قللت من أهمية قرار مجلس الأمن بعدما سعت إلى إمراره

أميركا تمد السلم لـ... نتنياهو

فلسطينيون يتفقدون منازل مدمرة في غزة (أ ف ب)
فلسطينيون يتفقدون منازل مدمرة في غزة (أ ف ب)
تصغير
تكبير

منذ إعلان دولة إسرائيل، استخدمت أميركا 45 مرةً حق الفيتو لحمايتها في مجلس الأمن، ووافقت على عشرات المقررات التي تخدمها بعد التوافق معها.

وما حدث الإثنين، في مجلس الأمن مع عدم اعتراض الولايات المتحدة على قرار وقف فوري لإطلاق النار في غزة لما تبقى من شهر رمضان، ويشتمل على وقف إطلاق نار دائم والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، ما كان ليحصل دون معرفة مسبقة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وما تفعله واشنطن هو تقديم السلم لنتنياهو نتيجة ما يعانيه من مآزق داخلية أمام حلفائه (وأعدائه) من السياسيين والمجتمع الإسرائيلي المنقسم. وحتى ولو نسفت واشنطن على لسان الناطق الرسمي جون كيربي، أهمية القرار الملزم بالتأكيد بقوله إنه «غير ملزم»، إلا أنه أحدث الزوبعة الكافية لدفع عجلة المفاوضات بين إسرائيل و«حماس» إلى الأمام وأحدث جلبة داخل إسرائيل بدأت تردداتها تخرج إلى العلن الأمر الذي من شأنه أن يهدد استمرار الحكومة ورئيسها وكذلك إكمال الحرب الهمجية الدائرة في غزة إلى حين تحقيق نتنياهو «الانتصار المطلق» الذي يبحث عنه.

وعلى وقع امتناع أميركا باستخدام حق النقض (الفيتو) لمنع قرار «وقف إطلاق نار دائم (وليس ثابت) في غزة»، بعد 6 أشهر من الحرب، امتنع نتنياهو عن إرسال الوفد الرفيع المستوى إلى واشنطن لبحث خطة اجتياح رفح.

وهي حركة استعراضية لا تغير في المشهد السياسي أي شيء سوى إظهار «غضب» رئيس الوزراء الإسرائيلي من موقف أميركا في مجلس الأمن رغم أن ما حدث من شأنه أن يساعده على حماية ظهره أمام حلفائه المتشددين في المجلس الوزاري الذين يهددون بالاستقالة إذا توقفت الحرب على غزة أو تنازل خلال المفاوضات.

ويأتي هذا القرار، الذي أثار جدلاً بعد التصويت، حيث صرح غالبية أعضاء المجلس أن جميع قرارات الأمم المتحدة ملزمة بحسب ميثاقها، بينما قالت أميركا بأنه «غير ملزم»، وذلك بهدف تخفيف وطأته الدولية على إسرائيل.

ومن الواضح من الأخبار الواردة من غزة ان المعارك ما زالت دائرة ولم تلتزم إسرائيل بقرار الأمم المتحدة. فقد أعلنت ان 31 عسكرياً أصيبوا في المعارك في شمال القطاع في الـ24 ساعة الماضية وان جيش الاحتلال «قتل 150 مقاوماً واعتقل 500 في شمال غزة» بعدما كانت إسرائيل أعلنت إنهاء العمليات العسكرية لتعود وتدخل إلى محيط مستشفى الشفاء حيث تدور معارك ضارية بعدما تمكنت المقاومة من إعادة تنظيم هيكليتها، وهو ما كانت «الراي» أشارت إليه في عدد سابق.

وما زالت المعارك مستمرة في المناطق الوسطى حيث «يخوض لواء نحال الخاص قتالاً وجهاً لوجه» مع المقاومة. وكذلك أطلقت إسرائيل عملية عسكرية جديدة غرب مدينة حمد في جنوب القطاع حيث قصف الطيران 60 هدفاً بعد ان أطلقت المقاومة صواريخها في اتجاه مستوطنات الغلاف على أشدود ومناطق أخرى لتوازن بين عدم عودة الغزاويين إلى الشمال مع منع المستوطنين العودة إلى غلاف غزة. وهذه المعارك إنما تؤكد ان إسرائيل بعيدة كل البعد عن السيطرة على شمال القطاع وجنوبه وان جيشها غير مستعد للدخول إلى رفح حيث يوجد نحو مليون ونصف المليون لاجئ ولا يستطيع جيش الاحتلال إيجاد مناطق آمنة لهم في وسط القطاع أو شماله بعد منع أي أحد من العودة إليه.

وحشرت إسرائيل أكبر عدد من الفلسطينيين في رفح دون ان يلتفت الجيش إلى خطة ما بعد اجتياح واحتلال شمال ووسط وجنوب غزة. وهذا يدل على عدم وجود خطة كاملة متكاملة منذ بداية الحرب لما سيفعله نتنياهو خصوصاً ان وضعه الحكومي غير المستقر يدفعه إلى إخراج خطط جديدة أثناء الحرب. وهذا يفسر سبب عدم سيطرة إسرائيل على أي بقعة دمرتها أو دخلتها أو احتلتها كما تؤكد أخبار المعارك الدائرة.

ومن البدهي ان نتنياهو يريد إطالة أمد الحرب لزجه أربع كتائب فقط داخل القطاع بينما يحتفظ بـ24 كتيبة حول الضفة الغربية. وهذا يعني انه يحاول كسب الوقت لاحتواء التطورات السياسية العاصفة بحكومته والتي تهدد بقائه في منصبه على الرغم من استقالة وزيرين وتلويح آخرين بإمكان اللجوء إلى الاستقالة أيضاً، كوزير الأمن ايتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش إذا أُوقفت الحرب.

ويهدد وزراء الحكومة المصغرة يوآف غالانت وبيني غانتس وغابي ايزنكوت بالاستقالة إذا لم يعدل قانون تجنيد «الحريديم» (المتدينين) ويدعوهم للخدمة العسكرية.

فقد أجل نتنياهو طرح القانون الذي يعاقب المدارس الدينية (وليس الأفراد) في حال التخلف عن الخدمة ويضع القرار بيد الحكومة (وليس المحكمة) لاختيار العقاب والمُعاقبين. واعتبر يائير لابيد زعيم المعارضة أن هذا القانون «يشكل إهانة للجيش لأنه يسمح للحريديم بألا يلتحقوا».

إذاً، فإن قرار الأمم المتحدة بعيداً كل البعد عن حشر نتنياهو في الزاوية، بل يمد له يد الخلاص ليناور بين وزرائه المتطرفين وأمام مجتمعه إذا ما استطاع إيجاد مخرج للنزول عن الشجرة وإلقاء اللوم على أميركا بعدم تمكنه من الدخول إلى رفح أو الضغط على وزرائه المتطرفين إذا ما أعطى تعليماته للوفد الإسرائيلي المفاوض بالمرونة المعقولة تجاه بعض شروط «حماس» من خلال المفاوضات الجارية في الدوحة والتي تتقدم ببطء من دون إحراز اختراق في مسائل عودة المهجرين إلى الشمال ووقف إطلاق النار وإدخال الكميات اللازمة من المساعدات الإنسانية.

ولم تتخل أميركا يوماً عن إسرائيل، هي التي تمد جيش الاحتلال بالسلاح والذخائر دون حدود. ولا يمكن ان تقبل واشنطن باتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية وارتكاب جرائم الحرب لأنها تصبح شريكة مباشرة بالقتل والإبادة بسبب أسلحتها التي يستخدمها هذا الجيش القاتل، وتالياً فإن قرار الأمم المتحدة ملزم أخلاقياً على الأقل ويعبر عن الرغبة الدولية، ورسالته بأن إسرائيل لا تستطيع الاستمرار بما ترتكبه أمام أنظار العالم.

وتعتبر إسرائيل - رغم حساسيتها تجاه تحسين صورتها الدولية - ان المستقبل كافٍ لإعادة ترميم صورتها أمام المجتمعات الدولية والمنظمات العالمية التي لن تتخلى عنها أولاً وأخيراً، وأنها تمتلك النفوذ الكافي لإعادة تحسين صورتها مستقبلاً.

أكثر من 16 عاماً حكم نتنياهو وهو يتغنى بأنه يقدم الأمن والاقتصاد المريح للمستوطنين وانه يفرض على أميركا ما يريد. ولكن السابع من أكتوبر نسف حملته الانتخابية الدائمة وما تفاخر به لتهز أزماته الداخلية عرشه وتحالفاته.

فقد استطاع ببراعة البقاء من دون محاسبة خلال 6 أشهر من الحرب، إلا أنه وصل إلى مرحلة تتكاتف ضده عوامل داخلية عدة، حتى داخل تحالفاته وحزبه وشركائه في حكومة الطوارئ، وخارجية أيضاً، بحيث أصبح انتقاد إسرائيل على كل شفة ولسان في الدول الغربية والمجتمعات المتعددة عالمياً.

فهل ينجح رئيس الوزراء في استغلال قرار مجلس الأمن ويسير بين الألغام ليلين موقفه في المفاوضات، على الأقل في المرحلة التنفيذية الأولى؟... هذا ما ستظهره الأيام المقبلة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي