في ما يتعلّق بآفاق النمو على المدى المتوسط

«الوطني»: الاقتصاد المصري على أبواب فترة... حاسمة

تصغير
تكبير
أفاد بنك الكويت الوطني في تقرير بأن الاقتصاد المصري على أبواب فترة حاسمة خلال الأشهر القادمة ستُسهم في إيضاح الرؤية في ما يتعلق بآفاق النمو على المدى المتوسط، وستفسح الانتخابات الرئاسية في ديسمبر المقبل المجال لاتخاذ خطوات جدية في مسار الإصلاح الاقتصادي.
ولفت إلى أن الناتج المحلي ينمو بمعدل أقل بكثير من المستويات المعتادة بنسبة 3.9% في الربع الثالث من السنة المالية 2022/2023، وسط تصاعد الضغوط الناجمة عن ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، إضافة لإجراءات تقليص الواردات لدعم الجنيه.
وأوضح أن عجز الحساب الجاري يتقلص مع وجود فجوة تمويل خارجي بنحو 12 مليار دولار هذا العام، والتي يُمكن سدها جزئياً عن طريق تطبيق المزيد من إجراءات الخصخصة والدعم الحكومي والسحب من الاحتياطيات، مبيناً أن رغم ارتفاع التضخم، إلا أنه بدأ بالاعتدال على أساس شهري، وقد يواصل ارتفاعه في حالة انخفاض قيمة الجنيه المصري بداية العام المقبل، مع إمكانية رفع سعر الفائدة في منتصف السنة المالية 2023/2024.

أما في السنة المالية 0224/2025 فيتوقع انخفاض معدلات التضخم وأسعار الفائدة، وتحرك الجنيه المصري بوتيرة أكثر استقراراً، هذا إلى جانب إصلاح السياسات العامة، ما يصب في مصلحة النمو الاقتصادي.
حدث متوقع
ويتوقع «الوطني» أن تمر مصر بفترة حاسمة ودقيقة خلال الأشهر المقبلة ما سيوفر رؤية أوضح لآفاق النمو الاقتصادي على المدى المتوسط. ومن المقرر عقد الانتخابات الرئاسية الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر إذ يحظى الرئيس عبدالفتاح السيسي بغالبية كبيرة لتأمين فترة رئاسية جديدة مدتها ست سنوات تنتهي في 2030.
وقد يتبع الانتخابات تعديل وزاري وانخفاض قيمة الجنيه المصري، وهو الحدث المتوقع منذ فترة طويلة نظراً لتصاعد الضغوط عليه، وإن بدا مستقراً خلال معظم فترات العام الجاري.
وقد يؤدي ذلك إلى بداية مراجعات صندوق النقد الدولي المتوقفة حالياً لبرنامج قروض 2022، ما سيمهد الطريق لبداية ضخ أموال الدعم التي ستلعب دوراً جوهرياً في معالجة فجوة التمويل الخارجي.
وذكر البنك أن أوضاع الاقتصاد الكلي كانت بالغة الصعوبة خلال الربع الماضي، في ظل ضعف معدلات النمو وارتفاع التضخم، رغم هدوء وتيرته قليلاً، وتحسن وضع الحساب الخارجي وان كان السبب في ذلك يعود في الغالب للانخفاض الحاد الذي شهدته الواردات.
ويضيف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي الذي تصاعدت حدته أخيرا إلى التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري حالياً.
انخفاض الاستهلاك
ولفت التقرير إلى أن النمو الاقتصادي واصل مساره الهبوطي في السنة المالية 2022/2023 (المنتهية في يونيو 2023) مع توقع تراجع نسبة النمو إلى 4% مقابل 6.7% في العام السابق. ويعد هذا المعدل أقل بكثير من المستوى التنموي اللازم لدولة بحجم مصر وإمكاناتها.
إذ بلغ معدل النمو في الربع الثالث من السنة المالية 2022/2023 ما نسبته 3.9% على أساس سنوي، دون تغيير يذكر عن المستوى المسجل في الربع الثاني من السنة المالية، إلا أنه جاء أقل من 4.3% المسجلة في الربع الأول من السنة المالية.
ويتوقع «الوطني» تسجيل نمو نسبته 3.9% مرة أخرى في الربع الرابع من السنة المالية. كما ارتفع مؤشر نشاط مؤشر مديري المشتريات هامشياً خلال الربع الثالث من السنة المالية، إلا أن المتوسط البالغ 49 بقي أقل من مستوى 50 والذي يشير إلى «عدم التغير» وذلك في ظل إبلاغ الشركات عن ضعف المبيعات، وصعوبة الحصول على المواد الخام من الخارج، وتسارع وتيرة ارتفاع الأسعار.
من جهة أخرى، أفاد البنك بأن بعض العوامل أثرت سلباً على الاستهلاك الخاص من ضمنها ارتفاع تكاليف التمويل، واستمرار القيود على الواردات.
إذ نما الاستهلاك الخاص 7.9% على أساس سنوي في الربع الثالث من السنة المالية 2022/2023 مقابل 1.3% في الربع الثاني من السنة المالية، إلا أن انتعاش النمو السنوي يعزى بصفة رئيسية لانخفاض قاعدة المقارنة المسجلة في الربع الثالث من العام المالي السابق.
وفي ذات الوقت، عاد صافي الصادرات لتسجيل أداء إيجابي في الربع الثاني من السنة المالية 2022/2023، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2005 وكانت له مساهمة إيجابية في الناتج المحلي - وإن كان ذلك على خلفية تدابير تقليص الواردات.
إلا أن تلك الزيادات على نمو الناتج المحلي الإجمالي قابلها ضعف شديد في معدلات الاستثمار التي انخفضت بنسبة قدرها 31% على أساس سنوي.
نمو محدود
أما بالنسبة للسنة المالية 2023/2024 (حتى يونيو 2024)، فيتوقع «الوطني» تسجيل نمو محدود بنسبة 4% مع تعرض الاستهلاك (لاسيما الخاص) لضربة قوية.
وخلال الفترة المتاحة من السنة المالية الحالية، ارتفع معدل التضخم إلى 38% واستمر رفع أسعار الفائدة (برجاء النظر أدناه).
كما نرى أيضاً أن العملية الانتخابية المقبلة إضافة إلى الخطوات التي قد تم تطبيقها على صعيد السياسات العامة كخفض قيمة العملة وإجراءات التقشف المالي ورفع أسعار الفائدة ستؤدي لتأجيل التعافي الاقتصادي إلى النصف الثاني من السنة المالية 2024/2025 على أقرب تقدير.
وذكر أن القطاع الخارجي لايزال يعتبر من أبرز المؤشرات الرئيسية التي تعكس الصعوبات الاقتصادية التي تتعرض لها مصر.
إذ انخفض العجز التجاري للسلع 12.2 مليار دولار في السنة المالية 2022/2023 إلى 31 مليار دولار (9% من الناتج المحلي الإجمالي)، وإن كان بصفة رئيسية نتيجة للانخفاض الشديد الذي شهدته الواردات بسبب القيود التي تهدف للحد من الضغوط على الجنيه المصري.
وفي ذات الوقت، تضاعف فائض قطاع الخدمات إلى 22 مليار دولار، فيما يعزى بصفة رئيسية لارتفاع الإيرادات السياحية بنسبة 25% وزيادة إيرادات قناة السويس بنسبة 27%.
إلا أن التأثير الإيجابي لهذه التطورات على إجمالي قيمة الحساب الجاري قابله انخفاض التحويلات (من 22 مليار دولار إلى 10مليارات)، والذي قد يعزى لإحجام المغتربين عن تحويل العملة الأجنبية لأوطانهم نظراً لحالة عدم اليقين تجاه أسعار الصرف.
وبصفة عامة، تقلص عجز الحساب الجاري بمقدار 12 مليار دولار ليصل أدنى مستوياته المسجلة منذ 9 أعوام عند نحو 5 مليارات دولار، أو نسبة 1.6% من الناتج المحلي الإجمالي (مقابل 3.6% في السنة المالية 2021/2022).
اتساع العجز
وبالنسبة للسنة المالية 2023/2024، فتوقع «الوطني» اتساع عجز الحساب الجاري إلى 8 مليارات دولار (2.6% من الناتج المحلي الإجمالي).
ويبدو أن الجنيه المصري سيستمر ربطه بقيمة مرتفعة أمام الدولار خلال معظم العام، ما يحد من العائدات التي توفرها القطاعات الرئيسية مثل السياحة وتحويلات العاملين بالخارج بالدولار الأميركي. إضافة لذلك، فإن النقص المستمر في إنتاج الغاز الطبيعي سيواصل تأثيره السلبي على صافي ميزان الطاقة، مما يؤدي لاتساع العجز التجاري إلى نحو 36 مليار دولار.
وقال «الوطني» إنه رغم تحسّن الحساب الجاري بوتيرة ملحوظة، إلا أن آجال استحقاق الديون الخارجية الكبيرة لمصر تُشكّل مصدراً إضافياً للضغوط.
ونقدر أن الاستحقاقات واجبة السداد في السنة المالية 2023/2024 تصل لنحو 22 مليار دولار، على افتراض تجديد ودائع دول الخليج. وبإضافة عجز الحساب الجاري سالف الذكر، يصل إجمالي احتياجات التمويل الخارجي هذا العام إلى 30 مليار دولار.
وبالاستناد إلى افتراضات معقولة، فإن الاستثمار الأجنبي المباشر (11 مليار دولار)، واستثمارات المحافظ الأجنبية (2 مليار دولار)، وشرائح صندوق النقد الدولي (2 مليار دولار)، وإصدار سندات اليورو (3 مليار دولار) ستغطي معظم هذا المبلغ، ليصبح بذلك صافي الفجوة التمويلية 12 مليار دولار للسنة المالية 2023/2024.
سد الفجوة
وذكر أن إمكانية زيادة حجم قرض صندوق النقد الدولي بمقدار ملياري دولار، وتطبيق المزيد من عمليات الخصخصة، وإعادة جدولة بعض استحقاقات الديون متعددة الأطراف، وسحب جزء آخر من الاحتياطيات، قد يؤدي لسد فجوة التمويل. ورغم ذلك، فقد تكون هناك ضرورة لمواصلة تقليص عمليات الاستيراد.
ورجّح البنك أن تؤثر الحرب في غزة على القطاع الخارجي لمصر. وفي الوقت الحالي، فإن درجة (ومدة) التصعيد المستمر للصراع غير مؤكدة، إلا أنه يمكن أن يؤدي ذلك لخفض الإيرادات الخارجية لمصر بمقدار 1.5 مليار دولار بشكل ربعي من خلال انخفاض صادرات السياحة والغاز.
وقال «بقي الجنيه المصري واقعاً تحت ضغوط شديدة خلال الربع الماضي، إذ يتم تداوله حالياً في السوق الموازي في نطاق 39-42 جنيها مصريا للدولار الواحد، أي أضعف بنسبة 21-26% من السعر الرسمي البالغ 30.9 جنيه مصري مقابل الدولار.وفي الوقت الحالي، يبلغ سعر العقود الآجلة لفترة 12 شهراُ، 43 جنيها مصريا مقابل الدولار».
وتشير التقديرات إلى أن الحكومة كانت مترددة في اتخاذ خطوات لتوحيد أسعار الصرف ما لم يسبق ذلك زيادة إضافية في احتياطيات النقد الأجنبي (5-7 مليارات دولار).
ومع اقتراب موعد الانتخابات، يرجح تقلص الفرصة أمام خفض قيمة الجنيه المصري. إلا أن التحرك نحو نظام سعر صرف أكثر مرونة يعتبر أمراً لا مفر منه وقد يحدث في النصف الأول من 2024.
قاعدة الأساس
وذكر أن معدل التضخم وصل أعلى مستوياته التاريخية عند 38% على أساس سنوي في سبتمبر، مقابل 37% في أغسطس و26% في يناير.
وقد ارتفع التضخم على مدار الأشهر الأخيرة بسبب تأثيرات قاعدة الأساس غير المواتية بعد نموه بمعدلات أكثر تواضعاً العام السابق. إلا ان ارتفاع الأسعار على أساس شهري قد بدأ في التباطؤ، إذ بلغ في المتوسط 1.8% خلال الفترة الممتدة من يوليو إلى سبتمبر مقابل 3.4% في الفترة الممتدة من يناير إلى يونيو. ويعكس هذا الاعتدال تلاشي تأثير انخفاض قيمة الجنيه الذي حدث في يناير. وعلى صعيد المجموعات، بلغ ارتفاع أسعار الأغذية والمشروبات 74% على أساس سنوي وكان المصدر الرئيسي لتصاعد الضغوط التضخمية بشكل عام.
وخلال الفترة المقبلة، يتوقع «الوطني» أنه في ظل تحول التأثير الأساسي ليصبح أكثر إيجابية اعتباراً من أكتوبر، انخفاض التضخم إلى 30% بنهاية العام الجاري.
وأن تعود الضغوط التضخمية في أعقاب الانتخابات الرئاسية، نتيجة لإمكانية خفض قيمة الجنيه المصري وتقليص الدعم. ويتوقع ارتفاع معدل التضخم على أساس شهري، رغم أن المعدل السنوي سيتراوح بين 24 و25%، بدعم من التأثير الإيجابي لقاعدة الأساس.
ويتوقع «الوطني» أن يبلغ متوسط التضخم نحو 20% خلال 2024. ورغم الانخفاض الكبير، إلا أنه سيبقى بعيداً عن المستوى المستهدف من قبل البنك المركزي للربع الرابع من 2024 بنسبة 7% (+/-2%).
وأضاف أن رغم أن سعر الفائدة الأساسي (19-20%) ومتوسط عائدات سندات الخزانة لأجل عام واحد (21% صافي من الضرائب) تعتبر مرتفعة بالقيمة الاسمية، إلا أنها لاتزال سلبية بالقيمة الحقيقية بسبب ارتفاع معدل التضخم. إلا أنه مع انخفاض معدلات التضخم العام المقبل، يتوقع أن ترتفع أسعار الفائدة الحقيقية بشكل كبير - ربما إلى ما نسبته -3% في الربع الأول من 2024.
إلا أنه بالتزامن مع الانخفاض المحتمل لقيمة الجنيه المصري، قد يُقدم البنك المركزي على رفع سعر الفائدة بشكل أكبر لمعالجة ارتفاع معدلات التضخم مرة أخرى.
وقام البنك المركزي المصري برفع سعر الفائدة بشكل غير متوقع في أغسطس بنسبة 1% «لاحتواء الضغوط التضخمية وتحقيق الاستقرار لتوقعات التضخم وفقاً لأهداف البنك المركزي المصري»، لكنه أبقى بعد ذلك على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماع سبتمبر كما هو متوقع في ظل غياب أي محفزات تضخمية جديدة.
ضغوط اقتصادية
وأفاد «الوطني» بأنه من الواضح أن ارتفاع أسعار الفائدة في العام الماضي إضافة للضغوط الاقتصادية قد أثّرا سلباً على ائتمان القطاع الخاص، والذي تباطأ نموه إلى 27% على أساس سنوي في أغسطس مقابل مستويات الذروة المسجلة في 2023 والتي بلغت 35% في فبراير.
وعلى أساس القيمة الحقيقية، كان ائتمان نمو شركات القطاع الخاص (-10%) والائتمان الشخصي (-16%) سلبياً في أغسطس.
وفي ذات الوقت، بقي نمو ائتمان القطاع العام مستقراً بشكل أفضل، إذ نما 11% على أساس ربع سنوي في الثلاثة أشهر حتى أغسطس، مرتفعاً من 10% على أساس ربع سنوي في الثلاثة أشهر حتى مايو.
وعلى أساس سنوي، نما ائتمان القطاع العام بنسبة 62% على أساس سنوي في أغسطس، مواصلاً ارتفاعه من أدنى مستوياته المسجلة في مايو والتي بلغت 47% على أساس سنوي.
كما نما ائتمان القطاع العام بالقيمة الحقيقية بنسبة قوية بلغت 24% على أساس سنوي. ويعتبر استمرار طفرة البناء، وخاصة البنية التحتية، هو السبب الرئيسي وراء النمو القوي لإقراض القطاع العام.
الناتج المحلي
ووفقاً لموازنة السنة المالية 2023/2024 فمن المتوقع تسجيل عجز بنسبة 7.0% من الناتج المحلي (824 مليار جنيه)، إذ تصل النفقات إلى 3 تريليونات جنيه والإيرادات إلى 2.1 تريليون جنيه.
وتعتبر تلك الأرقام قريبة من توقعاتنا، بعد تعديلها لتتسق مع الخفض المقبل لقيمة الجنيه المصري والزيادة الأخيرة لأسعار النفط.
ويتوقع «الوطني» أن ترتفع فاتورة الدعم 32%، وأن ترتفع مصاريف الفوائد 40%، ما يؤدي إلى ارتفاع الإنفاق 36% لهذا العام.
إلا انه بصفة عامة، فإنه رغم أن عجز المالية العامة لايزال شاسعاً، تم خفضه بنجاح على مر السنين (12.5% في السنة المالية 2015/2016) - ورغم تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على خدمة الدين - تبقى قضية أقل إلحاحاً من العجز الخارجي الناتج عن عجز الميزانية من وجهة نظر اقتصادية عامة.
وقال «في واقع الأمر، نرى أن الانضباط المالي في الوقت الحالي يعتبر من الأمور بالغة الأهمية نظراً لدوره في الحد من المزيد من الضغوط التي يتعرّض لها الجنيه المصري».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي