الإجماعُ السياسي في إسرائيل... لا لحلّ الدولتيْن
تؤكد تصريحاتُ القادة الإسرائيليين وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وزعيم الوسط بيني غانتس وزعيم المعارضة يائير لابيد، إجماعاً ضدّ إقامة دولة فلسطينية، في تجسيدٍ للموقف الرسمي الذي يتعارض مع مقترحات الولايات المتحدة وأوروبا ودول أخرى، تطالب بحل الدولتين لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط.
الموقفُ الإسرائيلي يعقد الحلولَ لطيّ صفحة النزاع في المنطقة، ليشكّل عائقاً بوجه أي مسارات محتملة أو إقامةِ علاقاتٍ مع تل أبيب.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير دفاعه لويد أوستن، أكدا ضرورة حل الدولتين كانتصارٍ إستراتيجي لإسرائيل بدل الانتصارات التكتيكية التي تعرقل الحلول السياسية ذات الصلة بالصراع المزمن في المنطقة وتوتّر العلاقات مع الحلفاء وتقوّض الأهداف السلمية.
وكانت حكومة نتنياهو اختبأت وراء قرار «رفض حل الدولتين إلا من خلال مفاوضات ثنائية مباشرة ومن دون شروط مسبقة» والذي أكد أن تل أبيب «ستواصل معارضتها للاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية».
كذلك أعرب وزير الطاقة ايلي كوهين عن موقف مفاده «إذا كان ثمن توسيع اتفاقات السلام هو دولة فلسطينية فأنا أتخلّى عن اتفاقات السلام».
وهذه المعارضة لا تتطرق إلى مفهوم الدولة الفلسطينية التي ترفض إسرائيل إعطاءها مع سيادة لهذه الدولة على البحر والجو والأرض بحريةٍ وخارج السيطرة الإسرائيلية.
ولا يختلف حزب الليكود الحاكم مع أحزاب اليمين المتطرّف كالتي يمثّلها وزير الأمن إيتمار بن غفير ووزير المال بتسلئيل سموتريش، لتَلاقي الأسباب الأمنية والأيديولوجية والسياسية.
وهذا يتعارض مع اتفاقات أوسلو الموقّعة في التسعينيات لوضع أساس لقيام الدولة الفلسطينية من خلال المفاوضات وبناء الثقة. وهذا له تأثير كبير على الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني وتَفاقُم الأزمة الحالية وابتعاد آفاق التسوية التفاوضية.
وبالنسبة للعديد من الفلسطينيين، لا يُعَدّ إقامة الدولة مجرد هدف سياسي بل حق أساسي وحَجَرَ زاويةٍ في هويتهم ونضالهم من أجل تحقيق المصير. ويُبْطِلُ الإجماعُ الإسرائيلي إمكانية تحقيق هذا الهدف من خلال الوسائل الديبلوماسية ولا يَترك لهذا الشعب سوى خيار المقاومة المسلّحة.
إضافة إلى ذلك، فإن الموقف الإسرائيلي يقوّض صدقية القادة والفصائل الفلسطينية المعتدلة التي تبنّت المفاوضات الديبلوماسية باعتبارها سبيلاً صالحاً لإقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل.
ويجبر غيابُ مسارٍ قابل للحياة لإقامة الدولة من خلال المفاوضات الفلسطينيين على البحث عن وسائل بديلة لتأكيد حقوقهم وتطلعاتهم خصوصاً عندما تفشل القنوات القانونية والديبلوماسية الدولية.
وهذا ما من شأنه أن يضاعف جاذبية الشعب الفلسطيني للمقاومة المسلحة وغيرها من أشكال الاحتجاج، الأمر الذي سيصعد العنف وديناميته وهذا ما يسعى إليه القادة الإسرائيليون لقتل أي إمكانية لمحادثات السلام.
ويعكس هجوم 7 أكتوبر مدى الإحباط العميق المتصاعد لدى الفلسطينيين ولا سيما سكان غزة إزاء ركود عملية السلام والإهمال الملحوظ لحقوق الفلسطينيين وتطلعاتهم من جانب المجتمع الدولي.
وعلى الرغم من أن هذه الحرب محدَّدة في حدوثها، إلا أنها ترمز إلى توترات أوسع نطاقاً وقضايا لم يتم حلها في قلب الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
ويمكن النظر لهجوم السابع من أكتوبر باعتباره مظهراً من مظاهر اليأس الفلسطيني العميق، المدفوع بالقتل العشوائي المستمرّ للفلسطينيين والحرمان الطويل الأمد من إقامة دولة ذات سيادة على النحو المنصوص عليه في اتفاقات أوسلو.
وتالياً فإن إسرائيل تبدو وكأنها ماضية بتصعيد ردود الفعل العسكرية التدميرية والإمعان بقتل السكان ما سيؤدي إلى زيادة القيود ودورة العنف وتدهور الأوضاع الإنسانية.
وعلى مدى الأيام الـ135 الماضية، استشهد نحو 29 ألف فلسطيني، ما أدى إلى إذكاء الرغبة المتزايدة في الانتقام بين الطرفين. ويتفاقم الوضع بسبب إدراك إسرائيل لتفوُّقها العسكري والذي يبدو أنها تترجمه من ضمن إستراتيجية تتمثل باستفزاز الفلسطينيين كذريعة لتكثيف الضربات العسكرية والإهانة والاذلال والقتل، لإبادة المزيد من الشعب الفلسطيني وإنهاء أي مناداة تطالب بإقامة دولة فلسطينية لن تسمح بها إسرائيل.