ثلاثة أشهر على الاتفاق السعودي - الإيراني

تصغير
تكبير

ليس صحيحاً أنّ سلوك «الجمهوريّة الإسلاميّة» تغيّر في أي منطقة خارج حدود إيران في ضوء توقيع الاتفاق مع المملكة العربيّة السعوديّة برعاية صينيّة.

فبعد ثلاثة أشهر على توقيع اتفاق بكين، يتبيّن أنّ لطهران مفهومها الخاص للفقرة التي تتحدّث في الاتفاق عن عدم التدخّل في شؤون الدول الأخرى... وهي متمسّكة أكثر من أي وقت بهذا المفهوم.

كان السفير الإيراني في لبنان مجتبي أماني صادقاً كلّ الصدق وواضحاً كلّ الوضوح عندما قال في ندوة عقدت في بيروت أواخر الشهر الماضي أنّ الكلام الوارد في البيان الثلاثي السعودي - الصيني - الإيراني في شأن الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخليّة للدول الأخرى لا يخصّ سوى إيران والسعوديّة.

وأكّد السفير الإيراني رداً على سؤال في شأن عبارة «احترام سيادة الدول» أنّ «هذه الجملة تعني حصراً الدولتين اللتين وقّعتا الاتفاق».

ثمّة حرص إيراني على لعب دور القوّة المهيمنة في المنطقة، خصوصا في ظلّ سياسة اميركيّة حائرة جعلت حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة يتخذون موقفاً حذراً من كلّ ما له علاقة بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط والخليج.

هناك في الوقت الحاضر تساؤلات جدّية في شأن الموقف الأميركي من البرنامج النووي الإيراني وما إذا كانت واشنطن في صدد عقد صفقة جديدة مع طهران شبيهة بصفقة العام 2015 التي عقدتها إدارة باراك أوباما.

سمحت تلك الصفقة لإيران بالحصول على الأموال التي تحتاجها من أجل متابعة تمويل ميليشياتها المذهبية المنتشرة في المنطقة، خصوصا في سورية ولبنان واليمن ودول أخرى... وحتّى العراق!

يظلّ العراق حالة خاصة في ضوء تمكن الميليشيات الإيرانيّة، المنضوية تحت عنوان «الحشد الشعبي»، من الحصول على تمويل ذاتي من الموازنة العراقيّة.

بفضل إدارة بوش الابن، حققت إيران انتصاراً كبيراً في العراق في العام 2003. لايزال العراقيون يقاومون الهيمنة الإيرانية على بلدهم، لكنّ «الحشد الشعبي»، الذي يبدو أنّه المستفيد الأوّل من وجود حكومة محمد شيّاع السوداني، لايزال يعزّز وضعه.

يعمل النظام الإيراني على تكريس «الحشد الشعبي» أمراً واقعاً في العراق على غرار ما هو عليه «الحرس الثوري» في ايران.

ما لا بدّ من تذكّره في كلّ وقت أن شعار «تصدير الثورة» في أساس قيام النظام الإيراني الحالي في العام 1979.

لا يمكن الفصل بين استمرار النظام واستمرار «تصدير الثورة». بكلام أوضح، لا مجال لحصول أي تغيير في السياسة الخارجيّة لإيران نظراً إلى أن أي تغيير سيعني، بطريقة أو بأخرى، نهاية النظام.

هل تنجح «الجمهوريّة الإسلاميّة» في الارتقاء إلى مستوى ما ورد في البيان الثلاثي الموقع في بكين في العاشر من مارس الماضي؟

الجواب أنّ ليس ما يشير إلى ذلك، خصوصاً في ظلّ التهاون الأميركي مع نظام لا يهمّه رفاه شعبه بمقدار ما يهمّه بقاء الميليشيات التابعة لـ«الحرس الثوري» المنتشرة في المنطقة. الميليشيات المذهبيّة جزء من النظام الإيراني، ومستقبل النظام الإيراني مرتبط ببقاء هذه الميليشيات.

يؤكّد ذلك أن الانفراج في اليمن لم يحصل. اقتصر الأمر على تبادل للأسرى بين الحوثيين و«الشرعيّة»، لكنّ ليس ما يشير إلى أي تطور في مجال الوصول إلى تسوية سياسية. بات الكيان الحوثي في شمال اليمن أمراً واقعاً، على غرار ما هي عليه «الأمارة الإسلاميّة» التي أقامتها «حماس» في قطاع غزة منذ منتصف العام 2007.

لا حاجة إلى العودة إلى تنامي النفوذ الإيراني في العراق، لكن اللافت أنّ «الجمهوريّة الإسلاميّة» غير مستعدة لأي تراجع لا في سورية ولا في لبنان.

يوجد إصرار إيراني ليس بعده إصرار على تغيير نهائي في طبيعة التركيبة السكّانيّة لسورية على حساب كلّ ما هو مرتبط بالأكثريّة السنّية في هذا البلد.

تمسك إيران بالقرار السوري وليس ما يشير إلى نيتها في الإقدام على أي تراجع، خصوصاً بعدما صار الدور الروسي في هذا البلد في خبر كان. لا يمكن لـ«الجمهوريّة الإسلاميّة» التخلي عمّا حققته في سورية في ضوء سقوط روسيا في حضن إيران.

تعرف طهران، قبل غيرها، حجم الهزيمة الروسيّة في أوكرانيا وتبدو مستعدة للاستفادة منها إلى أبعد حدود بعدما صارت شريكاً في إطالة عمر تلك الحرب التي تستهدف الشعب الأوكراني عبر تزويد فلاديمير بوتين بالمسيّرات التي يحتاج إليها لممارسة وحشيته.

يظلّ لبنان المكان الذي يبدو أنّ إيران مصرّة على ممارسة نفوذها فيه بشكل مطلق وتأكيد أنّه جرم يدور في فلكها. لم تكتف «الجمهوريّة الإسلاميّة» بالسماح بترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل، بل أجرت مناورات عسكرية في عرمتى في قضاء جزين الجنوبيّة لإثبات أنّها تحكم لبنان وتسيطر عليه سيطرة كاملة عبر «حزب الله».

أكثر من أي وقت، تبدو «الجمهوريّة الإسلاميّة» مصرّة على تأكيد أن لا رئيس للجمهوريّة اللبنانيّة إذا لم يكن هذا الرئيس المرشّح الذي يفرضه «حزب الله».

توجد سابقة فرض ميشال عون رئيساً للجمهوريّة، بضمانة من صهره جبران باسيل.

لا مجال للعودة عن هذه السابقة... بل المطلوب تكريسها نهائيا مثلما المطلوب تكريس أنّ «حزب الله» يغلق مجلس النواب ساعة يشاء ويفتحه عندما يشاء!

يبقى أخيراً أنّ اتفاق بكين يضع صدقيّة الصين ودورها كقوّة كبرى على المحكّ. إنّه امتحان للصين وقدرتها على ان تكون دولة مسؤولة بالفعل وليست شريكا غير مباشر في الحرب على الشعبين السوري السوري.

ما موقف الصين من السياسة الإيرانيّة في المنطقة؟ هل تستطيع الصين إفهام «الجمهوريّة الإسلاميّة» أنّها ليست دولة عظمى وأن لا مجال لتمكينها من السيطرة عليها؟

ذلك هو السؤال الكبير الذي سيفرض نفسه عاجلاً أم آجلاً في وقت تحتاج فيه ايران إلى الصين اكثر من أي وقت... كما تحتاج الصين إلى علاقة من نوع مختلف مع المملكة العربيّة السعودية، اللاعب الأساسي في مجال تصدير النفط في العالم!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي