4 منهم تحدثوا إلى «الراي» عن التغطية على... حافة الموت

مُراسِلون على «خط النار» وفي قلب... الخطر

تصغير
تكبير

- جويس عقيقي: الإصابةُ احتمالٌ أضعه أمامي لكنه ليس هاجساً... غطيتُ الكثيرَ لكن هذه الحرب أصعب
- ايهاب العقدي: لا نعرف متى يمكن أن نُستهدف... ونقيّم الوضع دورياً لنضع خططاً لضمان أمننا واستمرارية التغطية
- دارين الحلوة: كان بإمكان أي منا أن يكون مكان عصام عبدالله وتلقيتُ دورات تدريب لتغطية الأماكن الساخنة لكن على الأرض الأمور مختلفة
- محمد فرحات: الخوفُ لا يجعلني أتراجع بل يدفعني للثبات والتحدي فالصحافة لديها دورٌ في نقل الحقيقة
كل الجبهات هي... الجنوب. هكذا تحوّل لبنان بأسره على مدى نحو شهرٍ من طوفان النار «أسيراً» لجبهته المشتعلة في الجنوب... أخبار عاجلة، حبْسُ أنفاس، حرائق وضحايا، صواريخ ومسيَّرات، قواعد اشتباك وغارات.
ويوماً بعد يوم، يتعاظم القلقُ من انفلاشِ الحرب الحدودية و«المحدودة» حتى الساعة مع إسرائيل... قلقٌ تَأبّطه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في جولة خارجيةٍ كأنها «خلية أزمة مفتوحة» فالتقى أمس العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني غداة زيارته القاهرة واجتماعه مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
... سباقٌ بين الديبلوماسية التي لا تهدأ والميدان الذي لا يستريح، وعلى الجبهتين عدساتٌ لا تغمض عينيْها، ولا سيما التي ترابض على «خط النار» تطارد حَدَثاً لا تحكمه ضوابط من عدوٍّ كَسر كل المحرّمات... من استهداف الجسم الإعلامي الذي أصيب في 13 أكتوبر بقتْل مصوّر «رويترز» عصام عبدالله وجرْح 6 آخَرين بينهم كريستين عاصي وكارمن جوخدار، وصولاً لإغارته أمس على سيارتيْ إسعاف وجرحه 4 مسعفين.

«الراي» التقت مجموعةً من مراسلي «الخطوط الأمامية» وعاشت معهم أجواء المعارك وانطباعاتهم عنها، ودخلت الى خبايا قلوبهم في محاولةٍ لرسم صورة عما يعيشونه من تحديات ومخاوف وأخطار في المهمة – المجازَفة على جبهةٍ لا مكان فيها للمنافسة المهنية، فالجميع... قلبٌ واحد.
جويس عقيقي مراسلة MTV
لم تشعر يوماً بالخوف في كل مسيرتها المهنية، غطّت أخطر الأحداث في لبنان وأكثرها تعقيداً، وتعرّضت بالمباشر في أكثر من مرة لاعتداءات شخصية لكنها واجهت كل التحديات وبصلابة وَتماسُك ولم تتراجع مطلقاً عن مهمتها في نقل الخبر واستطلاع المعلومة.
هي جويس عقيقي مُراسِلة تلفزيون MTV التي تتولى مع زملاء لها نقل أخبار ومستجدات الجبهة الجنوبية في لبنان. حين اتصلنا بها كانت في بيروت تستعد للعودة الى جبهة الجنوب في اليوم التالي. مهمّتها هذه المرة صعبة جداً وفق ما تصفها «فالوضع ليس لعبة بل هو أصعب من الحرب المدمّرة التي شهدها لبنان في يوليو 2006»، وتضيف: «الحرب اليوم ليست واضحة المعالم ولا الجبهات، والعدو وحش كاسر لا يميّز بين صحافي ومدني. قد يأتينا صاروخ لا نعرف من أين، ولذلك أعتمد أقصى درجات الحذر حتى لا أعرض نفسي أو المصوّر الذي يرافقني للخطر».
وتتابع: «حين يستشهد زميل لنا ويتعرّض آخَرون لإصاباتٍ تصبح وطأة الأمور علينا ثقيلة وصعبة، لكن رغم ذلك لا يمكننا التوقف عن أداء مهمتنا والله هو الحامي.بعد استشهاد الزميل عصام العبدالله صعدتُ في اليوم التالي الى الجنوب لتغطية التشييع لأقول للإسرائيليين أنتم اردتم قتْل الصوت والصورة لكننا لن نستسلم. عصام استشهد من أجل الحقيقة، وإذا نحن خفنا فهذا يعني قتْلاً للحقيقة. لا شك ان استشهاده ولّد عندي حالة من الغضب، لكن كان لا بد أن يتحول الغضب الى تحد وعدم استسلام».
وتؤكد «أن الحرب التي نحن شهود عليها لا قواعد فيها ولا ضوابط وليس هناك مكان لا يمكن أن يتعرض للقصف، فكل الحدود باتت جبهة مفتوحة، وأحد الأمكنة التي كنت أقوم بالتغطية المباشرة منه مثلاً تم قصفه في اليوم التالي. ولذا تطلب منا دائماً إدارة محطة MTV عدم تعريض أنفسنا للخطر واتخاذ كل تدابير الحذر».
وتقول: «الإصابة احتمال أضعه أمامي لكنه ليس هاجساً وهذه الاحتمالية هي التي تجعلني أتحرك بحيطة وحذر، لكن العدو لا ضوابط عنده وأي حركة لنا في الليل يمكن أن تجعلنا أهدافاً حين يعرضنا ضوء الكاميرا للخطر. لقد غطيت إشكالات أمنية كثيرة وشهدت عملية فجر الجرود لكن هذه الحرب أصعب، لا يمكن توقع ما ستؤول إليه على الجبهة الجنوبية او حتى إقليمياً ودولياً، ربما قادة الحرب أنفسهم لا يعرفون كيف ستتطور وقد تنزلق الأمور في لحظة نحو الأسوأ».
أصعب ما تمر به جويس عقيقي على الجبهة وهي العروس الجديدة ليس الخوف من الموت الجاثم في كل لحظة بل وجود مَن يذكّرها بذلك لخوفه عليها فزوجها الذي يخشى على سلامتها يلحّ عليها ألا تخاطر فيما أهلها يزيدون الأمور صعوبة وهو ما يدفعها لزيادة الانتباه والحذر رغم كونها تستمدّ القوة من دعمهم الدائم لها.
إيهاب العقدي مراسل «الجزيرة»
مراراً حاولنا الاتصال بمراسل محطة «الجزيرة» إيهاب العقدي قبل أن نتمكن من التحدث إليه. أثناء اتصالنا كان على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة في نقطة قرب الجدار الفاصل في بلدة العديسة.
إيهاب المراسل المتمرّس في تغطية الحروب والنزاعات في أكثر المناطق حماوة واثقٌ من خبرته ومن إمكانات المحطة الكبرى وحرصها الكامل على إجراءات السلامة لتأمين استمرارية التغطية التلفزيونية.
بالنسبة له لبنان لم يدخل بعد في مرحلة الحرب الكاملة لذا فإن المخاطر لا تزال محسوبة، ويقول: «نحن في محطة الجزيرة على استعداد تام لمواكبة كل التطورات وذلك عبر التجهيزات والتدريبات والمتابعة الدقيقة لمجريات الأمور، ولكل حالة أعددنا سيناريو يتضمن كل الإجراءات اللازمة، وإذا حصل أي شيء غير متوقَّع نغيّر خططنا.دورياً نقيّم الوضع لنضع الخطة المبنية على الوقائع لتأمين استمرارية التغطية. تغطية الحروب والنزاعات لا تخلو من الخوف والخطر لكن الجهوزية والكفاءة والتدريب كما الإمكانات اللوجستية والتقنية والتخطيط السليم، أمورٌ تساعد على حماية المراسل وتأمين سلامته وتؤمن إدارة التغطية بشكل صحيح. لدينا الإمكانات لنبقى حتى آخر كاميرا في أي مكان».
يكرر إيهاب العقدي أكثر من مرة أن «الجزيرة» توافر لمراسليها كل ما يمكن ان يحتاجونه أو يطلبونه «لكن الخطر يكمن عند بعض التلفزيونات المحلية حيث إن بعض المؤسسات احتاجت الى أكثر من 15 يوماً لتدرك أن معدات الحماية التي يعتمدها مراسلوها من دروع وخوذات لا تتوافق مع المواصفات المطلوبة. حتى ان بعض المراسلين المحليين او الأجانب لا يملكون الخبرة المطلوبة لتغطية الحروب، لا يعرفون بلدات الجنوب مثلاً ولا يملكون أي خطط أو تخطيط وهو أمر مؤسف يمكن ان يعرضهم للخطر».
ويضيف: «في تغطية كهذه يجب أن نعرف أين يمكن أن نتواجد ونكون آمنين وأي نقاط يجب أن نَحْذرها بسبب خطر التواجد فيها. المنطقة الحدودية تشهد معارك وفقاً لقواعد الاشتباك ولذا لا يمكننا التواجد في المناطق العسكرية القريبة».
ونسأله هل الصحافيون الذين استُهدفوا كانوا موجودين في نقطة خاطئة؟ يجيب بالنفي وبأن الجانب الإسرائيلي «استهدفهم بشكل مباشر».
هنا ينقطع حديثنا الهاتفي فمنطقة العديسة كفركلا استُهدفت بقصف اسرائيلي مركّز. وبعد عودة الاتصال أخبرنا إيهاب أنه «كانت هناك خمس محطات تلفزيونية موجودة في المكان ونحو 11 شخصاً. سمعنا رشقات وقصفاً قريباً على أطراف العديسة ثم سمعنا دوي انفجار، نجم عن دبابة استهدفت منزلا. أردنا الابتعاد عن المكان لكن إطلاق النار وقصف الدبابات أخذ يشتد بالقرب منا، وحين هدأ القصف أردنا المغادرة والسير جنب الجدار إنما سيارة تلو الأخرى وليس عبر تجمع او قافلة حتى إذا تم استهدافنا من العدو يصيبون سيارة وليس قافلة».
ويضيف: «حالة الخطر دائمة ولا نعرف متى يمكن أن نُستهدف. فالقتال الدائر يعتمد فيه حزب الله آليات معينة بات خبيراً فيها، ومقاتلوه لا يَظهرون في موقع محدد، وقد يكون الموقع قريباً منا ويمكن أن تردّ عليه إسرائيل. بتنا نعرف أنه يجب ألا نبقى في أي موقع مُواجِه لموقع العدو لأنه هدف، وحين نلحظ أي تحرك لمقاتلي الحزب نبادر الى المغادرة فوراً. هذا نوع جديد من الحروب، فعمل المقاومة سرّي يعتمد على التخفي والمباغتة وتحديد أهداف معينة، وغالباً ما ينطلق من البساتين والجبال ولذا نحن نتواجد داخل القرى لنكون في أماكن محايدة وحين لا نعود قادرين على التواجد في مكان معين لدينا خطط للإخلاء».
تبقى المعضلة الأكبر خوف العائلة والأهل والمحبّين وقلقهم الدائم ولا سيما بعدما بات مراسلو الجزيرة مستهدَفين مباشرة لكن في المقابل احتضان أهل الجنوب ومحبتهم «تعوّضنا كل الخوف والتعب».
دارين الحلوة مراسلة «سكاي نيوز عربية»
منذ اليوم الأول، أدركتْ دارين الحلوة مراسلة محطة سكاي نيوز عربية أن الجبهة في الجنوب ستُفتح وأن التصعيد العسكري حاصل لا محالة «انتظرنا بترقّب مرور اليوم الأول وتحرّكْنا في اليوم التالي».
منذ 20 عاماً تلاحق دارين الخبر هي التي غطت الكثير من الانفجارات والاغتيالات في لبنان، واكتسبت خبرة عالية في التعامل مع الخطر والظروف الصعبة، وباتت تفهم الأرض كما تقول وأين يمكنها الوقوف لنقل رسالتها وأين يمكن لوجودها أن يكون مستفزاً.
ورغم ذلك تقول: «حرب يوليو 2006 كانت أخفّ علينا، كنا نعرف أننا في حرب وأنها ستنتهي يوماً وكنا نتحرك بطبيعة مختلفة. اليوم ما نراه من معطيات على الأرض يوحي بأن الحرب ستتوسع وقد تأخذ البلد الى مكان آخر. لكن حتى اللحظة نحن في منطقة وسطى بين الحرب و اللاحرب، لا يزال قُطرها ضيقاً لكن مفاعيلها قاسية فالبلد مشلول وبات فيه آلاف المهجّرين وسقط شهداء وضحايا. حتى على الصعيد الشخصي أراها أثقل من 2006 بعدما بات عندي عائلة وأولاد».
أمام أهوال ما يجري في غزة تبقى جبهة الجنوب اللبناني مضبوطة إعلامياً على الأقل، أي يصعب نقل صورة لها علاقة بالتصعيد العسكري يمكن أن تشكل سكوب أو حدَثاً غير اعتيادي وفق ما تقول الحلوة «والحقيقة ذاتها يمكن نقلها من بيروت أو صيدا لأن الصورة اليوم لا تؤمّن معطى مختلف جداً حيث أن الأحداث لا تزال غير منفلتة كلياً».
وتضيف: «ليست هناك صورة مؤثرة جداً تجعلني أغامر وأعرض نفسي للخطر، والمعطى المعلوماتي يمكن تأمينه من أي مكان. الخطر يكمن في وجود بنك أهداف للعدو الإسرائيلي لا نعرفه، وثمة عبثية واضحة في الاستهدافات، ولذا فإن أي شيء يتحرك يمكن أن يشكل هدفاً له، ومن هنا عَمَلُنا كشف الحقائق دون تعريض أنفسنا للخطر».
جنوب لبنان اليوم ليس ساحة منفصلة، وتطورات الوضع على جبهته مرتبطة بتطورات غزة، والخطر قد يزداد في أي لحظة. واستهداف الصحافيين أحدث صدمةً قوية في الوسط الإعلامي ولا سيما العامل في الجنوب.
وتقول دارين: «إنه إجرام شنيع. بالأمس كان عصام معنا نتبادل المزاح والكلام، وفجأة استشهد واختفى. كان بإمكان أي منا أن يكون مكانه وكلّنا معرضون للخطر. ذاك اليوم كنت خارج الميدان للمرة الأولى، لكن قبل ذلك كنا نغامر، نقف على الحافة اي في آخِر نقطة جغرافية على الشريط الحدودي نصوّر الإسرائيليين وكيف يتحركون. لكنني اليوم صرتُ أتمركز في مناطق فيها الحد الأدنى من الخطر، ومن المستبعد أن تكون أهدافاً إسرائيلية، لأن الأحداث لا تزال في نطاق تبادل القصف».
المؤسسة الإعلامية التي تعمل فيها دارين تتابع لحظة بلحظة ما يحصل مع مراسليها وتؤمن لهم الدعم المطلوب وتزودهم بوسائل الحماية المطلوبة: «المعنيون بسلامتنا أشخاص كفؤون يعرفون عِلم العسكر، يقيّمون تحركاتنا ويوجّهوننا إلى المواقع الأكثر سلامة. وما بين المعطى الذي نملكه كمراسلين وبين تقديراتهم حول الوضع والسلامة نجري تقييماً مشتركاً للبقاء في منأى عن الأخطار. صحيح أنني كمراسلة تلقيتُ دورات تدريب لتغطية الأماكن الساخنة المضطربة لكن على الأرض الأمور مختلفة وتقدير سخونتها يعود إليّ. أنا مثلاً أعاني من آلام ديسك في ظهري والدرع ثقيل عليّ، لكنني لا أنزعه ابداً. لكن كل إجراءات السلامة قد لا تنفع لأن العدو إذا أراد استهدافنا يمكنه ان يفعل ذلك، والمسيَّرات قادرة على أن تحدد بدقة إذا كان الهدف قد تحول أشلاء أو عنده نزيف، وأن تؤخر عمليات الإجلاء إذا أرادتْ. نسعى لتدابير حماية قصوى لكن ثمة لحظات عبثية لا يمكن فهمها وأظن ان الحصول على صورة بسيطة في ظل هذه المعطيات لا يستأهل تعريض نفسنا للخطر».
محمد فرحات مراسل «الجديد»
هي أول حرب ضد العدو الإسرائيلي يشهدها المراسل الشاب محمد فرحات مراسل تلفزيون «الجديد». لكنه ليس بعيداً عن أجواء المعارك، إذ سبق له أن غطى مواجهات مخيم عين الحلوة في صيدا منذ وقت ليس ببعيد. وحين اندلعت المعارك غداة «طوفان الأقصى» أراد أن يكون في الجنوب فهو يحب الميدان وتغطية الحروب وثمة مَرة أولى لكل شيء.
ويقول: «خضعتُ لدورات تدريبية حول تغطية الحروب مع وكالات عالمية واكتسبتُ منها المعرفة والخبرة في التعامل مع الميدان، لكننا اليوم لسنا في حرب بالمعنى المتعارف عليه ولا تزال الأمور مضبوطة. والقادر على فهم الميدان يعرف أين يجب أن يتواجد. لكن لا شك ان ثمة أموراً مفاجئة يجب أن نكون جاهزين للتعامل معها وإيجاد ردة الفعل المطلوبة».
الخطر على الجبهة الجنوبية حاضر في كل لحظة يقول محمد: «بالأمس تم إطلاق النار علينا وعلى مراسلي الجزيرة من مسكفعام بعدما نفّذت المقاومة عملية وكان العدوّ يردّ باتجاهنا. بسرعة حملْنا أغراضنا واتجهنا عكس مصدر النار نحو أول نقطة آمنة لنتّجه بعدها الى المنطقة الآمنة التي اعتمدناها. الأهمّ بالنسبة للمراسل أن يستكشف الأرض ليعرف أين يجب أن يتواجد. لقد بقيتُ في الجنوب 18 يوماً وصرتُ أعرف كل النقاط في القطاعيْن الشرقي والأوسط من مزارع شبعا حتى حولا. أنا من منطقة أخرى في جنوب لبنان، وعندي معرفة بالمناطق الأخرى من خلال زيارات سياحية لها، وقد اكتشفتُ أن هذه المعرفة للمنطقة وللعمق اللبناني تعطينا أفضلية على غيرنا».
نسأل المراسل الشاب عن استهداف الصحافيين وما أثاره ذلك من خوف فيهم فيجيب: «بصراحة، مَن لا يخاف ليس إنساناً. ورغم الشجاعة التي يمكن أن يتحلى بها المُراسِل إلا أن العدو غدّار وقد يقوم بأشياء لا يُحسب لها حساب. الخوفُ لا يجعلني أتراجع بل يدفعني للثبات والتحدي، فالصحافة لديها الدور في نقل الحقيقة واليوم ثمة تضليل كبير يحدث، والكل بات قادراً على التلاعب بالرأي العام. نحن نعرف ما يحدث على الأرض وواجبنا أن نُظْهِر ما يجري من دون تعمية. أنا كإنسان لا يمكنني أن أكون محايداً تجاه العدو الإسرائيلي أبداً إنما في عملي أحاول أن أنقل الواقع وأكون في الصف اللبناني بتغطية منطقية محايدة لا تعظّم الأمور وتوحي بانتصارات عظيمة أو هزائم نكراء».
الظروف الميدانية تتغيّر بين يوم وآخَر والمعارك قد تنشب فجاة، ويقول فرحات: «حين بدأ الحديث عن توغل بري في غزة جاءتنا تعليمات بأن نترك الساحات ونتوجه الى الفندق في المنطقة الآمنة ومنعونا من التجول. وقبْلها كنت أتجول على الحدود ووصلتُ الى مكان خطر فطُلب مني مباشرة على الهواء أن أتراجع وأقصد مكاناً آمناً. وحين قُصفت سيارة في بلدة حولا ظهرتُ برسالة مباشرة من المكان».
ويضيف: «بعد فترة في الميدان صرنا قادرين على فهم ما يجري على الجبهة، وكيف تحدث الضربات والضربات المعاكسة، لكن العدو دائماً ما يكسر قواعد الاشتباك. صرنا نعرف أنه في القطاع الأوسط تشتعل الجبهة بين الثالثة والسادسة والنصف مساء، ونعرف ما المواقع التي ستُضرب. وفي رأيي المعارك ستبقى محصورة إلا إذا حصل شيء خارج عن المألوف من الطرف الإسرائيلي».
بينه وبين كل الزملاء على الجبهة تولّدت ألفة كبيرة وهو الأمر الذي كرّره كل المراسلين الذين تحدثنا إليهم، وبينهم وبين أهل الجنوب نشأتْ أواصرُ مَحَبّةٍ وتَضامُنٍ، ليبقى الأهلُ وخوفُهم علامةً فارقةً في حياة كلّ مُراسِل على الجبهات المدجّجة بالمخاطر والمفتوحة على... المجهول.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي