خفايا ميناء «الموت البطيء» ومحاولة «خنْق» التسليح
رصيف المرفأ «الموقت» لغزة مقابل رفح... بناء مسموم لإنهاء المقاومة الفلسطينية
أعلن الرئيس جو بايدن، بدء خطة ظاهُرها إنسانيّ وباطنها حماية إسرائيل وإنهاء المقاومة المسلّحة لمرحلة ما بعد غزة على قاعدة الاستغناء عن جزء كبير من المعابر البرية ومنْع تدفق السلاح أو المواد التي يُصنع منها السلاح لجعل إسرائيل أكثر أمناً، بحسب ما تقوله مصادر قيادية في «محور المقاومة» لـ «الراي».
وقال الرئيس الأميركي في خطابه أمام الكونغرس إن الولايات المتحدة تقود الجهود الدولية لإيصال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة و«سأوجه الجيش الأميركي لقيادة مهمة طارئة لإنشاء رصيف موقت في البحر المتوسط على ساحل غزة يمكنه استقبال السفن الكبيرة التي تحمل الغذاء والماء والدواء والملاجئ الموقتة. ولن تكون هناك قوات أميركية على الأرض».
ومنذ أن بدأت حرب غزة وخلال خمسة أشهر دامية، دمّرتْ إسرائيل البشر والحجر وارتكبت جرائم فظيعة ضد الإنسانية وجرائم حرب وإبادة جماعية تُحاكم من أجلها أمام المحاكم الدولية، فيما غزة تشرب الأوجاع عطشى وتجوع لتَشبع وحشيةُ الجيش الأكثر لا أخلاقية في العالم، والذي، بأمر من قادته السياسيين، عمل على تجويع مليونين ونصف المليون فلسطيني من دون أن تتحرك أميركا لوقف إسرائيل المدلَّلة.
بل أكثر من ذلك، فقد وضعت واشنطن الفيتو ثلاثة مرات لعرقلة وقف إطلاق النار ومازالت ترفض وقف الحرب وتتحدث عن إستراحة لأسابيع عدة قبل استعادة القتال والقتل.
وقد اعترف بايدن أمام الكونغرس بـ «قتل أكثر من 30 ألف فلسطيني غالبيتهم ليسوا من حماس بل من النساء والأطفال».
وهذه أرقام كان بايدن ينكرها ويتّهم الفلسطينيين بفبركتها. كما اعترف بأن إسرائيل «يتّمت الفتيات والفتيان» وان ما «يقارب مليون فلسطيني آخرين تحت القصف ونازحين»، وان غزة تحوّلت إلى «بيوت مدمرة وأحياء مدمرة ومدن مدمرة» وان هناك «عائلات بلا طعام وماء ودواء».
وبعِلْم القائد العام للقوات المسلحة ورئيس أعظم وأقوى دولة في العالم، تَحْدث هذه الجرائم تحت عيوم العالم وإدراك إدارته، وجلّ ما يفعله هو إرسال نحو ألف شحنة مدجَّجة بالسلاح وبالذخائر إلى إسرائيل لقتل المزيد من الفلسطينيين، لتكون الولايات المتحدة شريكاً مباشراً وأساسياً في حرب غزة لأن إسرائيل كانت لتوقف الحرب لنفاذ ذخائرها.
وقد بدأت أميركا بحملة إعلامية لغرض الدعاية بإرسال طائرات محمَّلة بالمساعدات الغذائية لإسقاطها فوق غزة. وها هي تكمل محاولتها لتلميع صورتها بالتحدث بصدقٍ عما يحصل من جرائم في غزة، وهذا أسلوب معروف في البروباغندا الإعلامية لإظهار شخص أو جهة أو دولة متعاطفة مع الضحية لتترك انطباعاً بأنها ليست جزءاً من أفعال الجلّاد.
ولكن ما يقدّمه الرئيس الأميركي، كما تقول مصادر قيادية معنية، هو «فكرة قديمة - جديدة لإغلاق المعابر بين غزة وبقية العالم. إضافة إلى ذلك، فقد طُرحت فكرة إنشاء مرفأ في غزة بعيداً عن اليابسة تدفع ثمنه دول شرق أوسطية وتسيطر عليه قوات دولية أو أوروبية أو أممية ومعها سيطرة إسرائيلية لتصبح غزة منطقة مغلقة تماماً لا يدخلها شيء.
وسيتم لاحقاً، بعد بناء الحوض المائي إرسال قوة مختصة دولية للبحث عن أنفاق المقاومة من الجهة المصرية وإنهاء هذا الملف ما بعد الحرب».
وقدّمت الاستخبارات الأميركية الفكرة التي تبنّتها الإدارة وأعطت مسؤولية تطويرها لشركة استشارية تتألف من موظفين سابقين في الجيش الأميركي ووكالة الاستخبارات المركزية والتي ستتمركز على طرف الرصيف المائي بينما تتولى الأمم المتحدة نقْل المساعدات الى شاطئ غزة الذي أفرغته الجرافات الإسرائيلية في أكتوبر من العام الماضي لتجهيز البقعة المطلوبة.
ولا تريد أميركا أن تستمرّ الحرب خلال شهر رمضان لأنها تخشى على إسرائيل من «انتفاضة ثالثة» واستبساٍل من المقاومة في الشهر المقدس الذي يقدّم فيه الفلسطينيون كل ما عندهم في سبيل الاستشهاد والقتال ضد هكذا عدو لا رحمة لديه تجاه الأطفال والنساء والمدنيين.
إلا أن بايدن يريد للحرب أن تستمر بعد شهر رمضان. ولذلك فإنه لم يُخْفِ نياته لتقديم الخِيَم المناسبة للاجئين لإيجاد مكان يلجأون إليه ويبعدهم عن مدينة رفح. وهذا سيسهل دخول الجيش الإسرائيلي في الأشهر المقبلة إلى المدينة التي لا يستطيع احتلالها من دون إخراج المدنيين منها. إلا أن إسرائيل لا تريد إعطاء إي تنازل ولا وقف الحرب خلال شهر الصوم.
وقد أوجد بايدن المخرج المناسب لتنفيذ الجيش الإسرائيلي أهدافه لأنه، كما قال: «لا يوجد طريق آخر يضمن أمن إسرائيل». فهو وفريقه يعملون على هذا الهدف الثابت لأميركا، وهو هدف لا لبس فيه مهما عظمت الخلافات حول آداء رئيس الوزراء الإسرائيلي أيا كان، أو وزرائه المتطرفين.
إذاً، بينما تكثف إسرائيل قصفها على مدينة رفح،خصوصاً في المناطق الغربية الأكثر اكتظاظاً بالمدنيين والمهجرين، يتكلم بايدن عن «حماية وإنقاذ أرواح الأبرياء» كأولوية وأن المساعدات الإنسانية لا يمكن أن تكون ورقة مساومة، ولكن من دون أن يحرك ساكناً لوقف القصف الإسرائيلي أو يخفض تدفق السلاح.
إن رصيفاً بحرياً مسموماً لحماية إسرائيل وأمنها بعيداً عن الرأفة والإنسانية يحتاج لنحو شهرين لبنائه من دون أن تكون لدى أميركا أو أي دولة في العالم قدرة على إدخال المساعدات الكافية براً للشعب الفلسطيني الجائع والمهان.
فهناك أكثر من 600.000 طن من المواد الغذائية محمّلة على ظهر آلاف الشاحنات تنتظر في معبر رفح الإذن الإسرائيلي ولا يُسمح بدخول إلا العدد اليسير الذي يتهافت عليه سكان غزة المنكوبون.
ومن الواضح أن أميركا لم تقدّم للشعب الفلسطيني هدية إلا وخلْفها حماية أمن إسرائيل، كاعتبار أول، وهنا يبرز تصميمها على فرض المعبر المائي الجديد، المسموم، الذي سيكرّس بداية النهاية لحق الشعب الفلسطيني في أرضه ومائه وسمائه.
وتالياً فإن إرسال أميركا لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلايين إلى قبرص لدرس الخط البحري لغزة، يدلّ على شراكة غربية وتآمر مشترك لإخماد نار المقاومة الفلسطينية إلى الأبد وتحويل غزة منطقة مشابهة للضفة الغربية حيث تستطيع إسرائيل الدخول إلى أي منزل وإنشاء المستوطنات التي ترغب فيها لدفع الفلسطينيين نحو اليأس أو المغادرة أو العيش في ذل وهوان.
انه رصيف الموت البطيء لشعب فلسطين على شاطئ غزة.