شربنا منذ نعومة أظفارنا نبذ الآخر المختلف واتهامه إما بالكفر أو الزندقة أو البدعة أو الخيانة على حسب المخزون الموجود في دولاب الاتهامات بما يتوافق مع أهوائنا وما نريد إلباسه وما نريد تسمية هذا المختلف طالما أنه لا يتوافق وأبسط آرائنا أو مبادئنا أو أهدافنا، وهذا النبذ إنما هو نتاج ثقافة مجتمعية مكتسبة لا فطرة إنسانية سليمة، ولا سلامة معتقد ديني، لأن الله تعالى جعلنا شعوباً وقبائل ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة.
مع تقلبات الزمان تجري أمور على أمتنا العربية والإسلامية من مصائب يبدو لنا في البداية أنها وحّدت الغاية لوضع الحلول ثم السعي لتطبيقها، وماهي إلا فترة ونرى بدلاً من المشاركة في وضع الحلول ركون كل طرفٍ إلى ركنه واضعاً قدماً على الأخرى ومتّهماً الآخر بكذا وكذا... أو يرى أنه من المستحيل أن ينجح لأنه يحمل الفكر الفلاني، وإنكار جميع إنجازاته لمجرد الاختلاف عنه مع التستر على كل عيوب من وافقه وشاكله، فهل وصل بنا عدم تقبل الآخر إلى رفض من يقدم حلاً لمجرد أنه مختلف؟ حتى ولو كان هذا الحل يخدمنا جميعاً بشكل جزئي أو كلي؟ لئن كنا كذلك فهنيئاً هنيئاً لعدونا !
عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدعو الناس في مكة اختلف الناس في أمره بين متهم ومكذب ومتجرئ على قتله، فكان عتبة بن ربيعة، يقول لسادات مكة «خلّوا بينه وبين الناس، فإن ظهر فعزه عزكم وإن قُتِل فقد كفيتموه بغيركم» لكي يجنّب قومه الحرب على بعضهم البعض، أعتقد أن عتبة بن ربيعة، رغم كفره وعناده ووقوفه في وجه النبي صلى الله عليه وسلم؛ إلا أنه كان يملك حكمةً لمن خالف رأيه رغم توحّد الغاية والوجهة، وعلى الأقل ترك مجالاً لمن خالف عقيدة آبائه وأجداده لعله يظهر فيكون العز لهم جميعاً، وإلا لم يكن من المعادين له.