هل تأخذ إيران و«حزب الله» تهديدات إسرائيل على محمل الجد؟
اتخذت إيران قراراً بتخفيف التوتر مع الدول العربية ومع دول مجاورة لها مثل تركمانستان وكازاخستان وأرمينيا، لتلتفت إلى ربْط الساحات وتقوية «المحور المعادي» لأميركا وإسرائيل في المنطقة.
وهذا ما يثير قلق إسرائيل خصوصاً في ظل انشغال أميركا في حربها بالوكالة ضد روسيا في أوكرانيا وتحضيرها لمحاصرة الصين وحشد القوات ضدها.
ولهذه الأسباب ارتفع الصوت الإسرائيلي أخيراً بتهديد إيران بضربها وكذلك بالتوعّد بضرب لبنان و«حزب الله» الذي من الممكن أن «يدفع إلى حرب شاملة في المنطقة (الشرق الأوسط)»، كما قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (امان) اللواء أهارون حوليا، الذي اتّهم الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بأنه «يقترب من ارتكاب خطأ».
ليس بجديد سماع صراخ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو يهدد إيران ويتّهمها بأنها تقترب من وضع القنبلة النووية.
وقد دأب على هذه السياسة منذ أعوام طويلة من دون ملل رغم تأكيد المنظمة الدولية للطاقة الدولية، خطأَ هذا الافتراض.
ومن الواضح ان نتنياهو يستعطف الداخل الغاضب منه ومن حكومته ويطالب بتنحيه أو تغيير الوزراء المتطرفين، وهي خطوة لن يُقْدِم عليها رئيس الوزراء لأنها تسقط حكومته.
وهذا ما يدفعه تكراراً لافتعال الأزمات مع المنظمات الفلسطينية وارتكاب الاغتيالات والمجازر بحق القادة الفلسطينيين والمدنيين لتصدير أزمته الداخلية وإلهاء الشارع الغاضب بقضايا تتعلق بأمنهم.
ومن المقرّر أن تجتمع المنظمة الدولية للطاقة، في الأيام القليلة المقبلة لتقديم تقريرها عما وصلت إليه مراقبتها للنشاط النووي الإيراني. وهذا من شأنه وأد اتهامات إسرائيل في مهْدها دون تخفيف حالة العداء بينها وبين طهران لأنها قضية ايديولوجية لا مساومة فيها.
ولكن ما يقلق إسرائيل هي القذائف - ولو قليلة - التي تُطلق من لبنان والتي لا تغيب عن نظر «حزب الله» الذي يوجّه الرسائل بأنه مستعدّ لوحدة الجبهات مع فلسطين، من دون أن يأخذ في الاعتبار أي حسابات أخرى، مثل الوضع الاقتصادي اللبناني المتدهور عندما تدقّ ساعة توجيه الضربات لإسرائيل من جبهات ودول متعددة بسطتْ فيها إيران نفوذَها.
وما يقلق إسرائيل أكثر هو التقارب الإيراني مع دول المنطقة الشرق أوسطية.
أما وجود إيران على المَنافذ البحرية، بما فيها طبعاً مضيق هرمز، فهو يؤكد تفوُّق «الجمهورية الإسلامية» في الإستراتيجية الهجومية لأنها تستطيع أن تهاجم إسرائيل في مسارح متنوعة ومتعددة.
وهذا ما أثبتتْه في الماضي عندما ضربت سفناً يملكها إسرائيليون وأرسلت طائرات مسيَّرة من سورية.
وسورية هي بيت القصيد هنا: فقد أطلقت المقاومة طلقاتها ضد مسيَّرة إسرائيلية في حادث يحمل معاني كثيرة رداً على تهديدات نتنياهو وحوليا بأن إنذاراتهما لا صدى لها.
بالإضافة إلى ذلك، استطاعت إيران إنشاء قوة رديفة ايديولوجية سوريّة مجهّزة بكامل معداتها، وتَدرّبت على طريقة «قوة الرضوان» الخاصة التابعة لـ «حزب الله» والتي تنتشر على طول الحدود اللبنانية والتي قامت أخيراً بمناورة عسكرية تحاكي قفزة قواتها لاحتلال مستعمرة إسرائيلية حدودية، لتبرهن أن المعركة المقبلة لن يكون مسرحها لبنان وتَراشُق مدفعي وصاروخي بل ان نقْلَها إلى أرض فلسطين المحتلة ومهاجمة المستوطنات من «فرقة الرضوان» هي ضمن الاحتمالات الواردة.
وهذا ما يثير غضب نتنياهو وحكومته وجيشه الذي يجد نفسه مرتدعاً منذ سنوات طويلة، يتحاشى قتْل أي عنصر من «حزب الله» في سورية ويبتعد عن الصِدام معه على الحدود اللبنانية.
وأكد رئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هاليفي، أن «حزب الله مرتدع ويعتقد أنه يفهم كيف نفكر وهذا ما يدفعه الى الجرأة لأن يتحدّانا... وإن تعاظمه في لبنان هو تحد مركزي لإسرائيل».
لكن إسرائيل قد ارتدعت عن لبنان منذ سنوات لدرجة انها لا تريد اتهام الحزب بالوقوف خلف الهجمات الصاروخية، وهي الرسالة حول جهوزية المقاومة لدخول المعركة إلى جانب المقاومة في فلسطين التي ردّت عليها إسرائيل قبل أسابيع بقصف مزرعة موز مهجورة لتفادي التصعيد.
ومن المعلوم أيضاً ان تهويل رئيس الوزراء الإسرائيلي ضد لبنان وإيران، أتى في لحظة اجتماع دول الـG7 الصناعية وقمة جدة العربية التي ضمت الرئيس السوري بشار الأسد، ليجذب النظر إليه، خصوصاً انه لن يستطيع يوماً ضرْب إيران من دون المساعدة الأميركية.
وتالياً تقول تل أبيب إنها تستطيع ضرب إيران، وهذا لا يعني أن الأخيرة لا تستطيع توجيه ضربة لإسرائيل أيضاً، ولا سيما بعدما أظهرت طهران عدم ترددها في ضرب أميركا في قاعدتها العسكرية الأكبر في العراق، بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني ورفاقه.
لكن، هل تستطيع إسرائيل شلّ القدرات العسكرية الإيرانية إذا هاجمتها؟ هل تستطيع منْع الخبرة والمستوى العلمي النووي الذي وصلت إليه إيران بعد تخصيبها يورانيوم مخضب بنسبة 60 في المئة نقاوة؟
وها هي إيران تعلن عن صناعة صاروخ استراتيجي يصل مداه الى ألفي كلم بقوة تدميرية تبلغ 1500 كلغ من المتفجرات لتقول انها تستطيع، مع حلفائها، إغراق «القبة الحديد» الإسرائيلية وضرْب أي نقطة في إسرائيل في حالة الحرب.
لقد قتلت إسرائيل علماء نوويين إيرانيين من دون ان تبطئ التطور الصاروخي ولا حتى العجلة النووية، وحاولت تخريب مواقع نووية متعددة وذهبت عملياتها أدراج الرياح.
وبلغت إيران مستوى إنتاج صواريخ متقدمة ومسيَّرات ذات مهام متعددة لتبيعها لروسيا، الدولة العظمى، ولم تستطِع إسرائيل ولا أميركا وقف إيران من بلوغ مستوى الردع العسكري الذي وصلتْ إليه.
بالإضافة إلى ذلك، فإن طهران تعمل على تطوير صواريخ فرط صوتية مع حلفائها لتؤكد قدرة الردع على أعدائها وضرب أي هدف مهما بلغ تفوق سلاحهم الجوي.
وها هي إيران تستضيف مؤتمراً إقليمياً آسيوياً أفريقياً يدعو إلى استبدال الدولار واليورو بالعملة المحلية وعملات بديلة بسبب ارتفاع التضخم في دول الغرب بما فيها أميركا، وتوقّع عقوداً إستراتيجية لتطوير سلاحها مع روسيا واقتصادها مع موسكو وبكين.
وتالياً فإن الطريق الذي تسلكه «الجمهورية الإسلامية» أصبح بعيداً عن توترات نتنياهو التي تَعتبر طهران انه يفتعل من خلالها زوبعة داخل فنجان من الشاي.