«حزب الله» وقواعد الاشتباك الـ 40

تصغير
تكبير
في قريتي ومنطقة جبل لبنان، يُحكى عن رجل اعتاد أن تُعاملهُ زوجته بخشونة، إلى أن قرر أخيراً المقاومة، فشرع يركض عبر المنزل بحثاً عن السلامة. وظلت زوجته التي تقف قريبة تشتمه وتطالبه بمواجهة مصيره الكئيب، فيرد عليها «أنا رجل البيت وأختار مكان جلوسي».

يمكن لهذه القصة الكوميدية عن العنف المنزلي أن تكون إطاراً جيداً لفهم ما يسمى بـ «قواعد الاشتباك» التي ظل «حزب الله»، يدفع بها في اشتباكاته المستمرة والمتصاعدة حالياً مع إسرائيل على الحدود الجنوبية.


منذ اندلاع الاشتباكات في 7 أكتوبر، بين إسرائيل وحركة«حماس»، ظل سؤال المليون هو: هل سيقوم«حزب الله»بفتح الجبهة الشمالية وبالتالي إجبار الإسرائيليين على إعادة توجيه مواردهم وقواتهم شمالاً لمحاربة الفصيل اللبناني من الحرس الثوري، أم أن الحزب سيجلس في هذه الجبهة، كما حدث في العديد من المناسبات الأخرى منذ نهاية حرب يوليو 2006؟

بطبيعة الحال، بالنسبة للبنانيين، هذا السؤال المحير وعدم قدرتهم على إيجاد إجابة محددة له، دفعهم إلى حالة من عدم اليقين، حيث اضطر العديد منهم، خصوصاً الشيعة الذين يدعم معظمهم علناً«حزب الله»، إلى ترك منازلهم في الجنوب اللبناني أو الضاحية الجنوبية لبيروت، هرباً من العنف المحتمل والمدمر.

تعود قواعد الاشتباك الحالية التي يعمل«حزب الله»وإسرائيل بموجبها إلى عام 2006 وقرار مجلس الأمن الرقم 1701 الذي أنشأ من الناحية النظرية منطقة منزوعة السلاح جنوب نهر الليطاني، وفتح الطريق نظرياً أمام الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام الأممية«اليونيفيل»لتولي قيادة المنطقة المحاذية للحدود مع إسرائيل.

وعلى الرغم من هذه الحقيقة، إلا أن«حزب الله»واصل تعزيز وجوده العسكري وإنشاء أنظمة أنفاقه تحت أعين إسرائيل«الساهرة». منذ انتهاء الأعمال العدائية في 2006، كان الحزب يتصرف كشرطة حدودية. ورغم بعض الحوادث الأمنية و«المشاجرات»العرضية، كانت الحدود الشمالية لإسرائيل أكثر أماناً من شوارع واشنطن، العاصمة الأميركية، حتى قبل بضعة أسابيع عندما أطلقت إيران و«حماس»العنان لما يسمى«طوفان الأقصى».

وفي حين أنه حُكي كثيراً عن الدور اللوجستي والإستراتيجي الواضح لإيران و«حزب الله»في تخطيط وتنفيذ هجوم«حماس»الخاطف، فإن إيران على الأقل في الوقت الحالي لا تستفيد من فتح«حزب الله»جبهته مع إسرائيل، وإطلاق العنان بالصدفة لحرب شاملة في المنطقة، والتي ستشهد مشاركة مجموعتي حاملات الطائرات الأميركية الضاربة -«يو إس إس جيرالد فورد»و«يو إس إس دوايت دي أيزنهاور»– الموجودتين في المنطقة.

ومهما يكن الأمر، فإن«حزب الله»يرغب في البقاء خارج هذا الجحيم المستعر، لأن حرباً مفتوحة في خضم الدعم الغربي الكامل لإسرائيل، وأزمة لبنانية جهنمية من شأنها أن تحرمه وإيران من أي فرص للخروج من الصراع مع«نصر إلهي»مفترض، كما في 2006.

في مواجهة هذا الواقع، قام الحزب بتعديل قواعد الاشتباك على نحو يسمح له بإدارة نسخته من«مسرح الجهاد»من دون إثارة انتقام إسرائيلي واسع النطاق. ومنذ بداية الحرب، نفذ تصعيداً في العمليات الكلاسيكية التي تشمل الهجوم بالصواريخ الكلاسيكية والذخيرة الموجهة غير المتطورة، كل ذلك بهدف إبقاء إسرائيل في حالة تأهب كامل، بينما يدّعي دعم أهل غزة الذين تُركوا لمواجهة الغضب وآلة القتل الإسرائيلية الوحشية.

ومن قبيل الصدفة، فإن الفشل الاستخباراتي والعسكري الإسرائيلي في التنبؤ بهجوم«حماس»في 7 أكتوبر ومواجهته، يرتكز بشكل أساسي على الموقف المتعالي للمؤسسة العسكرية واعتبار عدوها بدائياً وغير قادر على التسبب في ضرر حقيقي.

في المقابل، تنظر إسرائيل إلى«حزب الله»وقدراته العسكرية وقدراته«الفتاكة»باعتبارها«تقديراً كبيراً»، وقامت منذ حرب 2006 بإعادة النظر في نهجها بالكامل تجاه أي صراع مستقبلي معه، وتخصيص الموارد، إضافة إلى تطوير«عقيدة الضاحية»، التي تستخدم القوة والهدف غير المتناسبين، لتدمير البنية التحتية المدنية.

ومن قبيل«الصدفة»أن مؤلف هذه العقيدة الوحشية، رئيس الأركان العامة السابق للجيش الإسرائيلي غادي أيزنكوت، هو أحد الجنرالات الأربعة في حكومة الوحدة الوطنية الحالية ويجلس في«مجلس الحرب»التابع لها، وهي حقيقة يعرفها جيداً الأمين العام لـ«حزب الله»حسن نصرالله والإيرانيون.

بعد نحو 22 يوماً من الصراع، يدعي الحزب أن تدخله سيأتي بناء على طلب مباشر من«حماس»أو عندما تبدأ الحرب البرية الإسرائيلية المتوقعة ضد قطاع غزة.

ومع ذلك، في الواقع، فإن الدمار والمذبحة الناجمة عن القصف المستمر والعمليات العسكرية ضد سكان غزة، يفوق الغزو البري المتوقع، والذي سيشهد قصفاً أقل ومعارك التحامية أكثر.

وفي هذا الصدد، إذا كان نصرالله، جاداً، في شأن حماية شعب فلسطين وتحرير القدس، كما يذكّر شعبه باستمرار، فإن مماطلته العسكرية دليل كافٍ على افتقاره إلى الجدية، إذا صح التعبير.

إن هجمات«حزب الله»المحدودة واليومية على أهداف إسرائيلية في محيط المناطق المتنازع عليها في مزارع شبعا، على عكس ما يدعيه العديد من الأبواق السياسية المروجة له، لا تشكل أي عمل جدي من أعمال المقاومة، ولا يشمل كذلك الفروع اللبنانية لـ«حماس»وحركة«الجهاد الإسلامي»التي انضمت إلى الحزب في«مسرحياته الجهادية»والتزمت بوضوح بقواعد الاشتباك المتفق عليها.

وبالصدفة، دفع هذا الواقع اللبنانيين عموماً إلى تبني شعور خطير بالأمان، يرى أن عزوف«حزب الله»عن المشاركة في الحرب ينبع من مصلحته في الحفاظ على لبنان وشعبه، ولاسيما الشيعة منهم، بينما في الواقع فإن الحزب وبالتالي إيران، لم يقوما بالحرب لأن الوقت بالنسبة لهما لم يحن بعد، وليس هناك ما يضمن قدرتهما على النجاة من ارتداداتها.

ضمن هذا الإطار، قد يكون لبنان في مأزقه الحالي أفضل حالاً من حرب واسعة النطاق بين الحزب وإسرائيل، لكن في المستقبل لن تفكر إيران مرتين في كيفية استخدام لبنان وإساءة معاملته، كما فعلت على مدى العقدين الماضيين لكسب أي تقدم لها في مفاوضاتها وصراعاتها«العالمية».

ومن المفارقات أن نصرالله، الذي يعشق الخطابة، ولا يفوت فرصة إلقاء الخطب التي تتنبأ وتؤكد التدمير الوشيك لإسرائيل وصحة رؤيته العالمية المهدية، لم يظهر بعد للجمهور ويحاول أن يشرح لهم، على افتراض أنه يهتم... أنه لماذا يرسل مقاتليه، لتنفيذ عمليات بسيطة أدت حتى الآن إلى خسارة ميليشياته أكثر من 45 قتيلاً.

كان اتصال نصرالله الوحيد مع الجمهور بشأن حرب غزة، عبارة عن تعميم مكتوب بخط اليد، يطلب من وسائل الإعلام التابعة لـ«حزب الله»الإشارة إلى القتلى من مقاتليه، وبعضهم من الأحداث، على أنهم«شهداء على طريق القدس».

وفي حين أنه قد يظهر في الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة لإلقاء محاضرات ومحاولة تخويف اللبنانيين والإسرائيليين أكثر، إلا أن الأمر المؤكد هو أن الطريق الذي سلكه هو وإيران لن يقرّب أحداً من القدس، بل قد يجعلهما أبعد عنها.

سنرى ما يسمى بـ«محور المقاومة»يستمر في ادعاء أنه بالفعل«رجل»المنزل، بينما في الواقع يختبئ فقط في انتظار تهدئة«الزوجة المسيئة»، وفي هذه الحالة، إسرائيل.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي