لعل أكبر نجاح يُحسب للولايات المتحدة الأميركية هو صناعة فكرة «الحلم الأميركي» والتسويق لها عبر الأجيال. ابتدعها الكاتب جيمس ترسلو آدامز، في كتابه «ملحمة أميركا» عام 1931، ووصف آدامز، أميركا على أنها دولة تضمن حياة أفضل ورزقاً وفيراً للجميع، مهما كانت خلفياتهم العِرقية أو الدينية ما داموا ينوون العمل بجد.
تبنّت الحكومة الأميركية هذه الفكرة وسوّقتها لاستقطاب مهاجرين من جميع أنحاء العالم، وكانت بحاجة ملحة لعمالة ماهرة تساهم في بناء أميركا الحديثة.
أذكر هذه الحادثة لأبين دور الإعلام الوطني في صناعة الدول رغم صعوبة الحياة في البلاد ذاتها. بُنيت الولايات المتحدة على فكرة تبنتها الحكومة وسوّقت لها بشراسة. تبنت المبدعين وأعطتهم فرصاً واستثمرت في العمالة الماهرة في البناء والوظائف الحرفية. فالمجتمع لا يُبنى إلّا بتكاتف جميع أطياف المجتمع وتعاون الحكومة لتمكين هذه الفئات للنجاح.
نرى اليوم في الكويت صورة اقتصادية غريبة. تم خصخصة بعض أهم القطاعات ذات المردود للدولة، وتمت محاربة المزارع الكويتي بشراسة، وتم القضاء على الحداقة الكويتيين أيضاً، وأصبحت المشاريع الكويتية الناجحة حكراً لطبقة معينة من المجتمع.
زادت الفجوة بين التاجر الكبير والمتوسط بشكل مرعب، وانقرض التاجر الكويتي الصغير. كنت أظن أن ذلك يرجع لطبيعة السوق واختيار المشتري، ولكن اكتشفت سذاجة هذه الفكرة بعدما قضيت بعض الوقت في مجال السياسة.
عندما تضيق على التاجر المتوسط والصغير، تقتل المنافسة، وعليه ترتفع الأسعار وتقل الجودة لعدم وجود بديل. وأخص بالذكر مجال الزراعة والسمك والدواجن واللحوم لأنها أساس الأمان الغذائي للبلاد. قلت الاختيارات وعزف الكويتيون عن هذه المجالات بسبب قلة الدعم وصعوبة منافسة التجار الكبار...
تعزيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة ينعش الاقتصاد الكويتي. فتلك المشاريع تنتج وظائف جديدة، وتزيد من التنافس في السوق، وتزيد من دوران الأموال داخل البلاد بدلاً من خروجها للخارج، وعليه ترتفع الجودة وتقل الأسعار.
ادعموا هؤلاء التجار وسوّقوا هذه المجالات للشباب الكويتي.
فتبنيكم لأحلام أبناء الكويت سيرتقي بالبلاد وسيقلل التكدس في الوظائف الحكومية التي لا تخدم أحداً. أبناؤنا مبدعون وطموحون.
أسأل الله عز وجل أن يوفق التاجر الكبير ولكنني مُؤمن بالفوائد العديدة التي ستأتي عندما تدعم الحكومة التجار الصغار والمتوسطين.
لنبنِ «الحلم الكويتي» معاً ولنبنِ كويتاً ستزدهر وتكبر جيلاً بعد جيل.
إضاءة:
ما زلت أذكر حرص والدي المرحوم مبارك المعوشرجي، على دعم المشاريع الكويتية وحرصه على شراء المنتجات الوطنية لإيمانه بدعم المنتج المحلي على الأجنبي.
maosherji@