تشغل وسائط «السوشيال ميديا» الحياة اليومية عبر العالم بآلاف القصص والفيديوهات والتغريدات على تطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها، وما بين راغب وساعٍ للشهرة والمال والترند، وما بين آخرين يشحذون الهِمم لتقديم محتوى ثقافي وعلمي رصين يحترم عقل المشاهد.
الملايين من صناع المحتوى الرقمي حول العالم، يلقون بمحتوياتهم على أثير الشبكة الدولية على مدار ساعات اليوم، ولكني أجزم بثقة أن المحتوى الذي يُقدم على الوسائط كغُثاء السيل لا خير في كثيره، ولكل قاعدة استثناء، غير أن الغُثاء الذي يملأ شاشات الهواتف والمنصات الرقمية لا يحتاج لجهد لاكتشاف كم هي تافهة وبلا قيمة معرفية أو علمية ولا تحمل أي قيم جمالية تلك الفيديوهات والمقاطع والتغريدات التي تطلق في فضاء الإنترنت عبر ساعات اليوم.
كما أسلفت آلاف الرسائل مُحملة بالغث والسمين على تلك التطبيقات، ويحتار المرء كيف انحط المحتوى الرقمي إلى حد تقديم إعلانات تجارية في قوالب إعلامية تقدم جسد المرأة كسلعة رقمية لعرض سلع أخرى للبيع عبر الإنترنت، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، فقد تحولت «السوشيال ميديا» في العقود الأخيرة لساحة عرض للسلع كافة.
مع التأكيد أن من يستخدم تقنيات أكثر إثارة بإضافة التوابل والمقبلات على المحتوى المعروض سيكسب أكثر ويصبح بين ليلة وضحاها رقماً على «السوشيال ميديا» تتدفق الأموال في جيبه من كل صوب.
صناعة المحتوى أصبحت من التفاهة بمكان إلى حد أنها لا تتطلب أي مجهود يذكر، فليس بالضرورة أن تكون حائزاً شهادة علمية ومؤهلاً عالياً من إحدى الجامعات العريقة، يكفي فقط أن تتميز بوسامة ظاهرة وبنية رياضية تُسعفك للقيام برقصات متناسقة على أي إيقاع، فبعض المحتوى في الواقع لا يعدو كونه محض رقص وحركات غبية لا يجيد مقدمه ربما حتى أبجديات الرقص كمهنة، المُهم أن يصادف هوى وميول لدى قطاع عريض من الذين يرتادون الشبكة العنكبوتية وينفقون أوقاتهم الثمينة في تصفح محتوياتها بلا طائل، ويغلب الجانب الترفيهي على صناعة المحتوى الرقمي، ولكن أي ترفيه؟
كمثال على ذلك أحد التطبيقات الشهيرة يعرض طوال الوقت فيديوهات رقص وغناء وتعرٍّ وميوعة، فيديوهات من كل مكان كالسيل الجارف يأخذ أمامه كل معنى وقيمة، في المقابل ثمة مضامين علمية وثقافية راقية على الشبكة برغم نخبوية أو قلة المتابعين.
مهما كانت وظائف «السوشيال ميديا» وميلها الغالب لتسويق المحتوى التافه والسطحي المبتذل فإنها تظل ضرورية لحياة المجتمعات المعاصرة، ولست في حاجة للتذكير بفوائدها الجمة التي أقلها إتاحة وسيلة اتصال سهلة ورخيصة كتطبيقات التراسل الفوري، ويقيني أن تفاهة المحتوى وخلوه من أي مضمون يرتقي بالذوق العام يعود إلى سطحية اهتمامات أغلب رواد مواقع التواصل الاجتماعي وميلهم إلى تفضيل المحتوى الترفيهي عن غيره من محتويات الشبكة العنكبوتية.
ولا يمكننا بالطبع لوم الشبكة العنكبوتية على ما يجري في دهاليزها من غُثاء، فالمسؤول الأول عن انتشار المضامين السطحية هم رواد الشبكة أنفسهم، هم من يمنحون مُنتجي التفاهة جواز مرور للشهرة والسباحة على ظهر المجتمع لسنوات وجني الأموال الطائلة بمحتويات زائفة لا تحمل أي قيم أخلاقية.
X: t_almutairi
Instagram: t_almutairii
Email: talmutairi@hotmail.com