وكأن فرنسا أصبحتْ خالية من الأزمات لـ «تختبئ»... خلف العباءة

تصغير
تكبير

تنوء فرنسا تحت أزمات داخلية ودولية تهتزّ لها الدولة وأركانها. إلا أن حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، ممثّلة بوزير التربية غابرييل أتال، لم تجد أهمّ من العباءة لتلهي الشعب الفرنسي عن فشل السياسة الخارجية والداخلية.

وقد خرج قضاء مجلس الدولة لإصدار قرار مؤكداً قرار الوزير بحظْر ارتداء العباءة والقميص الطويل في المدارس معتبراً أن القانون يحظّر على التلامذة ارتداء علامات أو ملابس تُظْهِر الانتماء إلى دين ما.

أيام قبل الموسم الدراسي، خرج أتال ليؤكد أنه قرر دعم المدارس جميعها لتطبيق منع ارتداء العباءة فيها بشكل قاطع ورفض أي تلميذ لا يلتزم بهذا القرار.

وتوجد في فرنسا نحو 50000 مدرسة يذهب إليها نحو 12 مليون طالب، فقط خمسمئة من هؤلاء الطلبة يرتدون العباءة. وبعد صدور القرار الفرنسي الذي يؤكد علمانية المدارس، أُرسلت 67 طالبة إلى منازلهنّ لرفضهنّ الالتزام بالقرار مع رسالة للأهل مفادها أن منع ارتداء العباءة يعني أن «فرض العلمانية هو التعبير عن الحرية».

وعلى صعوبة فهْم هذا المنطق، إلا أنه يدل على نسبة لا تُذكر من الفتيات اللواتي يرتدين العباءة في المدارس.

وهذا ما يسخف ما فعلتْه الوزارة ويشكل نقطة تعجُّب لخروجِ الرئيس ماكرون نفسه لدعم هذا القرار والوقوف خلف وزيره المفضّل رغم انتقادات الرئيس سابقاً لمن ينادون بفرض خلْع العباءة لأن ذلك ينبع من الإسلاموفوبية.

إلا أن ماكرون وإصدقاءه يعلمون جيداً المزاج الفرنسي. فوزارة التربية لم تهتمّ بنقص المعلمين الذي بلغ 3150 معلماً للسنة الدراسية المقبلة، بل ذهبت لحرف النظر عن مشاكل التعليم والدولة.

فالشعب يتم إلهاؤه بقضايا مثل سن التقاعد وساعات العمل الأسبوعية والعلمانية في المدارس التي قامت على أساسها الثورة الفرنسية لتطيح بالنبلاء والطبقة البرجوازية وتعطي الحكم للشعب.

ولكن الشعب الفرنسي لا يلتفت إلى واقعه، لأن فرنسا لا يحكمها الشعب وإرادته بل الأغنياء والشركات العالمية وأصحاب النفوذ مثل الرئيس ماكرون وارتباطه المهني السابق بعائلة روشفيلد الغنية.

إذ ان ماكرون بنفسه لم يأبه بصوت الشعب عندما قفز فوق البرلمان الفرنسي ليفرض بصلاحياته الدستورية سن التقاعد لعلمه أنه لن يحصل على موافقة الأكثرية اللازمة في البرلمان.

ولكن دغدغة الشعب بقِيَم العلمانية مازالت ممكنة وخصوصاً أن الفرنسيين لا يهتمون كثيراً بالسياسة الخارجية في شكل عام، بل جلّ ما يشغل بالهم هو الضرائب وسن التقاعد وثمن الدواء والعطلة الصيفية.

ومن أكثر هوايات الفرنسيين الالتزام بالقانون الذي لم يترك صغيرة أو كبيرة إلا وأحصاها. ولذلك، لا يلتفت الشعب الفرنسي إلى رئيسه الذي مني بخسارة فادحة على جبهات عدة.

فقد طُرد الجيش الفرنسي من مالي وبوركينا فاسو وهو على وشك أن يُطرد من النيجر. وقد انتفضت دول عدة في القارة الأفريقية ضد الاستعمار الفرنسي الذي حكم في أفريقيا لمدة 500 سنة.

وفي النيجر، تملك فرنسا ثلاث قواعد عسكرية ستضطر لمغادرتها سريعاً وستدفع الثمن باهظاً لذلك. فالنيجر يزوّد فرنسا بـ 20 في المئة من اليورانيوم الذي تحتاجه لتوليد الطاقة لمفاعلاتها النووية التي تمكّنها من بيع الكهرباء لدول أوروبية عدة.

إلا أن فرنسا تدفع نحو 0.89 دولار للكيلوغرام الواحد من اليورانيوم الذي تبيعه كندا بمبلغ 200 دولار للكيلو.

وتالياً فإن فارق البيع الذي توافره فرنسا يلامس الـ 25 إلى 45 مليار دولار سنوياً.

وهذا الوضع الاستغلالي للنيجر لن يستمرّ بعد خروج فرنسا ورفْض الحكومة العسكرية في نيامي، عاصمة النيجر، أن تسمح للغرب بشراء مواردها الطبيعية الغنية بأسعار تافهة.

وهذا ما يُعد ضربة قاسية للرئيس ماكرون الذي فشلت سياسته الأفريقية في إعادة التوازن للعلاقة مع بلاده قبل فوات الأوان واعتبار فرنسا دولة غير مرغوب فيها.

أما في أوروبا، فإن وضع فرنسا القيادي تزعزع بشدة. فخسارة موطئ القدم في أفريقيا، تجعل من موقع فرنسا ضعيفاً أمام الأميركيّ المهيمن الذي يفرح برؤية أوروبا تتهاوى لوحدها ليقطفها ويفرض عليها سياسته «أميركا أولاً».

بالإضافة إلى ذلك، فإن الثقل الأوروبي – بالنسبة لأميركا – انتقل من فرنسا، ألمانيا، إيطاليا،إسبانيا (أوروبا الغربية الغنية والصناعية) إلى بولندا وأوروبا الشرقية المطيعة.

وقد أضعفت سياسة زعماء أوروبا الاقتصاد والصناعة الأوروبية التي – على الرغم من جعجعة العقوبات ضد روسيا والتباهي بتأثيرها على اقتصاد موسكو - مازالت تشتري النفط والغاز بكميات هائلة من الروس.

إلا أن فقدان القيمة الشرائية لليورو وضعف الاقتصاد الأوروبي وأزماته الداخلية الحادة هزّ قواعد أوروبا التي احتلت قاراتٍ لعقود طويلة.

وفي خضم بحر من الأزمات الداخلية والخارجية، لم يبقَ للرئيس ماكرون ووزيره للتربية إلا إظهار تمسكهم بقِيَم الجمهورية والاختباء تحت... العباءة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي