أحياناً تراودني قناعة أن التراجع وباء إذا حل في مكان يستشري، وتضرب عدواه في كل الاتجاهات لتنقل المرض من قطاع إلى آخر، وإذا تمكن من مؤسسات وأجهزة الدولة يتسلل إلى خلايا المخ فيصيب الأفكار لتبدأ بالتراجع تماشياً مع الحالة السائدة.
تباً لهذا الكابوس يشدنا للخلف، فلا مجال للتقدم ولا حتى الثبات...!
ما عليكم من شطحة المقدمة، سأدخل في صلب الموضوع، ولن أخوض في النوايا ولا التفتيش في ما نفوس الناس، فما تم طرحه وبشكل جدي وبارز في وسائل التواصل من مطالبات بأن يقتصر حق الترشح والترشيح لانتخابات مجلس الأمة لحملة الجنسية الكويتية- مادة أولى بالتأسيس أمر في غاية الخطورة وأثره مباشر في تقسيم وتمزيق النسيج الاجتماعي.
الحكومة مشكورة تدخلت وأصدرت بياناً على لسان الناطق الرسمي، وقطعت الشك باليقين، بأن ما انتشر ليس سوى إشاعة تزعزع وحدة الوطن وتفرق الصف، والأهم من بيان النفي هو بيان وزارة الإعلام الذي عقب النفي الحكومي وأكد بدء اتخاذ الاجراءات القانونية بحق عدد من الحسابات التي روّجت الإشاعة، وهذا ما يجب تطبيقه بحزم، لعله يزيل الأثر الذي وقع في نفوس الكثير من الكويتيين، ويمنع تكرار مثل هذا الطرح الذي يشق الصف ويضرب الوحدة الوطنية.
نعم، يضرب الوحدة الوطنية... فلو اطلعنا على المذكرة الإيضاحية لمرسوم قانون حماية الوحدة الوطنية رقم 19 لسنة 2012، لوجدنا الجواب الشافي والكافي، فقد نصت المذكرة حرفياً أن «الكويت وطن جميع من يحمل جنسيتها لا تمييز بينهم».
والجدير بالذكر أنها نصّت ايضاً أنه «أثناء حملات الدعاية الانتخابية والتي سوف تصاحب الانتخابات العامة المقبلة من تفشي النعرات الطائفية والقبلية أحياناً التي تضر بالوحدة الوطنية الأمر الذي يستوجب ضرورة الإسراع في مواجهتها بصورة حاسمة، فقد أعد المرسوم بقانون تحقيقاً للمصلحة العامة وتأكيداً للمساواة بين البشر تحقيقاً للسلم والأمن وحماية للوحدة الوطنية».
وهذا مربط الفرس... فترة الانتخابات... في الانتخابات تكثر الإشاعات الهدامة والخطابات التي تستقطب وتقسم شرائح المجتمع الواحد لمصالح شخصية وأهداف انتخابية لصالح مرشحين، دون مراعاة مصلحة الوطن والنسيج الاجتماعي للأسف الشديد.
ولذلك، مطلوب من المواطنين والمواطنات أولاً أن يكونوا بدرجة عالية من الوعي لمثل هذه الإشاعات والخطابات الاستقطابية التي لا تراعي مصلحة الوطن، خصوصاً في هذه الفترة.
ومطلوب من حكومة سمو رئيس الوزراء الشيخ محمد صباح السالم، أن تكون أكثر سرعة وحزماً في التصدي لهذه الإشاعات والخطابات، ومحاسبة من يخالف القانون.
وأخيراً، نقولها بوضوح لمن ركب موجة تعديل قانون الانتخاب، إن حماية الهوية الوطنية تبدأ بالكشف عن المزورين وملاحقة المزدوجين ومَن عبث في ملفات التجنيس، أما مطالبات تقسيم درجات المواطنة وحقوقها فهي بداية الضرب بالوحدة الوطنية وتمزيق المجتمع.
الله يحفظ الكويت وأهلها جميعاً.