نصيحته الدائمة لكل زمان «يجب أن يكون لدى الإنسان هدف من وجوده... أهم من الأنا»
خالد غطاس: حلمي الوصول إلى أكبر منبر في العالم ... لأنقل الصورة الحقيقية عن العرب
- صادفت شاباً مع زوجته قال لي وهو يرتجف «أريد أن أشكرك لأنك أصلحت لي في أفكاري»
- أريد المساهمة في تنقية عالمنا العربي من المفاهيم الشائبة التي تؤثر علينا في حياتنا وتفكيرنا
- الشعوب العربية فعلاً عظيمة... والعالم بحاجة إلى قِيَمنا وعاداتنا وأخلاقنا
- لديّ خطة بأن أذهب إلى كل أنحاء العالم لأقول نحن هؤلاء وما تفكرونه عنّا ليس دقيقاً
- الطرح الإنساني المتناسق والمتزن فيه عناصر كثيرة من الأديان
- طرحي هو طرح حياتي... لست رجل دين وإنما رجل علم وفهمي للدين هو بحكم خلفيتي
- ازدحام الهويات في العصر الحالي يجعل الإنسان يحنّ إلى النفاق القديم... الذي كان سهلاً
من الكيمياء والبيولوجيا وإدارة الأعمال إلى السلوك البشري وعلم النفس الإيجابي، انتقل الدكتور خالد غطاس لـ«يُدخل بعض الفكر في أفكارنا، بعض الحياة في حياتنا، بعض الإنسان في إنسانيتنا، ثم نغيّر بذلك الدنيا».
الشاب اللبناني الأربعيني تمكّن بأسلوبه غير التقليدي من اجتذاب ملايين المتابعين على حساباته في منصات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتفرّد بطرق آسرة لإيصال رسائله بلغة مُحببة للشباب ومقبولة من مختلف الأعمار، بحيث يشعر من يشاهده بأن ما يراه ويسمعه سبق أن مرَّ معه سابقاً لكنه لم ينتبه لكل تفاصيله، ما يترك أثراً كبيراً في أذهان متابعيه وربما يدفعهم إلى تغييرات كبيرة في حياتهم.
وهذا تماماً ما حصل مع شخص التقى صدفة في دبي مع الدكتور غطاس الذي يروي لـ«الراي»: «صادفت شاباً مع زوجته قال لي وهو يرتجف (أريد أن أشكرك لأنك أصلحت لي في أفكاري وعدلت لي بها وأخذتني إلى التصحيح خطوة تلو الأخرى، لم أشعر خلالها أنني أتغيّر، وإنما شعرت بذلك في نهاية المطاف)».
يضيف غطاس وهو متأثر: «كان الشاب يتحدث وزوجته إلى جانبه، وهو أمر نادر أن يُعرب الرجال عن مكنوناتهم بشكل علني وبهذه الطريقة لأنهم عادة يميلون للتحفظ... لقد كانت لحظة مميّزة بالفعل».
«هكذا نعيش ونحن هؤلاء»
الرجل الذي يجول عواصم عربية عدة لإلقاء محاضرات وإقامة ندوات تجتذب الآلاف، يقول عن حلمه وهدفه: «أنا أريد المساهمة في تنقية عالمنا العربي من المفاهيم الشائبة التي تؤثر علينا في حياتنا وتفكيرنا وفي كيفية تعاملنا مع أبنائنا ومع أصدقائنا ومع الدين ومع التكنولوجيا... كأفراد ومجتمعات ودول... أنا أعتبر أن العرب مجهزون لقيادة العالم (To lead the world) أنا أعتقد أن العالم بحاجة إلى قِيَمنا وعاداتنا وأخلاقنا... وهدفي الخروج من المجتمعات العربية إلى العالم... لديّ حلم وخطة أن أذهب إلى كل أنحاء العالم لأنقل الصورة الحقيقية عن العرب... أننا هكذا نعيش ونحن هؤلاء وما تفكرونه عنا ليس بالضرورة أن يكون دقيقاً أو يمثلنا... نحن شعوب فعلاً عظيمة... حلمي أن أصل إلى أكبر منبر في العالم بإذن الله لأقول إننا نحن هؤلاء الناس بكل فخر».
«الحقيقة في الأديان»
عن الدين ومدى تأثره به ومدى صحة وصوله للإلحاد في مرحلة سابقة من حياته، يوضح غطاس أن «أي شخص ثوري بأفكاره يمرّ بمرحلة يطرح فيها بعض الأسئلة بجرأة ولا يخاف من ذلك، وهذه كانت البداية... مرّت فترة سابقاً بهذا المعنى لكن توصيفها كإلحاد بمعناه الحقيقي فيه شيء من المبالغة، لم تصل لهذه المرحلة لكن كان هناك جرأة كبيرة في طرح الأسئلة».
ويرى أن «جزءاً كبيراً من الحقيقة موجود في الأديان، وأن الطرح الإنساني المتناسق والمتزن فيه عناصر كثيرة من الأديان»، لافتاً إلى أن «المعيار الأساسي الذي يتبناه الإنسان هو موضوع شخصي لكن إذا كان صادقاً في طرحه لا يستطيع أن يكون بعيداً عن الحقيقة، لأن هناك حقيقة في الأديان بصناعة الإنسان وطريقة التعامل والعبادة».
ويشدد على «أنني لست رجل دين، وإنما رجل علم، وفهمي للدين هو بحكم خلفيتي، والإنسان يمكن أن يكون عادياً ولديه الخلفية المطلوبة دينياً ويعيش متناغماً مع الحياة العصرية بكل أبعادها... ولا أريد أن أتحول إلى Idol ديني لأن طرحي في الحقيقة هو طرح حياتي».
«النفاق الماضي... الجميل»
يبدي الدكتور غطاس استغرابه لحجم المبيعات التي حققها كتابه «وكان النفاق جميلاً» الذي فاق جميع المؤلفات في معارض كبرى، لكنه يعرب عن سعادته بهذه «النقلة النوعية» التي تستقطب الشبان والشابات وتُغيّر مفاهيمهم عن الكُتّاب والكتب، وأن المؤلف يمكن أن يكون شاباً مثلهم وليس قديماً من كتب التاريخ.
يعزو النجاح الكبير الذي حققه الكتاب، في جزء كبير منه، إلى عنوانه بما يحمله من «تناقض»، ويوضح: «في المغزى ليس تناقضاً بقدر ما هو يحتوي على بُعد نقدي للواقع الحالي، وحنين لما كنّا عليه في السابق».
ويضيف شارحاً العنوان: «المقصود به أن النفاق في السابق كان سهلاً، بمعنى أن المنافق كان يُظهر هوية ويخفي أخرى، فكان يتراوح بين هويتين، وهذا أمر سهل، فالشخص يدرك ماهية ذاته من الداخل والخارج، أما حالياً فالشخص لا يعرف نفسه لا من الداخل ولا من الخارج... هل هو منغلق أم منفتح؟ شرقي أم غربي؟ مع التكنولوجيا أو ضد التكنولوجيا؟... كل هذه الخلطة تُوجِدُ ازدحام هويات تجعل الإنسان يحنّ إلى النفاق القديم».
ويشير إلى أن البعض يقرأ العنوان من زاوية أخرى بطريقة أبسط، بمعنى أن النفاق أصبح كبيراً وبمدى أوسع في هذا الزمن، مقارنة بالسابق، وهو تفسير ممكن أيضاً باعتبار العنوان «حمّال أوجه».
العطاء ومخافة الله
عندما طلبتُ منه نصيحة في ختام الحوار تحفظ قليلاً في البداية ربما لأن كل كلامه بمضمونه يحتوي على نصائح، لكن عندما أوضحت له أن طلبي يتعلق بنصيحة دائمة تصلح في كل زمان، أخذ الدكتور نفساً عميقاً ثم أردف: «يجب أن يكون لدى الإنسان شيء أهم من نفسه... أي أن يكون لديه هدف من وجوده أهم من الأنا... من يكن كذلك يكن محمياً لأنه يعطي أكثر... والعطاء يساعد... ولأنه يخاف رب العالمين ومخافة رب العالمين تساعد... عندما يكون لديه شيء أهم من نفسه يعني أنه يتعب ويُضحّي من أجله ويربط كل شيء يقوم به بهذا الهدف وهذا الشيء وهذا الشخص».
العقل والهرمونات... وأسباب عدم الزواج
لماذا الزواج يحتاج إلى «لحظة جنون»؟ وفق رأيه، يجيب الدكتور خالد غطاس: «الحب علمياً يُغيّب العقل نسبياً، لأن الهرمونات تحكم والعقل يخفّ... وعندما يخف العقل يتزوج الإنسان... لكن بالنسبة لي هناك عدد من الأسباب لعدم زواجي حتى الآن: أولها احتمال الغربة لأنني لا أريد أن أتزوج ويعيش أولادي خارج لبنان بعيداً عن أهلي، لأنني لا أعتبر أن العائلة هي فقط أب وأم، وإنما جميع الأفراد من أعمام وأخوال وجد وجدة... ثانياً مواصلة التعلم فأنا أول مرة جنيت المال من دون والدي كان عمري 34 عاماً، الحمد لله والدي ساعدني حتى أواصل علمي حتى عمر 34 عاماً ولذلك لم أكن أفكر بضرورة أن أجني المال... والزواج يحتاج إلى ملاءة مالية لتأمين متطلبات الأسرة».
«لستُ مسيحياً وطرحي إنساني»
يلفت غطاس إلى أن الكثير من المواقع تكتب عنه أنه متزوج في حين أنه أعزب، ويكتبون أن لديه أولاداً وهذا غير صحيح، كما يكتبون أيضاً أنه مسيحي بحكم اسم عائلته الموجود من أفرادها مسيحيون ومسلمون في حين أنه مسلم.
وأضاف: «أنا ليس لديّ مشكلة في ذلك بمعنى أن من يسمعني يعرف أن طرحي هو طرح إنساني، ورغم أنني أستشهد في كثير من الأحيان بآيات من القرآن الكريم إلا أن المتداول أنني مسيحي».
ويشير إلى أن كون الكثير من متابعيه هم من المسيحيين «يؤكد أنك تستطيع أن تتحدث مع الإنسان أياً كانت ديانته، إذا كان الطرح اجتماعياً ومتوازناً ومحبباً وطبيعياً».
سؤال لم يُجب عنه سابقاً
لدى سؤاله عن أكثر شيء قام به وجعله سعيداً، يقول غطاس بعد بعضٍ من الصمت والتفكير: «فعلاً سؤال حلو مش مجاوب عليه من قبل»، ثم يستطرد: «أمر عائلي قمت به وجعلني سعيداً، وهناك أيضاً ورشة الشباب تجعلني سعيداً، كذلك عندما أتلقى ردود فعل الناس الإيجابية».
من هو الدكتور خالد غطاس؟
ولد في صيدا العام 1983، وهو حاصل على درجة البكالوريوس في الكيمياء من جامعة بيروت العربيّة، وشهادة الماجستير في إدارة الأعمال الدولية من إسبانيا، والدكتوراه في علم الأحياء من الجامعة الأميركيّة في بيروت. كما حصل على شهادة «تطوير القائد الحقيقي» والاقتصاد السلوكي من كُلية هارفارد للأعمال، واتخاذ القرار من جامعة ستانفورد.
لا تقتصر اهتماماته على البحث العلمي وإدارة الأعمال، بل تشمل السلوك البشري وعلم النفس وحضارة الشرق الأوسط، بما في ذلك الشِّعر والفن والدين والفلسفة.
«وكان النِّفاق جميلا» هو الكتاب الأوّل له ويتضمّن الروايات الفلسفيّة القصيرة التي تتّحد في جوهرها وتؤثّر فينا كبشر، حيث يحاول فيه فتح أبواب التفكير في فقدان الهويّة في عالم اليوم، والعقلانيّة المفرطة، والمبالغة في الانفتاح، والإدمان على التكنولوجيا، وغيرها من المواضيع التي تؤثّر على جوهر الإنسان.
وفي سبتمبر الماضي، أطلق كتابه الثاني بعنوان «ليس هذا ما كتبت».
ولتجسيد هذه الأفكار، أطلق الدكتور غطاس مبادرة اجتماعيّة باسم «الورشة» بهدف إعادة التوازن في حياة الأفراد، من خلال العمل على تطويرهم وتنميتهم وتعزيز المفاهيم الاجتماعيّة مثل الانتماء والصداقة وغيرها.
وتمّ أخيراً تكريم الدكتور خالد من قِبل ملتقى الإعلام العربي في الكويت، ومنتدى الإعلام العربي في دبي، ومؤتمر الأموال والاستثمار والنساء في أربيل، وملتقى «كلام مدينة» للمؤثرين العرب، ووزارة الثقافة اللبنانية لإنجازاته المستمرة، ما سلّط الضوء على تفانيه وتأثيره في الموضوعات المتعلّقة بالسلوك الإنساني والمجتمع.
نادراً ما نصادف أشخاصاً مثل الدكتور خالد في حياتنا المعاصرة، يرسمون لنا الحياة بما فيها من معان وأفكار بطريقة مختصرة، مباشرة، بسيطة وجذابة فيسهلون علينا فهمها وطريقة التعامل معها. وذلك من دون إضفاء طابع التعالي والفلسفة بأفكارهم.
خلال فترة وجيزة، استطاع الدكتور خالد غطاس أن يحصد شعبية في العالم العربي بطريقته الخاصة التي تحمل البساطة والفكاهة معاً، فوصل عدد متابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي إلى 3.5 مليون متابع، تتراوح أعمارهم ما بين الـ18 والـ45 عاماً، 70 في المئة منهم من النساء.
شكّل الدكتور خالد غطاس جماهيرية كبيرة وواسعة، خصوصاً في الأردن، باعتبار أن النسبة الأكبر من متابعيه هم من الأردن، حيث تنفد التذاكر المخصصة لمحاضراته منذ اليوم الأول لطرحها.
كما شارك في مؤتمرات مهمة في الوطن العربي، أبرزها مؤتمر القمة العربية للحكومات، ومؤتمر محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، ومؤتمر الاجتماع العربي للقيادات الشابة، ومؤتمر المركز الدولي للاتصال الحكومي.
وشارك أيضاً في جلسة دُعي إليها من قبل وزارة الثقافة في المتحف الوطني السعودي.
زلقيت مؤلّفات الدكتور غطاس إقبالاً كبيراً في معارض الكتب مثل معرض الشارقة، معرض أبو ظبي، معرض بيروت.