لا يمكن عزل زيارة الوفد الحوثي للمملكة العربيّة السعوديّة عن تطوّر في غاية الأهمّية شهده اليمن في 21 سبتمبر 2014، يوم سقطت صنعاء في يد إيران.
تأتي زيارة الوفد الحوثي قبل أيّام قليلة من تلك الذكرى. تعني ذكرى سقوط صنعاء، بين ما تعني، تكريس قيام كيان سياسي تابع لـ«الجمهوريّة الإسلاميّة» الإيرانية على جزء من اليمن، الذي هو جزء لا يتجزّأ من شبه الجزيرة العربيّة.
من الواضح أنّ لدى السعوديّة رغبة في إغلاق الملفّ اليمني في مرحلة، يبدو التركيز فيها لدى الرياض على «رؤية 20 – 30» التي تشمل بناء مدينة «نيوم» المطلة على البحر الأحمر.
ليس ما يدلّ على النيات الحسنة للمملكة وطموحها إلى لعب دور الوسيط بين اليمنيين، أكثر من إعلان وزارة الخارجية السعوديّة على حسابها في منصة «إكس»، مساء الخميس الماضي، قبل وصول الوفد السعودي إلى الرياض أنّه «استمراراً لجهود السعودية و (سلطنة) عُمان للتوصل لوقف إطلاق نار دائم وشامل في اليمن، والتوصل لحل سياسي مستدام ومقبول من كافة الأطراف اليمنية، فقد وجهت المملكة دعوة لوفد من صنعاء لزيارة المملكة لاستكمال هذه اللقاءات والنقاشات».
وضع البيان السعودي – الصيني – الإيراني، الصادر في العاشر من مارس الماضي، حدّا لقطيعة بين الرياض وطهران ومهّد لعودة العلاقات الديبلوماسيّة بينهما.
على الصعيد اليمني، توقف الحوثيون عن الاعتداء على السعودية وجرت عملية تبادل للأسرى بين «الشرعيّة» اليمنيّة والحوثيين الذين يسمون نفسهم «جماعة أنصار الله».
تسعى السعوديّة، استناداً إلى ما أعلنته وزارة الخارجية، إلى تمديد الهدنة التي تم التوصل إليها في الثاني من أبريل 2022 تمهيداً لتسوية سياسيّة على صعيد اليمن كلّه.
بكلام أوضح، مطلوب من الحوثيين الدخول في عمليّة سياسيّة شاملة في اليمن تؤدي إلى استعادة البلد حدّا أدنى من السلم الاجتماعي الذي يخدم الاستقرار على الصعيد الإقليمي.
هذا ما يفسّر سرعة الترحيب الأميركي بتوجه الوفد الحوثي إلى الرياض.
كان لافتاً في البيان الأميركي الصادر عن مستشار الأمن القومي جيك ساليفان تأكيده أن الرئيس جو بايدن اهتمّ منذ دخوله البيت الأبيض بـ«وقف الحرب في اليمن وخفض التصعيد».
معروف ما يريده الحوثيون، بدءاً بالسماح بتشغيل مطار صنعاء والحصول على حصة من النفط والغاز اليمنيين ودفع رواتب الموظفين في الدولة التي أقاموها في شمال اليمن.
لديهم مطالب أخرى تصبّ كلّها في تعزيز وضع الكيان الذي أقاموه في شمال اليمن والذي يشمل صنعاء وميناء الحديدة ومحافظات عدّة في الشمال والوسط اليمنيين.
ما ليس معروفاً ما الذي تريده إيران في نهاية المطاف وما إذا كانت ستدفع في اتجاه تسوية شاملة يكون الحوثيون جزءاً منها... أم أن الهدف الإيراني تأكيد أن الكيان الحوثي وجد ليبقى وأن الحوثيين على استعداد لترسيم الحدود بينهم وبين كيانات أخرى وفق صيغة جديدة تقسّم اليمن إلى دول عدّة بدءاً باستقلال حضرموت...
لا شكّ أن السعوديّة مهتمّة إلى أبعد حدود بتسوية سلميّة في اليمن، لكن لا مفرّ من العودة إلي السؤال المطروح منذ تسع سنوات حين نجح الحوثيون في زحفهم على صنعاء وسيطروا على المدينة بتواطؤ مع الرئيس الانتقالي السابق عبد ربّه منصور هادي.
اعتقد عبد ربّه وقتذاك أن في استطاعته التذاكي على «جماعة انصار الله». وقّع معهم «اتفاق السلم والشراكة» برعاية الأمم المتحدة إذ حضر التوقيع ممثل الأمين العام للمنظمة الدولية جمال بن عمر.
ما لبث الحوثيون أن تخلصوا من «اتفاق السلم والشراكة»... في أواخر 2017 تخلّصوا من الرئيس علي عبدالله صالح الذي قرّر البقاء في العاصمة اليمنية ومواجهتهم، بعد فوات أوان المواجهة من جهة وانفضاض قبائل الطوق عنه بقدرة قادر.
كان رهان علي عبدالله صالح على قبائل الطوق، أي القبائل المنتشرة عند مداخل صنعاء والتي استفاد زعماؤها منه طوال سنوات.
استطاع الحوثيون الاستفادة إلى حدّ كبير من كلّ الأحداث التي وقعت في اليمن ابتداء من الانقلاب الذي قام به الإخوان المسلمون على علي عبدالله صالح في فبراير 2011 مستغلين موجة «الربيع العربي».
تبيّن مع مرور الوقت وكلّ هذه السنوات، خصوصاً منذ استيلائهم على صنعاء أنّهم استثمار إيراني امتلك كلّ مقومات النجاح.
ذهب الحوثيون إلى الرياض... لكن ماذا يريد الحوثيون، باستثناء المطالب المعروفة التي أعلنوا عنها؟ هل يقبلون أن يكونوا جزءاً من تسوية شاملة أم رهانهم الحقيقي على أنّ ليس في استطاعة أي جهة المسّ بالكيان الذي أقاموه والذي يشبه إلى حدّ كبير ذلك الكيان الذي أقامته «حماس» في قطاع غزّة ابتداء من منتصف العام 2007؟
من المستبعد وجود من يمتلك جواباً واضحاً عمّا يريده الحوثيون في المدى الطويل، أي بعد الحصول على ما يكفي من الإيرادات والتسهيلات التي تجعل من كيانهم دولة مستقلة بكلّ ما في كلمة دولة من معنى.
يعزز هذا الانطباع الكلام الصادر عن زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي في أول خطاب له بعد وضع اليد على صنعاء. تحدث وقتذاك، قبل تسع سنوات، عن نظام جديد يستعيد الإمامة ويقضي على النظام الجمهوري الذي قام في 26 سبتمبر 1962.
ثمّة أسئلة ستطرح نفسها تتعلق بما إذا كان النظام الجديد في صنعاء سيحترم الاتفاقات الموقعة من جانب الجمهوريّة اليمنية، بما في ذلك اتفاق ترسيم الحدود مع السعوديّة في عهد علي عبدالله صالح؟
سيعتمد الكثير في نهاية المطاف على ما تريده ايران، خصوصا أنّ كلّ الوقائع تشير إلى أن «جماعة انصار الله» لا يمكن أن يخرجوا عمّا يقرّر لهم في طهران، خصوصاً ما يقرّره «الحرس الثوري»...