باسمة العنزي... نجمة واحدة لا تكفي

تصغير
تكبير
,

بعد غيبة طويلة عن مضمار الرواية والنشر، تعود المبدعة باسمة العنزي بـ «نجمة واحدة قد تكفي» من منشورات تكوين. قصص كثيرة تدخل فيها الكاتبة المنازل من أعماقها لا من أبوابها. تكشف ما خلف مساحيق التجميل والأقنعة وتكشف حقيقة عبارة «البيوت أسرار» لتضعنا جميعاً أمام مرآة واقعية. هكذا أصبحت حياتنا وهذه هي سطوة التكنولوجيا علينا.

«نجمة» الروايات باسمة تتحدّث عن «نجمة واحدة قد تكفي» في مجموعة قصصية غلب عليها هوس التعلّق بالعالم الافتراضي الذي يكاد يحوّل واقعيتنا إلى افتراض. ومثل تحليل أفلام آلات التصوير القديمة في المختبرات بين الشريط السلبي والصورة الإيجابية، ومن ثم يتم تعليق الصور على حبال كي تنشف، تتنقل روايات الكتاب بأسلوب رشيق جذّاب يشدك دائماً إلى النهايات، وهي ملعب المفاجآت الدائم للكاتبة.

لا جدوى من إخفاء حجم تغلغل التكنولوجيا التي حوّلتنا، مجموعات أسرية وأفراداً، إلى ما يُشبه الروبوت قبل ثورة الذكاء الصناعي. صارت وسائل التواصل مدخلاً لشهرة أو هرباً من واقع أو قناعاً لما هو أمرّ وأصعب. «هذه العائلة تبدو سعيدة. يا لهم من أناس مثاليين كي يعتنوا بصورهم بهذا الشكل. سيدة في الثانية والخمسين من عمرها. ابتسامة عريضة وعينان صغيرتان محددتان من الداخل بالكحل الأسود تنظر إلى الأعلى رافعة ذقنها وكأنها تُخاطب شخصاً أطول منها طوال الوقت». لكن هذه العائلة التي تسجن الأم في إدمان الهاتف المحمول فيها من المشاكل ما قد يتوزّع على قرية... إنما المهم أن هذه العائلة سعيدة «بفكرة أن الناس يظنون ذلك».

القصة عنوان الكتاب هي أيضاً عن هوس التعليق والتقييم. رجل يوزّع النجمات على كل ما يراه وكأنه يتوهم عرشاً في خيال متعطش للتصنيف ومنح الشهادات. يتفرغ لهذه المهمة ساعة ونصف الساعة يومياً كان يمكنه خلالها حل مشاكل الكثيرين من عملاء شركة التأمين التي يتولى إدارتها. المقهى نجمتان، طاولة المقهى يجب أن تتغير، الخدمة نجمة، مذاق القهوة نجمة. ملابسه من إحدى الماركات أعطاها 7 من عشرة. ملاحظة سلبية على نوعية القماش. فيلم البارحة الذي شاهده بالأمس نجمة مع تعليق عن غباء السيناريو وتكرار القصة. أما الفتاة التي جاورته في المقهى، فقد تكون ضحية سوء إدارة الشركة التي يديرها. لكنها لعنة الـ rate التي أظهرت عقده وجعلت مداراته عالمية من وجهة نظره وحولته إلى ناقد استهلاكي بامتياز.

لكن بين أزرار العالم الافتراضي مساحات واقعية محزنة. «امرأة كل سبت» هي امرأة كل يوم في الجمعيات والأسواق والشوارع والبيوت. تقلصت اهتماماتها إلى حجم الأغراض التي ستشتريها والإسراع في جلبها قبل صحوة المشترين، وتقلصت تطلعاتها إلى حجم ما تيسر من أمراض مثل السكر والخوف من سرطان الثدي. كان عبورها مثل غيمة وكان رحيلها كذلك. تفقدتها أرفف الجمعية «وكانت موجودة في السوبر ماركت كاسم صغير في صفحة الوفيات على حامل الصحف المعدني عند المدخل. ستفتقدها الأرضية اللامعة ومصابيح النيون وكاميرات المراقبة التي تتعرف على وجوه الزبائن وتقيس مستوى رضاهم».

حرصت باسمة العنزي على تقديم المختلف هذه المرة. اهتمت بالفكرة وفرادتها أكثر من اهتمامها بالسرديات، كثيرون سيجدون أنفسهم بين ضفتي الكتاب وبعضهم سيتلفت يميناً ويساراً متلبساً بالشك في أنه المقصود. اسمهم «غير مكتوب» طبعاً، لكن المكتوب على سلوكهم رصدته عين باسمة التي تستحق النجوم كلها مع كتابة شكوى في المساحة المقررة للتقييم حول غيابها المتكرر عن ميدان كانت من أوائل من خاض غماره.

بالتأكيد، نجمة واحدة لا تكفي، فالكاتبة زاخرة بالموهبة والأفكار «وما قل ودل» ليس عنواناً لمسيرتها بل... ما كثر ودل.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي