استشاري جراحة المسالك البولية تحدّث عن مشاهداته خلال مهمة الوفد الطبي إلى القطاع
فيصل الهاجري العائد من غزة يروي لـ «الراي» عن صلابة «الجيش الأبيض»... وخوف من «اجتياح» عند العمليات
- المخاوف طبيعية لأنك تذهب إلى أخطر منطقة في العالم حالياً
- أمام الأمور الإنسانية... يتلاشى خوفي كطبيب
- نمنا الليلة الأولى على أصوات القصف... وأرضية السكن اهتزّت
- المستشفيان الكويتي والأوروبي... الوحيدان اللذان يعملان حالياً تقريباً
- استخدمنا سيارة الإسعاف في الذهاب والإياب... وكنا نعود للسكن قبل الليل
- أجريت 13 عملية جراحية خلال الرحلة... واحدة منها كبيرة
- تقدير لرجال «الجيش الأبيض» في منظومة غزة الصحية... المنهارة تماماً
- أطباء غزة أبطال… الطبيب يسكن خيمة ويداوم برحابة صدر وقد يستشهد في أي وقت
- أعجبتني صلابة وعزيمة وإصرار ورباطة جأش وتفاؤل «الغزاوية»
أعرب استشاري جراحة المسالك البولية الدكتور فيصل الهاجري عن بالغ سعادته بالمشاركة مع وفد طبي لجمعية الهلال الأحمر الكويتي، في دعم ومساندة الطواقم الطبية الفلسطينية في غزة، وروى لـ «الراي» بعض تفاصيل الرحلة في مختلف محطاتها، وكيف بدأ الإعداد والتنسيق لها، وكيف قضى الفريق أيام الرحلة منذ لحظة الوصول إلى الأراضي الفلسطينية.
كما تطرّق الهاجري إلى «بعض أبرز مشاهدات الرحلة والتحديات والصعوبات التي تواجهها المنظومة الصحية والفرق الطبية في الأراضي الفلسطينية، والأوضاع المأسوية التي يعيشها أهل غزة».
وإذ وصف الخوف بأنه أمر طبيعي، «خاصة وأنك تذهب الى أخطر منطقة في العالم حالياً وهي غزة»، قال إن الخوف عندي كطبيب، يتلاشى نسبياً أمام الأمور الإنسانية.
وأبدى تقديره لرجال «الجيش الأبيض» في ما تبقى من المنظومة الصحية المنهارة تماماً في غزة، معتبراً أن الأطباء هناك مناضلون وأبطال، يعملون بلا إمكانات تقريباً ووسط مشاهد الموت والدمار، وتراهم يبتسمون، معرباً في الوقت عينه عن تقديره وإعجابه بصلابة وعزيمة ورباطة جأش وتفاؤل «الغزاوية»، ذلك الشعب الصامد في وجه أحدث وأعتى آلات القتل. وفي ما يلي تفاصيل اللقاء:
• كيف جاءت فكرة الرحلة إلى غزة ؟
- الرحلة كانت بتنسيق من الهلال الأحمر الكويتي، ونشكر الدكتور هلال الساير ومها البرجس، ودينمو الهلال الأحمر الكويتي الدكتور مساعد العنزي، حيث في البداية تم الاتصال لمعرفة مدى إمكانية تواجدي في الرحلة، وعلى الفور وافقتُ حتى من دون مشاورة أهل بيتي، الذين كان لديهم بعض التخوف عندما أخبرتهم، وهذا أمر طبيعي، لكن ذلك لم يمنع من مشاركتي في الرحلة.
• ماذا عن خطة الرحلة؟
- كان الاتفاق أن نطير من الكويت إلى القاهرة ومنها إلى العريش، ثم إلى معبر رفح، ومن ثم إلى رفح الفلسطينية، غير أنه تم تسهيل الرحلة بفضل التنسيق المميز للهلال الأحمرالكويتي مع الخارجية والجيش والطيران، حيث كانت الرحلة مباشرة من الكويت إلى العريش، عن طريق طائرة عسكرية.
• كيف كانت مشاعركم وأجواء الرحلة عند دخول الأراضي الفلسطينية؟
- كنت سعيداً جداً بوجودي في هذه الرحلة، وكانت لدي مشاعر لا أستطيع وصفها، إذ إن الرحلة كانت من أجمل الرحلات التي قمت بها، رغم بعض المخاوف بطبيعة الحال، لأنك تذهب إلى أخطر منطقة حالياً في العالم كله وهي غزة. والمخاوف خلال الرحلة، كانت موجودة في كل مكان. فقد تسير في الشارع وسائق متهور يمكن أن ينهي حياته وحياتك، ودائما أردد في مثل هذه الحالات قول الله سبحانه وتعالى «لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا». الخوف عندي كطبيب، يتلاشى نسبياً أمام الأمور الإنسانية.
• كيف قضى الفريق الساعات الأولى بعد الوصول إلى رفح الفلسطينية؟
- بعد الوصول إلى رفح الفلسطينية وفي الليلة الاولى، نمنا على أصوات القصف والتفجير، لدرجة أن أرضية السكن كان تهتز من شدة القصف لقرب المسافة بين المنازل التي تم قصفها وبين المسكن الذي نقيم فيه، ناهيك عن الأصوات المزعجة للمسيرات التي كانت تحلّق بكثافة.
• أين كان مقر سكن الفريق؟
- كان يبعد نحو 10 دقائق بالسيارة من معبر رفح الفلسطيني، مع الأخذ بالاعتبار أن المسافات في رفح أو غزة ليست بالكبيرة، حيث المسافة بين رفح وخان يونس نحو 20 دقيقة.
• ماذا عن خطة اليوم الثاني للرحلة؟
- في اليوم الثاني تم توزيعنا، وذهبت الى المستشفى الكويتي التخصصي لأنه الوحيد حالياً الذي به قسم للمسالك البولية، حيث أكثر المستشفيات التي تضم قسماً مشابهاً، تم تدميرها ونزح أطباؤها إلى رفح. وذهب بقية الزملاء إلى المستشفى الاوروبي، حيث إن المستشفيين هما تقريباً الوحيدان اللذان يعملان حالياً.
• كيف تصف رحلة الذهاب والإياب لكم من المسكن إلى المستسفى؟
-كنا نستخدم سيارة الإسعاف في الذهاب والإياب، وكان ينبغي علينا أن نكون في السكن قبل أن يحل الليل، إذ ليس هناك من سبيل آخر غير ذلك، وقد كانت جلية آثار التدمير على جانبي الطريق من المسكن إلى المستشفى. إلى جانب انتشار خيام النازحين داخل وخارج المدارس أو بالقرب من الطريق.
• ما هي أنواع العمليات التي أجريتها خلال الرحلة؟
- في اليوم الأول، عاينت نحو 50 الى 60 مريضاً، وجميعهم يحتاجون لعمليات، سواء مثانة أو بروستاتا أو ضيق مجرى البول، وهناك صعوبات وتحديات لجهة نقص المعدات اللازمة لاجراء العمليات أو تهالكها، ونقص المستلزمات.
وفي اليوم الثاني عاينت عدداً من المرضى، وخلال مدة الرحلة أجريت 13 عملية منها جراحة كبيرة. علماً أن أكثر المرضى رغم حاجتهم للعمليات، كانوا يخشون إجراءها خشية اجتياح الاحتلال لرفح، خاصة في ظل ما تتطلبه الجراحات من تركيب قساطر قد يحتاج إليها المريض لمدة 3 أسابيع، بعد إجراء العملية، وهي المخاوف ذاتها التي كان يخشاها طبيب تخدير كان بحاجة الى إجراء عملية لعلاج ضيق مجرى البول، وفضل إجراء مجرد عملية توسعة بسبب مخاوف الاجتياح.
• كيف رأيتم وضع المنظومة الصحية في غزة من خلال مشاهدتكم لها على أرض الواقع؟
- المنظومة الصحية في مختلف مناطق غزة منهارة تماماً، ولا أستطيع سوى قول «كثر الله خير الأطباء العاملين سواء في المستشفى الكويتي التخصصي أو الاوروبي»، وكل الجيش الأبيض، حيث الأطباء منهكون للغاية، وهناك نقص شديد بالمواد والمستلزمات الطبية، وفي الحقيقة الأطباء العاملون هناك مناضلون وأبطال، فلا سكن مناسباً ولا راتب، وفي أي وقت قد يستشهد وظروف عمل صعبة وقاسية، ورغم ذلك هم مستمرون في عملهم ويبتسمون، وهو ما أعجبني في عموم الغزاوية، صلابتهم وعزيمتهم القوية وإصرارهم ورباطة جأشهم وتفاولهم، رغم ما يتعرضون له من مآسٍ، حيث لك أن تتخيل الطبيب يسكن في خيمة، وفي الصباح يداوم بكل رحابة صدر.
من تركيا إلى الصومال
ذكر الدكتور الهاجري أنه حرص على أخذ عدته الجراحية إلى غزة، بعد أن قام سابقاً بالمشاركة في علاج السوريين على الحدود السورية - التركية، وعلى الحدود السورية - الأردنية، وعلاج الصوماليين في صومال لاند.
مياه ومعلبات
أشار الدكتور الهاجري إلى أن فريق الرحلة اصطحب بعض المعدات والمستلزمات الطبية والضروريات الحياتية من مياه وبعض المعلبات، حيث لا مطاعم أو بقالات أو غيرها لشراء هذه الضروريات.
أوضاع مأسوية
وصف الدكتور الهاجري الأوضاع المأسوية في رفح، بالقول إن مشاهد الدمار والخراب تنتشر في كل مكان حيث المنازل والشوارع المدمرة والسيارات المحروقة، والقاذورات التي تنتشر في كل مكان، ورائحة المجاري وعدم توافر مقومات المعيشة من قلة المياه وشح المواد الغذائية، وانتشار خيام اللاجئين وعدم توافر المستلزمات والمعدات الطبية.
تعطل جهاز التفتيت
دلّل الدكتور الهاجري على ظروف العمل القاسية والتحديات التي تواجه الفرق الطبية، بقوله «خلال عملية تفتيت حصوة في الحالب لمريض، تعطل جهاز التفتيت وليس هناك بديل آخر له، ولذا قمنا بتركيب دعامة آمنة للمريض، وأُجبرنا على عدم استكمال التفتيت».
فرق طبية عالمية
أوضح الدكتور الهاجري أن وفوداً طبية عالمية تأتي إلى رفح، ومنها وفد ماليزي منه 3 أطباء تخدير، متواجد منذ شهر ويغادر (اليوم) 15 الجاري.
عملية كبرى بإمكانات قليلة
أوضح الدكتور فيصل الهاجري أن العملية الكبرى التي أجراها كانت لمريض يعاني من ضيق في مجرى البول، وكان يضع يده على قلبه خلال العملية بسبب قلة الإمكانات، حيث ليس هناك حتى أداة للكي حال حدوث نزيف أثناء العملية، وإن وجدت ليست بنفس الفعالية المطلوبة، لافتاً إلى أن أول التحديات التي تواجه الكوادر الطبية، نقص المعدات الطبية في المستشفيات.
«قصف خلف مقر السكن»
أوضح الدكتور الهاجري أن مقر الإقامة كان عبارة عن بيت صغير، مشيراً إلى أنه في الليلة الأولى من وصول الفريق، كان هناك قصف بالقرب من مقر السكن، وتبين في ما بعد، قصف منزلين خلف مقر إقامتنا.
«الهلال الأحمر»... محركات لا تهدأ
قال الدكتور الهاجري إن فريق الرحلة كان يتكون من الدكتور حسين القويعان والدكتور محمد جمال والدكتور محمد شمساه والدكتور فيصل الهاجري، وممثلي الهلال الأحمر الكويتي مساعد العنزي وعبدالرحمن الصالح، مشيداً بأداء ممثلي الهلال الأحمر في الرحلة، ودورهم الملموس في الإعداد والتنسيق لها، واصفاً إياهما بالمحركات التي لا تهدأ.
ولفت إلى تنسيق الهلال الأحمر الكويتي مع وزارة الصحة الفلسطينية والهلال الأحمر الفلسطيني، وجمعية «رحمة حول العالم».