تغيّر في العلاقة الأميركية - الإسرائيلية

تصغير
تكبير
تدفع إسرائيل ثمن سياسة توسّعية اتبعتها طوال سنوات، تقوم على الهرب من الحل السياسي. تستهدف السياسة الإسرائيلية، التي يرمز إليها شخص بنيامين نتنياهو، تكريس الاحتلال غير آبهة بوجود ما بين سبعة وثمانية ملايين فلسطيني بين البحر المتوسط ونهر الأردن.
استنادا إلى أرقام موثقة، يوجد أكثر من مليوني فلسطيني داخل الخط الأخضر، أي أراضي 1948، ويوجد نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون فلسطيني في الضفّة الغربيّة المحتلة منذ 1967 وأكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزّة.
أخذ اليمين الإسرائيلي، بقيادة «بيبي» نتنياهو، المبادرة منذ اغتيال إسحق رابين في نوفمبر 1995. بات قاتل رابين، ويدعى ييغال عمير، يحكم إسرائيل من سجنه.

يمثل قتل رابين منعطفا في غاية الأهمّية إسرائيلياً نظراً إلى أنّ التخلص منه كان خطوة حاسمة في طريق التخلّص من أي مشروع ذي طابع سلمي يفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلّة «قابلة للحياة».
عندما لا يعترف مجتمع إسرائيلي بوجود شعب فلسطيني وعندما يقود هذا الشعب شخص مثل «بيبي»، لا يعود يوجد أدنى شكّ في أن هذا المجتمع مريض.
ليس وجود شخص مثل نتنياهو في موقع رئيس الوزراء سوى تعبير عن الحالة المرضيّة الإسرائيليّة.
تكشف حرب غزّة إلى أي حدّ صار المجتمع الإسرائيلي مريضاً.
السؤال الآن، بغض النظر عن كيفية انتهاء الحرب، مرتبط بواقع جديد في المنطقة كلّها.
يقول هذا الواقع إنّ إسرائيل لم تعد إسرائيل التي عرفناها والتي انتصرت في كلّ حروبها منذ العام 1948.
أكثر من أي وقت، لم يعد في إسرائيل من هو قادر على التمرّد على الولايات المتحدة.
لم يعد في استطاعة «بيبي» الذي انهته حرب غزّة سياسيا تحدي واشنطن كما فعل باستمرار.
سقط رهانه على «حماس» وعلى ضعف السلطة الوطنيّة وترهلها في الوقت ذاته.
الأهمّ من ذلك كلّه، سقوط رهانه على عجز «الجمهوريّة الإسلاميّة» عن الردّ عليه في داخل إسرائيل نفسها.
فعلت ذلك بواسطة «حماس» التي تعتبر أداة من أدواتها في المنطقة. أراد «بيبي» التخلّص من التهديد الإيراني لإسرائيل ومن مشروعها النووي، انتهى به الأمر في مواجهة غير مباشرة مع «الجمهوريّة الإسلاميّة» التي باتت تمتلك قرار السلم والحرب في المنطقة.
كشف استثمار اليمين الإسرائيلي في «حماس» فشل سياسة تجاهل الشعب الفلسطيني.
إنّه فشل لا حدود له في ضوء الاضطرار إلى خوض حرب مع غزّة ومع ميليشيا مسلّحة من نوع «حماس».
سيطرت هذه الميليشيا على القطاع منتصف العام 2007 بغض طرف من إسرائيل التي تركت الفلسطينيين يتقاتلون في ما بينهم بعد انسحابها من غزّة صيف العام 2005.
في النهاية، لم يعد أمام إسرائيل سوى الاعتراف بأنّها لا تستطيع التمرّد على الولايات المتحدة التي ستكشف الأيّام هل لديها مشروعها السياسي في الشرق الأوسط.
لن تخسر إسرائيل، المدعومة أميركيا وأوروبيا، الحرب مع «حماس»، لكنها لا تستطيع الخروج منتصرة منها وذلك على الرغم من احتمالات توسع الحرب وفتح إيران، بواسطة أدواتها في المنطقة، لجبهات أخرى.
ليس أمام إسرائيل سوى الاعتراف بأنّها فشلت من جهة وأن لا وجود لعباءة تحميها غير العباءة الأميركية من جهة أخرى.
تبدو عودة الدولة العبريّة إلى تحت العباءة الأميركية إحدى النتائج التي ظهرت باكرا في ضوء حرب غزّة. تمرّدت اسرائيل في الماضي على أميركا وجعلتها في خدمتها من دون مقابل.
ذهب «بيبي» في إحدى المرات وخطب في الكونغرس بغرفتيه متجاهلاً باراك أوباما ساكن البيت الأبيض وقتذاك. الأكيد أن هذا الحدث بقي في ذهن جو بايدن الذي شغل موقع نائب الرئيس في الولايتين الرئاسيتين لأوباما.
سيحاسب بايدن «بيبي» في حال تمكن من ذلك. لكنّ حساب رئيس الوزراء سيكون في إسرائيل نفسها التي نسيت أحداثاً من التاريخ الحديث، خصوصا لدى مشاركتها في حملة السويس في العام 1956 مع بريطانيا وفرنسا، من خلف ظهر الإدارة الأميركية.
أظهرت إسرائيل وقتذاك بداية شهية إلى التوسّع حال دونها الرئيس الأميركي دوايت إيزنهاور. أمر إيزنهاور البريطانيين والفرنسيين بالانسحاب من مدن قناة السويس وأجبر إسرائيل على التراجع في سيناء.
أبلغ الثلاثي الذي شن حرب السويس بسبب تأميم جمال عبدالناصر القناة أن لا حروب، من هذا النوع، من دون إذن أميركي.
ليس ضرورياً أن يعيد التاريخ نفسه وأن تجبر أميركا إسرائيل على قبول خيار الدولتين على أرض ما قبل حرب 1967، لكنّ الأكيد أنّ شيئا ما تغيّر في العمق في العلاقة بين الدولة العبريّة وأميركا وموازين هذه العلاقة.
الدليل على ذلك أن الفضل في عدم توسّع الحرب، بما يجعل إسرائيل مضطرة إلى القتال على جبهات عدّة، يعود إلى التحذيرات الأميركية إلى ايران وإلى عرض العضلات الأميركي عبر إرسال حاملتي طائرات إلى البحر المتوسط.
قد تكون التحذيرات الأميركية كافية لردع إيران، وقد لا تكون كذلك، لكنّ أميركا تبدو حاضرة عسكرياً في المنطقة أكثر من أي وقت... في انتظار ترجمة هذا الحضور إلى حضور سياسي أيضاً.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي