قمة «بريكس»: خطوة إلى الأمام في مسار مازال طويلاً
اتفق قادة القمة الـ 15 لمجموعة دول «بريكس» (البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا)، أمس، على منح السعودية ومصر والإمارات والأرجنتين وإيران وإثيوبيا، العضوية الكاملة اعتباراً من الأول من يناير 2024.
رفعت دول عدة مستوى توقعاتها حيال قمة جوهانسبورغ، التي جذبت الأنظار على نحو غير مسبوق، ليس لأنها تأتي بجديد، بل لأن عدد الدول، التي تبحث عن بدائل عن الأحادية الأميركية وسيطرتها الاقتصادية على العالم من خلال الدولار، ازداد بسرعة في ضوء تعاظم العقوبات على دول كثيرة كـ «سلاح دمار شامل»، إضافة إلى التحدي الروسي للولايات المتحدة في أوكرانيا والغرب في شكل عام.
إلا أن الآمال المرتفعة يجب أن تكون أكثر واقعية لأن نتائج «بريكس» تُشكل مساراً إلى الأمام ولكنه مازال يحتاج إلى الكثير لبلوغ الهدف المنشود.
واشتمل جدول أعمال القمة على تسهيل التجارة والاستثمار، التنمية المستدامة والابتكار، إصلاح الحوكمة العالمية، تنمية مهارات البلدان والشعوب، مساعدة الاقتصادات المحلية، إنشاء عملة جديدة للتقليل من التعامل بالدولار ولإخراجه من هيمنته وتوسيع «بريكس» ليشمل عشرات الدول الأخرى.
ولم يكن الشرق الأوسط غائباً عن «بريكس» (الذي تشكل عام 2006 بمبادرة روسية وعقد أول قمة في 2009 لتنضم أفريقيا الجنوبية عام 2011 وتطور الإسم من «بريك» إلى «بريكس») خصوصاً ان العديد من الدول تقدمت أخيراً بطلب للإنضمام إلى المجموعة.
هذا التطور يؤشر إلى أن «بريكس» و»بريكس بلاس» بعد التوسيع، لن يهدف إلى إقصاء الولايات المتحدة، أو عزلها. بل إن الإفراط الأميركي في استخدام العقوبات، دفع العالم إلى البحث عن أسواق أخرى وعملات خارج الدولار للحد من تأثير العقوبات ولعدم الخشية منها، في حال الخروج عن دائرة المصلحة الأميركية العليا.
من هُنا تعتقد «بريكس»، أن الانسحاب الهادئ من هيمنة الدولار وإيجاد بديل عنه تدريجياً من خلال التداول بالعملة المحلية، سيدفع واشنطن إلى اتباع سياسات أكثر ليونة لدفع عجلة التطور، وعدم اللجوء إلى العقوبات كسلاح فتّاك يُرهق كاهل الدول.
وتطمح جنوب أفريقيا، أن تتحوّل القارة الأفريقية إلى دول صناعية منتجة بدل إرسال خيراتها من المواد الخام والطاقة إلى الغرب لاستخدامها، بينما تبقى دول القارة السمراء، بعيدة عن النمو والازدهار.
أما روسيا، فهي تبحث عن أسواق جديدة تتخذ من «بريكس» منصة لإستراتيجيتها الجيو - سياسية لتكون جزءاً من «الجنوب العالمي» ولربط نفسها بالأسواق الناشئة وتمويل التنمية والابتعاد عن الغرب وهيمنته وعملته (الدولار واليورو).
وتعتقد أنه ينبغي الإسراع في هذه الخطوة خصوصاً أن العقوبات ستصبح أقل ضرراً إذا ما اتخذ العالم وسائل تحويل مالية أخرى عوضاً عن «سويفت» وابتعد عن الدولار.
وتعبّر موسكو عن رضاها حيال حجم التبادل التجاري مع «بريكس»، الذي من المتوقع أن يبلغ أقل من 300 مليار هذه السنة، بزيادة بنسبة 35.6 في المئة عن العام الماضي.
أما الهند، فهي حليفة لأميركا، وهي الدولة التي يقطنها أكبر عدد من السكان في العالم، (وفق تقديرات تقرير حالة سكان العالم لعام 2023 الصادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان) والتي عبّرت على لسان رئيسها ناريندرا مودي عن ضرورة تطوير التبادل ضمن «بريكس» لـ «إيجاد توازن عالمي».
كذلك تعتقد الصين، التي تأتي في الدرجة الثانية سكانياً، بضرورة إيجاد أسواق متعددة جديدة تحتاج إلى اليد العاملة والتنمية.
وهذا يُمكن تحقيقه إذا ما تلاحمت القارات مع بعضها البعض اقتصادياً وفتحت الأسواق من خلال استخدام العملة المحلية وتبادل السلع وتطوير البنى التحتية، كما تفعل الصين في القارة الأفريقية.
وبالنسبة إلى البرازيل، فأجندتها الأولى تجلت من خلال مجيء رئيسة بنك التنمية في «بريكس»، الرئيسة السابقة ديلما روسيف لحضور القمة. وترغب البرازيل بلعب دور رائد في الأسواق الناشئة في أميركا اللاتينية وإنشاء عملة مشتركة، إضافة إلى التعامل بالعملات المحلية في القارة الجنوبية ومع قارات أخرى.
ويُشجع الرئيس لولا دي سيلفا التعددية كهدف أول والانفتاح على الأسواق الآسيوية والأفريقية التي تمثل خزاناً بشرياً هائلاً وخبرات متراكمة تستطيع أميركا اللاتينية الالتفات إليها. وتهدف برازيليا إلى رفع حجم التبادل التجاري مع أفريقيا إلى أكثر بكثير مما هو عليه اليوم (3.5 في المئة).
إذاً هناك نقاط اختلاف بين أهداف كل دولة داخل «بريكس» ونقاط التقاء ومصالح متداخلة وثمة دول متعثرة ترغب بالانضمام إليه وتحبذ التعامل بعملتها المحلية لوقف التضخم وانهيار عملتها.
من الخطأ اعتبار أن تكتل «بريكس» يحمل «العصا السحرية» ويستطيع إنهاء الأحادية الاقتصادية وهيمنة الدولار الذي تربّع على عرش العالم الاقتصادي عقب الحرب العالمية الثانية خصوصاً عام 1971 عندما سحبت التغطية الذهبية للدولار، وتالياً فإن «بريكس» ودوله الحالية والمستقبلية لن يستطيع إنهاء 50 عاماً من الهيمنة، بل يمكنه الاستمرار في المسار الذي بدأته موسكو وأكملته بكين، من خلال مصرفها الآسيوي للتخلص من البنك الدولي (الغربي) وهي التي أوجدت نظام تحويلها الخاص الذي وفّرته للدول المُعاقبة أميركياً (مثل روسيا وإيران وكوبا وفنزويلا) ومن خلال مشاريعها الإنمائية في أفريقيا وطريق الحرير كرابط بين قارات عدة.
إنها طريق طويلة تحتاج وقتاً، من دون أن يكون هناك أدنى شك بأن حلفاً اقتصادياً آخر غير بعيد عن السياسة قد تَشكّل في مقابل حلف (وليس بمواجهة) مجموعة السبع الغربية. وتالياً، فإن المنافسة قد فتحت، مما سيجبر الدول الصناعية على التودد للدول الناشئة لكسر العزلة التي ستقع فيها، لأن العالم يتغير ويسير بسرعة أكبر من الدائرة الأوروبية - الأميركية المغلقة ليتخطاها مستقبلاً، إذا لم تلتحق بها وتعدل سياسته تجاه الدول التي تبحت عن توازن سياسي - اقتصادي.