في الأيام الماضية اكتشف أهل الكويت كباراً وصغاراً أن اليرموك أفضل منطقة محلية في إقامة فعاليات الاحتفال بالقرقيعان، وأنها تستقطب في مثل هذه الأيام من كل سنة أطياف المجتمع كافة من جميع محافظات الكويت لهذا الغرض.
ومن باب الموضوعية ربما كان البعض على علم بهذا الحدث، لكن المؤكد أن الغالبية العظمى من المواطنين التفتت لأهمية اليرموك الإستراتيجية في إحياء موروث القرقيعان بعد تشديد القبضة الأمنية للمنطقة، ومحاصرة جميع مداخلها أمنياً!
بالطبع، الجميع ضد الفوضى والإزعاج بأشكاله كافة لأهل اليرموك ولغيرهم، لكن لا يفترض حكومياً مواجهة ثغرة صغيرة بإغلاق شامل، تمثل في عزل المنطقة أمنياً عن بقية الكويت، بدلاً من المساعدة في الانفتاح على تجربتها باعتبار ذلك من سمات الحكومات التي تبدأ في الازدهار.
ولا يخفى على أحد أن عزل اليرموك عن بقية المناطق أعاد إلى الأذهان أم المشاكل في الكويت التي تتعلق بأزمة التصنيفات المجتمعية، الإشكالية الأخطر في واقعة اليرموك أنها تعكس استمراراً في نهج حكومي لجهة التعاطي مع التحديات التي تواجهها حتى البسيطة منها، والقائمة على مبدأ النفس الضيق وأثر السلامة.
فبدلاً من الانفتاح على تجربة اليرموك ومحاولة تعميمها على جميع مناطق الكويت يحدث العكس وهو العزل والتضييق، ما يعيد إلى الذاكرة العديد من تجارب الحكومات السابقة التي أظهرت الميل إلى السكينة والراحة وإغلاق الملف أحياناً دون أن تتعب نفسها في التفتيش فيه لعل وعسى أن تجد بداخله ما يمكنها استثماره.
والقائمة في هذا الخصوص تطول، وعلى سبيل المثال يمكن الرجوع إلى العديد من المشاريع السياحية التي سحبت من القطاع الخاص، وعدم تجديد عقودها بذريعة انتهائها، لكن المفارقة أن هذه المنافذ ظلت مغلقة حتى الآن دون إبداء أسباب واضحة لذلك، علماً أن العديد منها كانت تشكل معلماً سياحياً مشهوراً لدى المواطنين والمقيمين والزوار والتي تتضمن مطاعم اعتادت عليها جميع الأجيال.
الخلاصة:
تفضيل سياسة عدم المواجهة لا يمكن اختصاره في موقعة قرقيعان اليرموك، إذ يجرنا الحديث هنا إلى نافذة أوسع تتعلق بهروب الحكومات السابقة من المواجهة السياسية من النواب والتي تجاهلتها وشعرت تجاهها بحساسية شديدة رغم أنه في العديد من المحطات ثبت صحة موقفها.
ونتيجة حتمية ذلك استمر التأزيم بين الحكومة النواب، ومن ثم تعطيل العديد من الملفات المهمة التي كان يجب الإسراع بها لتحقيق التنمية المستدامة وأبرزها المضي قدماً في رؤية الكويت 2035، أخذاً بالاعتبار أن الانفتاح معركة تستحق أن تخوضها الحكومة لأهميتها في إحداث التنوع الذي يساعد تدريجياً على تقبل الاختلاف.