كلمة صدق
تكنولوجيا المعلومات ومارد التضليل
المارد المرتبط بتكنولوجيا المعلومات والذي تم إطلاقه من مصباح الحضارة الغربية السحري، يعتبر أخطر سرج يمتطيه التضليل والمضللون.
الناس تسمع بوسائط إعلامية تكنولوجية مثل «إنستغرام» و«فيسبوك» و«الواتس اب» و«تويتر» والاسم الأشمل لها يطلق عليه وسائل التواصل الاجتماعي أو السوشيال ميديا، ولا شك أنها تسمية مضلّلة أو على الأقل تسويقية دعائية للاسم الحقيقي وهو وسائل الإعلام التكنولوجية الحديثة أو الوسائل المعلوماتية التكنولوجية.
مثلاً كلمة تويتر- تغريدة، تطبيق يسمح بتعليق قصير تمت تسميته تغريدة، وقد يكون هذا التغريد التكنولوجي مسيئاً أو ينشر الفتنة أو سفسطة وما شابه، بينما التغريد الحقيقي هو للطير عندما يشدو بالألحان، وكلما طال شدوه وتغريده زاد جماله، ومجازاً يطلق على صاحب الصوت الحسن عندما يغني أو ينشد بأنه يغرّد كالطير، وهذا بعيد عن معظم ممارسات تطبيق تويتر، والناس تمارسه وتظن أنّها تغرّد!
لا يمكن نفي وإنكار فائدة كل ما هو حديث، لكن المشكلة إذا كان هناك تعظيم لفوائد المنتج الجديد وآخر ما توصّلت إليه تكنولوجيا المعلومات بغرض التسويق، إلى أن صار هناك حلف غير معلن بين شركات التكنولوجيا وصناعة المال والأذرع التسويقية العملاقة التي يدخل فيها علماء كبار للنفس والأعصاب يتقاضون أعلى المرتبات، فصار التضليل غولاً ضخماً يخفي تحت وطأته الحقائق، وأصبح الطفل والمرأة والرجال، الكل في ما يشتهيه مملوك النواصي لعمالقة حلف المال والإعلام والتكنولوجيا الحديثة.
لذلك، يرى المتابع كيف استطاعت شركات تكنولوجيا المعلومات وبتسويقها لنفسها أن تكون من أعلى الشركات بالعالم دخلاً للمال. فهل من مشكلة في ذلك؟ نعم، المشكلة أن التسويق غلب على المنفعة الحقيقية، التسويق للمنتج المحاكي للرغبات غلب على التسويق المحاكي لحاجة ومنفعة الزبون أو المستخدم، وفي هذه الحالة غاب ذكر أي من الأضرار التي قد يسبّبها اكتساح هذه الوسائط المعلوماتية التكنولوجية.
في أحد كتبه وقبل أن ينتشر استخدام شبكة الانترنت، تحدث بيل غيتس، عن ضرورة تسويق تكنولوجيا المعلومات وتسويق شبكة الانترنت، وبعد انتشارها سيحتاجها الناس وتخرج وسائط مرتبطة بها.
وضرب غيتس مثالاً على ذلك بتوماس أديسون، بأنه ساهم في تسويق منتجه الكهرباء بإنشاء شركة أديسون الكهربائية.
وذكرَ غيتس أن أديسون سوّق الكهرباء حين لم يكن هناك مكانس كهربائية ولا مكيفات ولا أجهزة طبية، ثم بعد انتشار الكهرباء ظهرت وسائط مرتبطة بها.
والسؤال هنا، إذا كانت الكهرباء فوائدها أكبر من أضرارها وهي جلبت للناس الرفاهية والراحة ووسائل العلاج وغيرها الكثير، فهل انتشار وتسويق وسائل تكنولوجيا المعلومات الحديثة جاء بالرفاهية للبشر؟ مع الأخذ بعين الاعتبار بأن هذا المارد التكنولوجي المعلوماتي المدعوم برؤوس الأموال الكبيرة والمفرخ لها، يسير وينمو ويتحرك بحرية دون أي ضوابط واضحة عدا شهية الربح لملّاكه ولأهداف تدور في أدمغتهم لا يعلمها إلّا أهلها.
في أحد مقاطع الفيديو تشرح إحدى السيدات مشروع إنشاء حرم جامعي كامل بمبانيه وأروقته وفصوله الدراسية وقاعات المحاضرات والمكتبة، الكل يحضر ويتنقل ولكن بشكل افتراضي، والطالب أو المدرس أو الإداري بالجامعة يجلس بمقعده واضعاً شاشة وسماعات على رأسه وميكروفوناً في فمه، وفي يده أدوات التحكم والتنقل في الحرم الجامعي.
لماذا التعامل مع البشر ومع الشباب الجامعي كأنّهم كُسحان، وإجلاسهم بالكراسي وإغلاقهم على أنفسهم بدل أن يتحرّكوا ويتنقلوا بأرجلهم بين أروقة الجامعة ويختلطوا بزملائهم وبأساتذتهم ويخوضوا تجربة الحياة ويستنشقوا جو الحياة الأكاديمية بدل عزلهم في بيوتهم، تحت مسمى خادع وهو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
في مقطع تصويري آخر يقول أحد الشباب الغربيين، إنه كان جالساً في المنزل وقد عاد والده، فسأل والده أين ذهبت؟ فقال الأب إنه جاء من البنك لإنهاء معاملة بنكية. يقول الشاب إنه اقترح على أبيه أن يفتح له تطبيقاً بنكياً ليقوم بكل أعماله المصرفية وهو بالبيت، بذلك لن يخرج من البيت ليذهب للبنك. يقول الشاب إنه قال لأبيه بلغة المنتصر، نعم يا والدي تنهي كل معاملاتك وأنت في البيت لا تحتاج أن تخرج للخارج أبداً.
يقول الشاب إن والده صدمه قائلاً: أجلس في البيت ولا أخرج! ولكن عندما خرجتُ للبنك أجريت محادثات مع العاملين بالبنك الذين أعرفهم من سنين، والتقيت ببعض أصدقائي، ومررت على محل التبضع واشتريت لي بعض الحاجيات.
ويضيف الأب، أنه عندما مرض سأل عنه أصحاب المحلات أسفل المنزل، ثم وجه كلامه للابن بأن تكنولوجيا الاتصال ليست كل شي... على الإنسان أن يخرج ويعيش الحياة الحقيقية.
المقام هنا ليس لرفض تكنولوجيا المعلومات والاتصال بالمطلق، ولكن بضبطها في حياة الناس ومراقبتها وعدم الوقوع في شِباك غول شركات تكنولوجيا المعلومات الحديثة ومَن يقف وراءها.
