ألوان

غزة... العزّة

تصغير
تكبير

لا أحد يعرف متى وكيف ستكون نهاية الحرب، ولطالما أن القصف الجوي يزداد ضد شعبنا في «غزة العزة» فإن ذلك يشير بوضوح إلى أن الحرب البرية التي بدأها الجيش الصهيوني لم تنجح في تحقيق أهدافها.
والشعب اليهودي المقيم في فلسطين المحتلة يريد من الجيش تحقيق نتائج مرضية، وجزء كبير منهم يريد رؤية نهاية الحياة السياسية لنتنياهو، وهو يدرك ذلك. لذا، فإنه يريد إطالة أمد الحرب مهما كانت التكلفة بشرياً واقتصادياً.

ولا يكترث نتنياهو إلى ضريبة الحرب لأنه يدرك أن المحاكمة بتهم فساد بانتظاره، وأنه سيدخل السجن، لذا، يسعى لتأجيل ذلك، إضافة إلى أنه يريد أن يصنع مجداً عسكرياً لعله يشفع له أمام المحكمة والمجتمع وكذلك حزبه.
ومثلما خرج أكثر من مئة وخمسين ألف مواطن إسرائيلي احتجاجاً على تدخل نتنياهو على تغيير بعض قوانين القضاء فإنّه يتوقع أن يتضاعف هذا الرقم مطالبين باستقالته وبمحاكمته إزاء ما حدث في السابع من أكتوبر، حيث الفشل الأمني والاستخباراتي وارتفاع عدد القتلى إلى رقم تاريخي وعدد الأسرى من الجيش الإسرائيلي.
وبات الأمن للمواطن الإسرائيلي حديث الشارع بعد أن كان الإسرائيليون مقتنعون بأنهم آمنون، حيث إنهم اكتشفوا أنه لا يوجد أي مواطن إسرائيلي مطمئن على حياته.
ولقد أدرك العالم الواقع أن المقاومة الفلسطينية لا تحارب اسرائيل ومعها أميركا، بل تحارب أميركا ومعها اسرائيل وبقية الدول الغربية وغير الغربية التي تساند تلك الحرب بشكل علني أو بشكل سري.
وما زالت أميركا تعمل ضد «حماس» وهي تهدف منذ عقود من الزمن أن تقضي عليها، وهو شعار صعب تحقيقه لكن قد تكون «حماس» تأثرت سلباً من حيث القدرة العسكرية لأنه من الصعب إعادة التصنيع للإمكانات العسكرية عبر مواد بسيطة نسبياً في صناعة السلاح، لكنها قدمت أنموذجاً سوف يكون مدرسة للآخرين وللباحثين في مجال المنظمات المعاصرة.
وقبل ذلك كانت هناك محاولة اسرائيلية في عام 2006م للقضاء على «حزب الله»، لكنها فشلت بل ان الحزب بات أكثر قوة وتطوراً عسكرياً، وفي التكتيك التقني وأمور أخرى جعلت من صلابته رقماً صعباً في الأمن الإقليمي.
ومن بين كل تلك الأحداث المتطورة يوماً بعد يوم يتجلّى سؤال مهم وهو من سيحكم غزة في المستقبل؟ وهو سؤال من الصعب الإجابة عنه إلا ان هناك أكثر من سيناريو من قبل أميركا واسرائيل أو من دول إقليمية أخرى بعضها واقعي وبعضها غير واقعي، والواضح فعلاً ان إسرائيل لا تريد إقامة دولة فلسطينية بأي صورة كانت. لذا، فقد باتت تحاول تفعيل سيناريو التهجير الجماعي وتراه واقعياً كونه حدث من قبل، كما هو الحال بالنسبة للشعبين السوري والأوكراني في الوقت المعاصر.
ولا تدعم الولايات المتحدة الأميركية التهجير للفلسطينيين ليس لأنها عادلة، بل لأن ذلك يضر حلفاء يوفرون لها استمرار مصالح إقليمية كبرى.
ولكن التحدي الأكبر هو عدد الفلسطينيين في فلسطين، كون اسرائيل اليهودية وهي أقلية تحكم الأغلبية العربية من مسلمين ومسيحيين، إضافة إلى انها تفرض فصلاً عنصرياً منذ عقود من الزمن هو عمر النكبة الفلسطينية، وبالتالي فان المستقبل الزمني عبر السنوات يسير باتجاه انتصار أهل الأرض الأصليين ضد المغتصبين، وهم شعب غير متجانس تدعي أنها الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة كذباً مثلما كانت تدعي أنها أقوى جيش في المنطقة وتلك أكذوبة فضحت في السابع من أكتوبر الماضي.
وهناك إشكالية أخرى وهي أنه كلما طال أمد الحرب ازداد الضغط عالمياً على الغرب بقيادة أميركا التي تستعد إلى الانطواء داخلياً بسبب الانتخابات الرئاسية حيث ستكون صورة الرئيس بايدن، ضعيفة بسبب تلك الحرب، إضافة إلى أسباب أخرى خصوصاً أن ترامب مرشح تفوق عليه في خمس ولايات خلال استفتاء أجري أخيراً وبيده آلة إعلامية سوف يفتك به، إضافة إلى أن العرب والمسلمين لن يصوتوا لبايدن بعد أن كانوا قد منحوه أصواتهم.
إن تلك الحرب لم تأتِ من فراغ، بل من احتلال اليهود لفلسطين بدعم من بريطانيا ثم الغرب الذي نجحت الأموال اليهودية في التحكم في إعلامه وفي مؤسساته السياسية إلى حد كبير، بينما فشلت الأموال العربية في إيجاد أصدقاء أو محايدين لقضاياهم الكبرى مثل فلسطين والاسلاموفوبيا.
ولكن العالم يتغير وكذلك القضية الفلسطينية، فالثوابت قبل السابع من أكتوبر ليس كما هي بعد ذلك التاريخ، والخنوع السياسي أمام اسرائيل وحلفائها لن يدوم خاصة ان الشعوب باتت تدرك أنها كانت مخدوعة من قبل إعلامها قبل إعلام الآخر ان اسرائيل كيان صلب خاصة انه ظهر وكأنه بيت العنكبوت وما «فزعة» أميركا والغرب إلا دليل على هشاشة وضعها ناهيك عن مشاكلها الداخلية التي باتت تمثل تحدياً أمام السياسيين.
وعندما تتوقف الحرب فإن الأوضاع لن تكون سهلة على الأطراف كافة، لأن العملية السياسية لن تكون سهلة من حيث التفاصيل ومن حيث التطبيق، خاصة أنه مرت تسع سنوات دون إيقاع سياسي وطني فلسطيني مقبول من قبل الشعب الفلسطيني ومن قبل «فتح وحماس» على حد السواء.
إن العملية السياسية طوال تلك السنوات لم تكن ناجحة ودون مستوى الطموحات للجميع كما أن المفاوضات بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل على مدى ثلاثة عقود لم تقدم أي شيء يستحق الذكر، ما يجعل فصائل المقاومة الفلسطينية في قوة كبيرة، كما أنها باتت تحظى بثقة كبيرة من رجل الشارع الفلسطيني خاصة أنها أثبتت تقديم رؤيتها بكل وضوح رغم الصعوبات منها الحصار والحرب المعلنة من قبل الصديق قبل العدو.
ولا بد من حل جذري للقضية الفلسطينية حيث حل الدولتين، إضافة إلى أنه لا مناصَ من إقامة الانتخابات، وهناك من يقول إن أهل القدس لا يستطيعون التصويت وتلك حجة واهية تقدمها بعض القوى الفلسطينية عبثاً وهو أمر تعتقد أنه يفيدها وهو يصب في مصلحة «حماس» بصورة أكبر.
وحركة حماس ليست وحدها في الساحة، اذ ان «فتح» فيها بعض الأسماء المرفوضة من قبل الشعب الفلسطيني، لكنها تضم بعض الأسماء الوطنية التي تستحق القيادة مثل مروان البرغوثي وبسام أبو شريف وآخرين.
وإذا ادعت أميركا أنها لن تتفاوض مع «حماس» كونها منظمة إرهابية، فإن ذلك قد يتغير بعد أن سبق للغرب وتعامل مع الجيش الايرلندي، بل انه شجع على التفاوض واحلال السلام، وبالتالي فإنها ستجد نفسها مجبرة على ذلك خاصة أنها باتت لديه معرفة أن إسرائيل ليست بتلك القوة.
وتستطيع الدول العربية أن تلعب دوراً أكبر كثيراً مما تقوم به رغم التحديات، حيث إن كلاً من جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية وهما «قطبا» القضية الفلسطينية مرتبطان بمعاهدة سلام مع الكيان الصهيوني كما أن لهما مصالح معها ومع الكثير من الدول الغربية وهي علاقات دولية متشابكة لا تخلو من التحديات أهمها الجانب الاقتصادي.
وهناك بعض الدول العربية الأخرى غير المحيطة بالكيان الصهيوني وقد مارست التطبيع معه، إلا أن التطبيع لن يخلق سلاماً إقليمياً حقيقياً لأن اسرائيل لا تريد أي سلام مع فلسطين.
وتأتي القمم العربية التي لم تحقق أي شيء، فهي في أفضل الأحوال سوف تدعو إلى السلام في فلسطين كما أنها ستقدم بعض المساعدات الإنسانية.
همسة:
إسرائيل زائلة والمسألة مسألة وقت.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي