انخفاض قيمة العملة يفتح الباب أمام نمو إستراتيجي مُتنوّع على المدى الطويل رغم التحديات

الجنيه المصري... «شيفرة السر» لتدفّق الاستثمارات الأجنبية

تصغير
تكبير

- تفاؤل بالانتعاش 2024
-2025 بفضل تحسّن تنافسية الجنيه وخفض الفائدة والتضخم
- أساسيات القوة اقتصادياً تعتمد على الاستدامة بشرياً واستثمارياً وسياحياً وعقارياً وصناعياً ومصرفياً
- سوق ضخم استهلاكياً وإنتاجياً وديناميكية تنافسية وتركيز على النمو يُعجّل الخروج من الدفاع إلى الانتعاش
- العملة المنخفضة تُشكّل مزيجاً من الفوائد حيث الفرص الواعدة والقدرة على نمو الصادرات لمعدلات تاريخية
- رحلة إصلاحات صعبة زادت وعورتها صدمات الاقتصاد والتمويل العالمي والتحديات الجيوسياسة منذ «كورونا»

منذ نحو 14 شهراً، وتحديداً في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاقتصادي (مصر-2022) الذي عقد في 23 أكتوبر 2022، رسم الخبير الاقتصادي العالمي، والمستشار الاقتصادي لمجموعة أليانز، الدكتور محمد العريان، صورة مبسطة للوضع الكلي للاقتصاد العالمي، وموقع مصر في تلك الصورة.
وقتها شبّه العريان مصر بمنزل يوجد في حي كبير يُؤثّر فيها، فالحيّ الجيد يُعزّز من قيمة المنزل، في الوقت الذي تفرض التحديات التي يواجهها الحيّ تحديات على المنزل.

كلام العريان الدقيق في توصيف وضع مصر اقتصادياً واللصيق بما يمر بالعالم، وما يواجهه الجنيه حالياً من تراجع تاريخي في سعر صرفه مقابل الدولار يحيي النقاش الموضوعي حول النظرة المستقبلية لمصر، والفرص التي تؤكد أن مصر سوق نمو رئيسي واستثمار إستراتيجي على المدى الطويل رغم التحديات التشغيلية، ما يطلق العنان للتفاؤل بإمكانية انتعاش الاقتصاد المصري فى السنة المالية 2024-2025 بفضل تحسن تنافسية الجنيه وخفض معدلات الفائدة وتراجع التضخم.
ضغوط عالمية
بالطبع، هناك من قد يخرج على هذا الحديث بالقول: كيف يتحقق ذلك وسط التحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد المصري حالياً من شح العملة الأجنبية ونسب التضخم العالية وغيرها من الضغوطات الاقتصادية المرهقة عالمياً؟
لا شك أن مخاطر هذه التحديات قائمة بالفعل، ولا يمكن تفاديها، لكن وبعيداً عن العاطفة والاتجاهات السياسية المتضاربة والمستجدات الجيوسياسية التي يمكن أن تطرأ على الأرض، هناك معطيات قوة تتعلق بمتانة أساسيات الاقتصاد المصري لا يمكن تجاهلها تحليلياً، وأبرزها التنوع الأكثر شمولية واستدامة استثمارياً وسياحياً وصناعياً وعقارياً ومصرفياً بقطاعي الشركات والتجزئة المصرفية، وإنتاجياً.
ومع تعميق التكامل التجاري وتنفيذ برنامج بيع بعض الأصول الحكومية المغرية، إضافة إلى زيادة فاعلية استغلال الثروات الطبيعية المتعددة التي تمتلكها مصر في جميع الاتجاهات، يمكن الدوران بقوة مجدداً نحو إقامة اقتصاد أكثر ديناميكية وتنافسية وتركيز على الابتكار، وهنا يتحقق التحوّل من المرحلة الدفاعية إلى مرحلة النمو.
محركات مضاربية
وحتى لا يكون التحليل في هذا الخصوص منفلتاً من عقال الأدلة الدامغة التي توضح أن الأزمة استثنائية، وبمحرّكات مضاربية، قد يكون مفيداً الإشارة إلى تقارير المؤسسات العالمية التي ترى أن سعر صرف الجنيه الحالي مقابل الدولار غير عادل وأن الأخير مقوّم بأعلى من سعره بنحو 27 في المئة.
فحسب أسوأ سيناريوهات مؤسسة موديز العالمية وشركة فيتش سوليوشنز العالمية ومورغان ستانلي وستاندرد آند بورز كان متوقعاً أن يصل الدولار خلال الشهر الجاري إلى 38 جنيهاً بحد أقصى، فيما يتداول حالياً في السوق السوداء عند 52 بسبب استغلال تجار السوق السوداء لحرب غزة بطريقة غير مشروعة والضغط على العملة الأجنبية بما يؤدي إلى استمرار نقص النقد الأجنبي بالبنوك، واتساع الفارق بين السعر الرسمى وسعر الصرف في السوق السوداء بفارق كبير، لكن كل هذا عوامل وقتية يمكن تخطيها بمجرد تجاوز الأزمات المحيطة.
واقتصادياً، لا يعد سراً القول إن العملة المنخفضة تُشكّل مزيجاً من الفائدة لدولها حيث الفرص الواعدة للمستثمرين الحقيقيين طويلي الأجل وليس للمضاربين، والقدرة الأكبر على نمو الصادرات لمعدلات تاريخية.
زيادة الصادرات
ولعل هذا ما يُشكّل شيفرة السر في تعمّد الصين إضعاف سعر صرف اليوان الذي هبط في العام 2019 إلى دون مستوى 7 يوانات لكل دولار للمرة الأولى منذ 2008. والهدف كان ببساطة زيادة تنافسية الصادرات، بما يخفّض قيمة مشترياتها بالعملات الأجنبية.
والمقاربة العملية هناك ليست بعيدة عن صانع السياسة النقدية والمالية في مصر الذي تناسبه هذه الخطوة في تعزيز إصلاحاته أثناء الرحلة الوعرة للغاية التي مرّ بها الاقتصاد المصري لجهة الصدمات التي تعرّض لها الاقتصاد والتمويل العالميين والتحديات الجيوسياسة منذ أزمة كورونا.
وما يزيد وجاهة سيناريو وصول مصر إلى وجهة أفضل اقتصادياً معطيات القوة التي تتميز بنمو أكثر شمولاً واستدامة من حيث المناخ والبيئة والعملة الرخيصة التي تستهدف استقطاب المستثمرين وزيادة الصادرات المصرية، مدفوعين باستكمال البنية التحتية التي تبدو جاذبة للمستثمرين الطموحين في ظل الاضطرابات التي تشهدها الأسواق العالمية، والتحديات الجيوسياسية الخارجة عن إرادتها، وفي هذه الحالة ستنخفض حاجة مصر من الدولار مقابل زيادة منسوب الوارد إليها، ليتحقق مع ذلك تحوّل الدورة الاقتصادية إلى الانتعاش.
ثروات مستدامة
ويكتسي هذا الرأي وجاهة أكبر عند الإشارة إلى ثروات مصر استثنائية الاستدامة في نموها، والتي تبدأ بنهر النيل والسياحة الجاذبة التي بلغت إيراداتها آخر 10 سنوات نحو 63 مليار دولار، مروراً بقناة السويس التي حققت نهاية السنة المالية الماضية المنتهية في 31 يونيو الماضي إيرادات بنحو 9.4 مليار لأول مرة في تاريخها، وصولاً إلى تحويلات المصريين في الخارج التي تصل عادة باستثناء السنة المالية الماضية إلى نحو 32 ملياراً، علاوة على تكلفة الأيدي العاملة الرخيصة والسوق الاقتصادي الضخم استهلاكياً وإنتاجياً وهكذا دواليك.
ولذلك كان طبيعياً أن يعاكس الاقتصاد المصري جميع اقتصادات الأسواق الناشئة في 2020 و2021 ليُشكّل استثناءً في مواجهة تداعيات جائحة كورونا باعتراف المؤسسات الدولية الاقتصادية.
ونتيجة لذلك، لا يمكن القفزعلى اعتبار قوة أساسيات الاقتصاد المصري ومصداته الحمائية التي صمدت خلال السنوات الـ4 الماضية مقابل أوضاع الأسواق العالمية، فمنذ بداية 2023 كان الاقتصاد العالمي يواجه تباطؤاً في النمو واضطرابات في الأسواق المالية أصابت كبرى المؤسسات المالية وأقربها استحواذ بنك «يو بي إس» (UBS) على بنك «كريدي سويس» لينهي الاندماج مع ذلك تاريخاً عمره 167 عاماً لـ«كريدي سويس»، الذي شهد في السنوات الماضية فضائح وخسائر مالية.
ورغم الأزمات المتتالية التي تعرّض لها الاقتصاد العالمي بدءاً من كورونا التي شلّت العالم مروراً بحرب روسيا- أوكرانيا القائمة حتى الآن منذ نحو 20 شهراً وانتهاءً بحرب غزة، لم تتوقف مصر عن دفع استحقاقات ديونها، وهذه قصة نجاح أخرى تؤكد مرونة واستدامة الاقتصاد المصري ومستقبله الإيجابي.
ولذلك تبدو الصورة الراهنة لمستقبل الاقتصاد المصري القريب مختلفة للغاية مع إمكانية تسارع النمو، بفضل دورته التي تكتسب قوة متزايدة للانتعاش وجعل مصر مصنعاً حقيقياً للفرص الواعدة رغم كل التحديات والتعقيدات بالمنطقة وفي العالم.
ورغم كل التحديات، تُشكّل التطورات الإيجابية المتوقعة للاقتصاد المصري باعثاً جيداً لمزيد من الثقة، حيث النظرة المدقّقة تشير إلى احتمال أن يكون التعافي المصري قريباً، لا سيما إذا هدأت عاصفة الأسواق العالمية ونجحت الجهود في كبح جماح التضخم العالمي.
بالطبع، لا يمكن تجاهل العوامل التي تؤثر في التعافي الجاري، لكن يبدو واضحاً أن صنّاع السياسة المالية والنقدية في مصر يحتفظون برؤية أطول أجلاً لاغتنام الفرصة السانحة لاستكمال تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والمالية اللازمة بغية تعزيز الصلابة ورفع الإنتاجية والاستثمار وجعل الواردات أقل تكلفة نسبياً.
وهنا يكون منطقياً العودة مجدداً إلى انخفاض سعر صرف العملة المصرية الذي لم يعد مصدراً للمخاطر التي تهدّد آفاق الاقتصاد، وعائقاً أمام تحقيق نمو أكثر احتوائية مثل السابق، بل فرصة للتوسع وزيادة الضخ من الخارج استثمارياً للاستفادة من انخفاض تكلفة الاستثمار محلياً، وكذلك انخفاض تكلفة الأيدي العاملة.
طويل الأجل
وبلاشك فإن هذا المسار يكون مناسباً أكثر للمستثمرين طويلي الأجل من الأشخاص والمؤسسات الذين يُخطّطون لاستمرار هيكلهم الاستثماري وتحقيق أرباح مستدامة، وليس المضاربين الذين يستهدفون الربح السريع. وببساطة وبعيداً عن أي تعقيد، فإن ما يذكي هذا الاتجاه الفرص المتنوعة وسعر صرف الجنيه المغري والمشجع كونه تعرّض لتصحيح شديد ينبئ بقرب مرحلة تحوّل دورته للصعود، ما يعني محاسبياً وقف مرحلة الخسائر غير المحققة في معادلة الأرباح بعملة المستثمر.
وأثناء ذلك يكون الاقتصاد المصري محطّ اهتمام مؤسسات الاستثمار العالمية التي سيغريها هذا المزيج الاقتصادي الفريد، سواءً لجهة الفرص الواعدة الكامنة في هذه السوق للاستثمار المباشر أو لنسبة التكلفة إلى الاستثمار، ما يعزّز التوقعات المتفائلة بتنامي تدفق الاستثمارات العربية والأجنبية والمحلية وعودة النمو الصحي إلى السوق المصري مجدداً.
تدابير الإصلاح النقدي والمالي تُعزّز النمو
ضمن استعراضها لنتائج البنك عن فترة الأشهر التسعة الأولى من 2023، قالت نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني، ورئيس مجلس إدارة بنك الكويت الوطني - مصر، شيخة البحر، إن البيئة التشغيلية في مصر تمرّ بمرحلة استثنائية مثل سائر الأسواق الناشئة التي تعرّضت لصدمات اقتصادية متتالية، و«نحن متفائلون بأن تُؤثّر تدابير الإصلاح النقدي والمالي الأخيرة التي تتخذها الحكومة والبنك المركزي المصري إيجابياً على الأداء الاقتصادي، وتساهم في تعزيز النمو».
وأضافت البحر: «تمثل مصر سوق نمو رئيسية لناً، واستثماراً إستراتيجياً على المدى الطويل، وما نحققه من نمو يؤكد رؤية المجموعة الثاقبة في هذا الاستثمار الذي نستهدف تنميته في ظل طلب متزايد على الخدمات المصرفية ونمو معدلات الشمول المالي».
يذكر أن بنك الكويت الوطني- مصر، سجل نمواً في صافي أرباحه بنهاية الربع الثالث 2023 بلغت نسبته 100 في المئة، بعد أن حقق 2.574 مليار جنيه مصري (تعادل 26.5 مليون دينار) مقابل 1.288 مليار جنيه (تعادل 22.8 مليون دينار) خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
ومن جانبه، أعلن البنك الأهلي الكويتي - مصر، تحقيق نتائج بارزة خلال الأشهر التسعة الأولى من 2023، بارتفاع ملحوظ في صافي أرباحه وذلك بنسبة 84 في المئة ليصل 2.32 مليار جنيه مقارنة بـ 1.26 مليار للفترة ذاتها من العام الماضي.
8 إيجابيات لتخفيض قيمة العملة
يمكن أن يوفّر تخفيض قيمة العملة، عند تنفيذه بشكل إستراتيجي وفي السياق الاقتصادي الصحيح، مزايا معينة للحكومة واقتصادها، أخذاً بالاعتبار أن مزايا تخفيض قيمة العملة ليست عالمية ويمكن أن تختلف تبعاً للظروف الاقتصادية وإطار السياسة العامة للبلد. وفيما يلي 8 فوائد محتملة:
1 - تعزيز القدرة التنافسية لصادرات الدولة.
2 - تحسين الميزان التجاري من خلال زيادة القدرة التنافسية للصادرات.
3 - يوفر تخفيض قيمة العملة الحماية والدعم للصناعات المحلية التي تتنافس مع الواردات الأجنبية.
4 - ضعف العملة خصوصاً في حالة مصر الثرية بمعالمها وأجوائها يجعلها وجهة مستقطبة للسياح العرب والأجانب والمصريين أنفسهم.
5 - فرص الاستثمار الأجنبي المباشر أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب.
6 - تحفيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات.
7 - يمكن أن يساعد في تقليل التضخم المستورد، لأنه يجعل السلع المستوردة أكثر تكلفة نسبياً.
8 - تحسين الميزانية العمومية: بالنسبة للمصدّرين الذين يحققون إيرادات بالعملات الأجنبية، يمكن أن يؤدي انخفاض قيمة العملة إلى تحسن في ميزانياتهم العمومية عندما يتم تحويل أرباحهم الأجنبية مرة أخرى إلى العملة المحلية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي