القرامطة حركة تنتسب إلى الفرقة الإسماعيلية التي تُشكّل القاسم المشترك بينها وبين الدولة الفاطميّة. لم تدم علاقات الأُلفة بينهما، وتحوّلت إلى خلافات عميقة دفعت القرامطة إلى إقامة دولة لهم عاصمتها «هجر» في إقليم البحرين، الذي يُشكّل ساحل الخليج العربي الممتد من جنوب البصرة مروراً بالكويت والإحساء والقطيف وقطر ومملكة البحرين حالياً. قَوي نفوذ القرامطة حتى أصبحوا شوكة في جنب الدولة العباسية، وتحوّلوا إلى عصابة تعتدي على حرمات المسلمين وتدعو إلى التحلّل من الدين وتشجّع الإباحيّة بعد أن كانوا يتستّرون بالتديّن.
وقد بلغت عداوتهم للمسلمين حدّاً عظيماً عندما أغاروا عام 319 هجري على مكة في موسم الحج وقتلوا خلقاً عظيماً من حجاج بيت الله الحرام وسلبوهم واقتلعوا الحجر الأسود، ثم أعادوه بعد عشرين عاماً، وذلك بعد تهديد الحاكم الفاطمي لهم. وما يدل على تحللّهم من الدين ودعوتهم إلى الإباحيّة أبيات نَظمها أحد زعاماتهم وهو علي بن الفضل، مخاطباً المرأة وحاضّاً إياها إلى التحرّر من الواجبات الدينية.
في منتصف القرن الخامس الهجري تمكّن العوينيون والقبائل العربية الموالية للعباسيين والسلاجقة من القضاء على دولة القرامطة في إقليم البحرين وإراحة المسلمين من شرورهم وفجورهم وعقائدهم الفاسدة، ومع ذلك فقد أثنى عليهم القوميون العرب مثل البعثيين وعدّوهم حركة تقدميّة سبقت عصرها بقرون، وذات فكر اشتراكي بتقرّبها من الفقراء والفلاحين والأعراب الجفاة رغم تحريضهم على كراهيّة الأغنياء وعلى حقهم في انتزاع المال منهم عنوة والسطو على ممتلكاتهم!
وهذا ما زاد من نفوذ القرامطة وكثّر سوادهم وتحوّلوا إلى عصابة نهب وسلب وفجور من ضعاف النفوس لا تتقيّد بتعاليم الإسلام، وحرمة الدم والمال والعرض، وأصبحوا منبوذين في بلاد المسلمين. لا يخفى أن إباحيتهم تُقارب الإباحيّة المتفشيّة في بلاد الغرب بل تزيد عليها في إباحة العلاقة الجنسيّة بين المحارم ما يدل على تأثرهم بالقيم الاجتماعية الزرادشتية.