رغم «الأضعاف المضاعفة» على الرواتب وملحقاتها

لبنان يحفظ تفوّقه في «رالي» الغلاء والعجز المعيشي

تصغير
تكبير

- منظمة العمل الدولية: لبنان الأول عربياً في 2022 بنسبة «بطالة الشباب» بين 15 و24 عاماً

يشهد لبنان انحساراً نسبياً في زخم موجات الغلاء المرتفعة خلال الشهرين السابقين، بينما يحتفظ التضخم التراكمي برقم «فلكي» ليتعدى مستوى 6 آلاف في المئة، كحصيلة تراكمية للمؤشر منذ بدء عصف الأزمات في خريف 2019، جراء انهيار غير مسبوق للعملة الوطنية وبنسبة فاقت 98 في المئة قياساً بالسعر الرسمي السابق.

ولا يمكن تصنيف هذه الاستكانة الظاهرة، وفق الخبراء، على أنها تَحَوُّلٌ في سياق ارتسام مسارٍ مُعاكِسٍ لتَفاقُم الأزمة المعيشية الحادة، بل الأرجح توصيفها كاستراحة محدودة الوقت والفعالية أنتجها الاستقرارُ النقدي الهش والمتواصل للشهر الثامن على التوالي، بفعل التغيير المشهود في آلياتِ السياسة النقدية وارتكازها على الضبط المُحْكَم لتدفقات السيولة النقدية بالليرة وحصار محفزات المضاربات في أسواق القطع.

وعلى العكس، تنحو الترقبات إلى عودةٍ وشيكةٍ لاندفاعاتِ مؤشر الغلاء وتسجيل ارتفاعاتٍ أعلى سقوفاً على المستويين الشهري والتراكمي، مع سريان نفاذ قانون الموازنة العامة للعام الحالي، وما حفل به من حزمات الضرائب والرسوم المضاعَفة عشرات المرات ربطاً باعتماد السعر الواقعي للدولار عند مستوى 90 ألف ليرة بديلاً من السعر الرسمي السابق البالغ 15 ألف ليرة، ومن دون مقابلته بتصحيحٍ مكافىء للأجور وملحقاتها في القطاعيْن العام والخاص على السواء.

وفي المقابل، يؤمل أن تساهم القرارات الحكومية - لجهة زيادة المضاعفات من 7 إلى 9 مرات لأصول رواتب أكثر من 320 ألف موظف ومتقاعد في القطاع العام ورفْدها بزياداتٍ وازنة، ولو غير كافية، على بدلات النقل والانتاجية والمساعدات المدرسية والصحية - في الحد من توسع الفجوة المرتقبة بين المداخيل والحد الأدنى للعيش. في حين يترقّب مئات الآلاف من العاملين في القطاع الخاص خطواتٍ مشابهةً تفضي الى رفع الحد الأدنى للأجور إلى ما يساوي 500 دولار شهرياً.

وتُظْهِر الإحصاءاتُ الأحدث الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي ارتفاع الرقم التراكمي لمؤشِّر تضخُّم الأسعار إلى مستوى 6150 نقطة مئوية في نهاية الشهر الأول من العام الجاري، مقارنةً بمستوى بلغ 2218 نقطة في الشهر عينه من 2023. وهو رقم يؤشر إلى مدى التدهور المعيشي وما يترتّب عليه من تداعيات في بلدٍ مزنّر بحزام فقر متعدد البُعد يحاصر أكثر من 80 في المئة من المقيمين، من مواطنين ونازحين.

وجاء الإرتفاع السنويّ في مؤشّر تضخّم الأسعار نتيجة تسجيل جميع مكوّنات المؤشّر زيادات متوالية من دون هوادة. فقد إرتفعت أسعار المواد الغذائيّة والمشروبات غير الروحيّة والتي تحوز حصة تثقيل تبلغ 20 في المئة من المؤشر المجمع، بنسبة 181 في المئة، ورافقتْها زيادة في أسعار النقل بنسبة 104 في المئة (تثقيل بنسبة 13.1 في المئة)، وزيادة في أسعار المسكن الشاملة لبدلات الماء والغاز والكهرباء والمحروقات الأخرى بنسبة 88 في المئة (تثقيل بنسبة 11.8 في المئة).

بالمثل، رصدت إدارة الاحصاء الإرتفاع غير المسبوق في كلفة الصحّة بنسبة 146 في المئة (تثقيل بنسبة 7.7 في المئة)، وزيادات قياسية في كلفة التعليم بنسبة 595 في المئة ( تثقيل بنسبة 6.6 في المئة). وأيضاً زيادة في أسعار الإتّصالات بنسبة 116 في المئة (تثقيل بنسبة 4.5 في المئة)، وذلك كحصيلة تلقائية لإقدام المؤسّسات التعليميّة والإستشفائيّة وشركات الإتّصالات على التسعير بالدولار «الفريش» في شكل جزئي أو كلّي للخدمات التي تقدّمها.

وفي النطاق الذي يتجنّبه الفقراء وذوو المداخيل المتدنية وحتى المتوسطة، سجّلت أسعار المطاعم والفنادق ارتفاعاً سنوياً بنسبة 154 في المئة (تثقيل بنسبة 2.8 في المئة)، ورافقتْها زيادة بنسبة 126 في المئة أصابت أسعار الإستجمام والتسلية والثقافة (تثقيل بنسبة 2.4 في المئة) وذلك نتيجة تحوّل جزء كبير من الإقتصاد اللبناني إلى إقتصاد نقدي مُدَوْلَر.

بالتوازي، رصد التقرير الأحدث لمنظمة العمل الدولية، إنخفاض نسبة عدد الموظفين من إجمالي عدد السكان في لبنان لتصل إلى 30.6 في المئة العام 2022، مقارنةً بنسبة 43.3 في المئة في العام 2019. وإرتفع معدّل البطالة من 11.4 في المئة العام 2019 إلى 29.6 في المئة نهاية العام 2022. كما فقد 27.7 في المئة من الذين كانوا منخرطين في سوق العمل في العام 2019 وظائفهم.

وفي التحليل، الذي أورده التقرير بعنوان «التشغيل والآفاق الاجتماعيّة في الدول العربيّة - اتجاهات العام 2024»، فإن مجموعة الأزمات التي عصفت بالبلاد ألحقت أضراراً كبيرة بسوق العمل في لبنان، حيث فاقم إرتفاعُ مستويات التضخّم من حدّة المشكلة ما أدّى إلى ظروف إجتماعيّة وإقتصاديّة صعبة، إذ يواجه 85 في المئة من اللبنانيّين صعوبات في تغطية إلتزاماتهم الماليةّ فيما وصف 62 في المئة منهم وضعهم المالي بالصعب جدّاً.

ولفت التقرير الى أنّ البطالة الطويلة الأمد، أي الأشخاص الذين ظلوا عاطلين عن العمل لمدة عام أو أكثر، هي الأمر الأكثر إثارة للقلق، بعدما وصلتْ الى نحو نصف إجمالي نسبة البطالة المسجَّلة في العام 2022، وذلك من منطلق أن هذه البطالة لا تؤدي فقط إلى إستنزافٍ مالي طويل الأمد للأفراد المعنيين وأُسَرِهم بل تؤدي أيضاً إلى فقدان المهارات، ما يقلّل من إحتمالات العثور على وظيفة أخرى وزيادة مشاكل الصحة العقليّة والمشاكل الإجتماعية.

ولاحظتْ منظمة العمل الدولية أن مستويات البطالة بين الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً هي أكثر حدّة حيث بلغت 47.8 في المئة في لبنان، مسجّلة أعلى مستوى في العالم العربي في 2022 مقارنةً بنسبة 45.9 في المئة في سورية و42 في المئة في الأردن و27.7 في المئة كمتوسط في العالم العربي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي