط «العرضي» لرحلة الخطوط الجوية الأوكرانية فوق طهران جعل من الحرس الثوري موضع سخرية.

تعهدت إيران ووكلاؤها بالانتقام لسليماني، ومع ذلك، تشير أفعالهم إلى تفضيلهم التحفظ على اتخاذ خطوة هجومية، إلى الحد الذي أصبح فيه الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله، يُشار إليه بـ«الصابر الأكبر» من قبل منتقديه.

في الواقع، على عكس تهديدات قيادته، يفتقر الحرس الثوري إلى القدرة على تحقيق مطالبه الضخمة ضد إسرائيل أو دعم الفلسطينيين وسط الحرب المستمرة في قطاع غزة.

ليس تحفظ إيران انعكاساً للحكمة الإستراتيجية ولكنه تجسيد لعجزها عن الوفاء بالسردية التي بناها الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، باعتبار طهران خصماً جديراً أو بشكل آخر «شراً» ككائن يمكن احتواؤه وتطبيعه.

«الإمبراطورية الإيرانية» لن ترد الآن، ليس لأنها غير متهورة ومتسرعة، بل لأنها لا تمتلك القدرة ولا السلاح «الذكي» كما تدعي.

إيران ليست إمبراطورية ولكنها «دولة مارقة»، بحسب التعبير الغربي. وفي نهاية المطاف، التآمر على صناعة الفوضى من مبنى ملحق بسفارة، لا يمنح الحصانة الديبلوماسية، كذلك الادعاء بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني لا يمنح حقاً، لأن هذا التآمر يعمل فعلياً على تقويض قضيته.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي