برنامج عملها قدّم رؤية غير مألوفة لإنهاء مدة علاجية ناهزت 3 عقود
«الصدمة»... دواء حكومي لعلاج اكتئاب الاقتصاد
- الطبقة الوسطى تبرز إلى واجهة العمل الحكومي دعماً للاقتصاد وتوقعات بشمول العناية المبادرين
- القطاع الخاص شريك يعوَّل عليه في إحداث التنمية والفائدة مشتركة
- الدّين العام» لم يظهر ضمن إشارات الطريق الرئيسية للبرنامج؟
- مخاطر عدة تُحدق بالبلاد حال تأخرت الإصلاحات والمعالجات الهيكلية اللازمة
- البرنامج لن ينزل من سماء الأمنيات إلى مراتب التنفيذ إلّا بقبول الانتقال من «الريع» إلى الإنتاج
- الكويت مُنهكة بتجريب الخطط والبرامج من دون إحداث اختراق نوعي في فضاء المال والاقتصاد
حمل برنامج عمل الحكومة، الذي قدمته رسمياً إلى مجلس الأمة (الثلاثاء) تحت شعار «وطن عادل وآمن ومستدام»، توجهاً غير مألوف، ربما، في تاريخ برامج العمل الحكومية السابقة، والمتمثّل في «المكاشفة» أو «العلاج بالصدمة»، عن طريق الحديث بشكل شفّاف وواقعي، عن أحوال الواقع الاقتصادي والمالي للدولة، والمخاطر التي قد تتعرّض لها، في حال تأخرت الإصلاحات والمعالجات الهيكلية اللازمة.
والعلاج بالصدمة مثلما هو منهجية طبية لمداواة الاكتئاب الذهاني الشديد الذي لا يستجيب للأدوية، فهو يستخدم أيضاً في حقل الاقتصاد، لعلاج الاكتئاب الاقتصادي بمختلف أنواعه ودرجاته، وأبرزها التخلص من عادة الإنفاق العام غير الاستثماري المنفلت، فيما يشمل العلاج نفسه إعادة هيكلة بتغييرات اقتصادية تنفيذية جذرية، وينسحب ذلك على السبل المطلوبة لمعالجة الاختلالات المالية للدولة (الإيرادات النفطية المسيطرة)، حيث تدفع بالتنويع غير النفطي للدخل العام، ما يحقق استدامة للإنفاق الحكومي على البنية التحتية ويخفض عجز الميزانية ويعزز القدرة التنافسية وجهود العدالة، لا سيما ما يتعلق بتوجيه الدعومات.
«علاج مرّ»
اللافت في البرنامج، أنه وبخلاف العادة، حمل استرسالاً نظرياً عن المخاطر المزمنة، التي تشمل مؤشرات الميزانية بمخاطرها القريبة والمستقبلية، وقد أعطى هذا الاسترسال نظرة خاصة وشرحاً منطقياً للواقع بالأرقام، ما يوحي بأن هذا السرد الحكومي للبيانات الذي غلبت عليه العاطفة المسؤولة، هو مقدمة لاتخاذ قرارات جريئة تحتاج لشراكة عمل فعلية مع النواب والصبر المستطاع من الشعب خلال الفترة المقبلة.
وبرنامج العمل الحكومي الذي صار على طاولة النواب الآن، لن ينزل بطموحاته من سماء الأمنيات إلى مراتب التنفيذ إلا بالإقرار بأنه «علاج مرّ» قد يعقبه آخر أشدّ مرارة لكنه ضروري لتتعافى مالية الدولة واقتصادها، وأن تتضافر الجهود النيابية والشعبية لقبول موجهاته باعتبارها أسرع الطرق للتغلب على ضبابية الكفاءة الاقتصادية وإهدار الموارد المالية على مدى سنوات طويلة، والتعامل بواقعية مع استراتيجيات الحكومة الجديدة الراغبة في المضيّ قُدماً لجعل الكويت وطناً آمناً وعادلاً ومستداماً.
ولعل من أبرز النقاط المستجدة في برنامج العمل هذه المرة، نظرة الحكومة للدعم وتوجهها لترشيقه وإعادة توجيهه لمستحقيه، وربما للمرة الأولى يتم الحديث صراحة عن دعم «الطبقة المتوسطة» تحديداً، باعتبارها حجر الزاوية في الحفاظ على استقرار اقتصاد الدولة وبنية المجتمع ككل، مع توقع تنفيذ إجراءات تصب في مصلحة هذه الطبقة، التي قد يشمل دعمها شريحة المبادرين من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
تحذيرات حكومية
وحمل برنامج الحكومة تحذيرات واضحة من مخاطر استمرار الأوضاع المالية والاقتصادية بالتدهور في البلاد، ما قد ينتج عنه تعثر الأفراد والشركات والبنوك وارتفاع معدلات البطالة وانهيار الخدمات الاجتماعية وتدهور الأمن الاجتماعي.
وأضاءت التحذيرات الحكومية على التحدي ااستثنائي والخطير للبلاد لاعتماد ميزانيتها العامة على النفط مصدراً وحيداً للإيرادات، في ظل تذبذب أسعاره واحتمال نضوبه، وتوقعاتها بتعرض الموازنة لعجز في السنوات الخمس المقبلة، يتراوح بين 45 و60 مليار دينار، الأمر الذي يهدد القدرة على توفير حياة كريمة للمواطنين وتلبية احتياجاتهم واحتياجات البلاد الأساسية، مثلما يهدد القدرة على الوفاء بالتزاماتها الخارجية.
وفيما حدد برنامج العمل الحكومي بعض المستهدفات، كزيادة الرسوم التي لا تحتاج لقوانين، وتطبيق ضريبة الشركات الدولية، فإنه لم يحدد كيفية إطفاء العجز المتوقع، وما إذا كانت الحكومة ستعتمد في إطفائه على «الدين العام» أم لا؟ كما لم يوضح ما إذا كان وقف استقطاع الـ10 في المئة المقررة لصندوق الأجيال القادمة سيستمر من دون تحديد سقف، أم يتم التراجع عنه؟.
كما لم يظهر «الدّين العام» ضمن إشارات الطريق الرئيسية التي حددتها الحكومة لمسار برنامج عملها؟
ولمواجهة التحذيرات التي أطلقتها، أوحت الحكومة في برنامجها بأنها متجهة إلى علاج الوضع المالي والاقتصادي بـ«الصدمة»، لإنهاء مدة علاجية طال مداها لنحو 3 عقود تقريباً أعقبت التحرير، قضتها الكويت في تجريب الخطط والبرامج، التي أثبتت في ختام مطافها أنها غير قادرة على إحداث اختراق نوعي في فضاء المال والاقتصاد، يحيي آمال الكويتيين في تحقيق تنمية حقيقية تضاهي مثيلاتها بدول الخليج على الأقل، عبر تنويع موارد دخل المالية العامة واستغلالها بكفاءة والمحافظة على استدامتها، واغتنام الفرص الضائعة التي تتجاوز مخرجات استثماراتها أضعاف مرات مدخلاتها.
نقلة نوعية
فعلى المستوى الاقتصادي، ستُحدث الصدمة نقلة نوعية، لن يكون لها مثيل منذ اكتشاف النفط، ليتحول اقتصاد البلاد من الندرة إلى الوفرة، بمعرفة اقتصادية ابتكارية وتقنية متقدمة ومتجددة، وتفكيك قبضة الدولة على الشركات العامة ومدخلات الإنتاج، وإفساح المجال للقطاع الخاص ليلعب دوره دون تقييد أو منغّصات، ليكون ذلك ميعاداً للرخاء والازدهار، وصمام أمان لمستقبل الأجيال الحاضرة والقادمة في مواجهة أخطار عدم اليقين.
لهذا، أعربت الحكومة في برنامجها، عن عزمها إقرار جملة قوانين خلال الفصل التشريعي الحالي، تستهدف ضمان الاستدامة وتعزيز فرص تنويع مصادر دخل الخزينة العامة.
3 مستهدفات
- إحداث تغييرات جذرية تعزّز الإيرادات وتُخفض عجز الموازنة لضمان استمرارية الإنفاق.
- تنويع الموارد واستغلالها بكفاءة والمحافظة على استدامتها واغتنام الفرص الضائعة.
- إفساح المجال للقطاع الخاص ليلعب دوره دون تقييد أو منغّصات لمواجهة أخطار عدم اليقين.
التبعات القاسية
قالت الحكومة في برنامجها إن كلفة الإصلاح المالي والاقتصادي ستتفاقم كلما تأخر التصدي لهذه المعضلة، بل قد يصبح هذا التصدي بالغ الصعوبة وتترتب عليه تبعات قاسية ومؤلمة، لكنها لم تحدد نسبة الضرر ولا مدى قساوة الإيلام!
ريادة القطاع الخاص
تحدث البرنامج عن «مستهدفات عامة» للإصلاح وإعادة الهيكلة، دون الدخول في تفاصيل تكاليف الإصلاح والخسائر المترتبة على عدم التقدم في اتجاهه بخطوات جادة ومحسومة، وما يعنيه ذلك بالنسب والأرقام وعدد السنوات.
ويشدد على أن الهدف المحوري للإصلاح، يكمن في تحقيق التوازن في هيكل الاقتصاد الوطني، بإعادة رسم دور الحكومة في النشاط الاقتصادي، بما يعيد إلى القطاع الخاص دوره الريادي ويعزز تنوع قطاعاته ويضمن توفير فرص عمل منتجة للخريجين، ومن ثم دعم استدامة الرفاه الاقتصادي والاجتماعي على المدى الطويل.