ليس احتجاز الحوثيين لسفينة في البحر الأحمر، بحجة أنّها إسرائيلية سوى دليل على مدى خطورة هذه المجموعة على اليمن نفسه وعلى الاستقرار الإقليمي وحتّى الدولي.
يعطي مثل هذا العمل غير المسؤول في منطقة حساسة هي البحر الأحمر، تعتبر ممرّاً مائياً دولياً، ليس مسموحاً بإغلاقه، فكرة عن التحوّل الذي طرأ على الوضع اليمني.
بدأ التحوّل منذ الانقلاب الذي نفذه الإخوان المسلمون على الرئيس الراحل عبدالله صالح في سياق ما سميّ «الربيع العربي». كان ذلك في شتاء العام 2011.
لم يكن من مستفيد من هذا الانقلاب، رغم التحفظات الكثيرة عن تصرفات علي عبدالله صالح في السنوات الأخيرة من عهده الطويل (34 عاماً تقريباً)، سوى إيران وأداتها المحلّية.
استثمرت إيران في الحوثيين منذ سنوات طويلة. تجاهل هؤلاء دعم الرئيس الراحل لهم في بداية قيام حركتهم تحت تسمية «الشباب المؤمن». خاض الحوثيون ست حروب مع علي عبدالله صالح بين 2004 و2010.
باتت «الجمهوريّة الإسلاميّة» تسيطر حالياً على جزء من اليمن، يشمل صنعاء وميناء الحديدة، منذ وضع الحوثيون يدهم على صنعاء في 21 سبتمبر 2014 معلنين قيام نظام جديد بديل من «الجمهورية اليمنيّة».
تحوّل هذا الجزء، إلى ما يمكن وصفه بقاعدة عسكريّة مليئة بالصواريخ والمسيّرات تشكل نقطة انطلاق لعمليات برّية وبحريّة وجوّية في آن.
كان الاستيلاء على السفينة المبحرة في البحر الأحمر بين آخر تلك العمليات.
تستخدم هذه القاعدة العسكريّة في تكريس أمر واقع يتمثّل في إيجاد موطئ قدم لإيران في شبه الجزيرة العربيّة في ظلّ تجاهل دولي كلّي لهذا الواقع وأبعاده الإقليميّة والدوليّة.
يشكّل موطئ القدم هذا خطراً على العديد من الدول، بعدما اثبت الحوثيون أنّ في استطاعتهم اعتراض سفن في الممر البحري الذي يقود إلى قناة السويس.
من الواضح أنّه ستكون حاجة في المستقبل لمعالجة الظاهرة الحوثيّة في اليمن. العالم كلّه منشغل حالياً بحرب غزة التي كشفت وجود كيان سياسي متفلت في اليمن.
يستطيع هذا الكيان التصرّف بطريقة خاصة به كونه لا يمتلك مقومات الدولة بكلّ معنى الكلمة.
أي أنّه يعتبر نفسه خارج إطار القانون الدولي الذي يفرض على الدول التزام معايير محدّدة في تصرفاتها، أكان ذلك على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
ليس ما يجبر الكيان الحوثي، على سبيل المثال وليس الحصر، احترام أي اتفاقات دولية، مسجلة في الأمم المتحدة، عقدتها الجمهوريّة اليمنية...
بغض النظر عن الوحشية التي مارستها إسرائيل، وما زالت تمارسها، في غزّة وفي الضفّة الغربيّة، نجد الحوثيين يتصرفون على هواهم من دون قيود، كما لو أنّهم يعيشون في عالم خاص بهم لا علاقة له سوى بكيفية خدمة المشروع التوسعي الإيراني.
لا ينحصر الأمر بحريّة الملاحة في البحر الأحمر، بل يشمل ذلك الداخل اليمني أيضاً.
في الداخل اليمني وفي مناطق سيطرة الذين يسمون أنفسهم «جماعة انصار الله» يجري غسل دماغ عشرات آلاف الأطفال وتربيتهم استناداً إلى تعاليم معيّنة لا علاقة لها سوى بالخرافات والتعبئة المذهبيّة.
يترافق ذلك مع تغيير البرامج التعليمية في اليمن بما يتفق مع الأفكار التي يروج لها الحوثيون.
أكثر من ذلك، يحمل هؤلاء الأطفال والمراهقون السلاح ويتصرفون من دون رادع خارج كلّ التقاليد والأعراف التي كانت تتحكم في الماضي بالمجتع اليمني، بما في ذلك جزء من المجتمع كانت تسود فيه الروح القبلية.
في المجتمع القبلي اليمني كانت توجد أعراف وقيم معيّنة يحترمها الكبير والصغير ويتربّى عليها.
ما الذي يمكن توقعه من مجتمع فيه عشرات الأطفال والمراهقين الذين يحملون السلاح بدل الذهاب إلى مدرسة لائقة يتلقون فيها العلم.
لا يعرف هؤلاء الأطفال شيئاً عمّا يدور في العالم المتحضر. ما الذي يمكن توقعه من التقاء السلاح بالجهل، خصوصاً عندما يكون هذا السلاح في يد أطفال ومراهقين شبه أمّيين يوجد من يسيطر عليهم ويستثمر جهلهم في خدمة مشروع لا مصلحة لليمن فيه ؟
يظلّ الأخطر من ذلك كلّه أن اليمن صار خطراً على المنطقة. سيصبح خطراً أكبر في ضوء استمرار الوضع على ما هو عليه.
تحول شمال اليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون، وبالتالي إيران، إلى قنبلة موقوتة يستحسن التنبه إلى المخاطر الناجمة عنها، المرشحة لأن تنجم عنها منذ الآن.
ما أوصل الوضع اليمني إلى ما آل إليه ذلك الحلف غير المقدس القائم بين «جماعة انصار الله» والإخوان المسلمين ممثلين بحزب التجمّع اليمني للإصلاح الذي كان يعتقد أنّ «الربيع العربي» فرصة لخلافة على عبدالله صالح.
لم ينسحب الرئيس الراحل من السلطة عندما كان يجب أن يفعل ذلك. لم يدرك إلّا متأخراً عمق الحقد الإخواني عليه. كانت الحاجة إلى تعرّضه لعملية اغتيال في مسجد النهدين، داخل حرم دار الرئاسة في صنعاء يوم الثالث من يونيو 2011، كي يتبلور لديه بداية وعي لحجم تحالف القوى التي يواجهها.
نعم، اليمن «قنبلة موقوتة» في شبه الجزيرة العربيّة.
ما يحدث في شمال البلد في غاية الخطورة ويتجاوز شعارات يرفعها الحوثيون الذين يريدون قتال إسرائيل وتوفير الدعم لـ«حماس» في غزّة المنكوبة.
المفارقة أنّ دعم الحوثيين لـ«حماس» لا يقدّم ولا يؤخر. ليس هذا الدعم وما يرافقه من تحركات ذات طابع فولكلوري من نوع إطلاق صواريخ في اتجاه إيلات، سوى عرض عضلات لـ«الجمهوريّة الإسلاميّة» التي تريد القول لـ«الشيطان الأكبر» الأميركي إنّها تمارس دوراً مهيمناً في المنطقة، وأنّه آن أوان الاعتراف العربي والأميركي بهذا الدور...