«لا» حاسمة لفرنجية و«نعم» ضائعة للبديل
لبنان: حوار فوق «المتاريس» بين «المعارضة» وباسيل.. هل انهار؟
انهارتْ المفاوضاتُ الشاقة بين ائتلافٍ من المعارضة الحزبية وبين «التيار الوطني الحر» برئاسة جبران باسيل من أجل الانتقال من الـ «لا» الكبيرة للمرشح الرئاسي سليمان فرنجية، المدعوم مما يُعرف بـ «الثنائية الشيعية» أي «حزب الله» وحركة «أمل»، إلى «نعم» بصوتٍ واحد لمرشحٍ مُنافِس من شأنه كسْر التوازن السلبي في البرلمان العاجز بعد أكثر من سبعة أشهر عن إخراج لبنان من دوامة الفراغ الرئاسي وما ينطوي عليه من شللٍ مُتَدَحْرجٍ لمؤسسات الحُكْم.
ولم تكن نتيجة حوار الكواليس ولا سيما بين «القوات اللبنانية»، التي تتمتع بثقلٍ مسيحي في المعارضة، و«التيار الوطني الحر» مفاجئةً في وصولها إلى طريق مسدود نتيجة الحسابات المتباعدة في الخيارات والتحالفات والأهداف، في ظل انعدام الثقة بين القوتين المسيحيتين الأبرز في البرلمان وما شاب علاقتهما التاريخية أو الحديثة من دم وطعنات وخيبات.
كيف تسلّل الحوار من بين الأبواب الموصدة بين المعارضة وباسيل؟ وأي صعود وهبوط دار خلْف الستائر المقفلة؟ ولماذا إنتهى من حيث بدأ؟
منذ أن دبّ الخلافُ بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» حول الانتخابات الرئاسية، أصبح «التيار» في خطِ المواجهة بين ناريْن، نار المعارضة ونار «الثنائي الشيعي» الذي بدأ الخلاف معه قبل إنتهاء عهد الرئيس ميشال عون، حول تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة ومن ثم حق حكومة تصريف الأعمال في ممارسة مهمات الحكومة العادية في كنف الشغور الرئاسي.
قبل تبنّي «حزب الله» إعلانَ الرئيس نبيه بري ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، كان النائب جبران باسيل يترك هامشَ المناورة واسعاً مع «حزب الله» رغم كل الخلافات بينهما والتي وصلتْ إلى حد التلويح بإلغاء تفاهم «مار مخايل».
عبّر باسيل عن هذا القلق من الخيار الرئاسي لحليفه في المناقشات داخل اجتماع تكتله النيابي كما في التصويت بأوراق مختلفة عن الأوراق البيض التي انتهجها «حزب الله» وحركة «أمل» في جلسات البرلمان الـ11 التي لم تُفْضِ إلى إنتخاب رئيسٍ للجمهورية.
ومع ذلك ظلّ «التيار» يترك الإتصالات مفتوحةً، إلى أن أعلن باسيل من دون أي إلتباسٍ أنه يرفض المرشّحيْن فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون.
وقد ترك موقف باسيل استياءً لدى حليفه الذي لم يبادر إلى ترطيب الأجواء معه تاركاً له مجالَ النقاش مع المعارضة.
لكن إرباكَ باسيل في المرحلة الأولى من المفاوضات مع المعارضة، بدأ يتبدّد تدريجاً.
لم ترحّب المعارضة بالحوار مع باسيل وفق شروطه، وهي تتوزّع بين الكتل الحزبية كـ «القوات اللبنانية» و«الكتائب» و«تجدُّد»، إضافة إلى النواب التغييريين، وهؤلاء مقسمون أيضاً اتجاهات مختلفة. إذ ان قسماً منهم يرفض قطعاً أي حوارٍ مع باسيل، لكن القسم الآخر بدأ يمهّد الطريق عبر لقاءات مع حزب «الكتائب» وتوسيع حلقات التواصل عبر الأخير الى «القوات» و«الحزب التقدمي الإشتراكي» من أجل الاتفاق على مرشح للمعارضة بعدما وصل تبنّي النائب ميشال معوض إلى طريق مسدود.
منذ اللحظة الأولى للحوار بين «القوات» و«التيار»، لم تَفتح القوات البابَ واسعاً أمام «احتضان» باسيل.
وتجربةُ «اتفاق معراب» وما وصل إليه من فشلٍ أدى إلى إنهيار الإتفاق والمصالحة المسيحية، حيةٌ في ذهن القواتيين.
ولذا خاضت «القوات» الحوارَ مع باسيل بحذر شديد ومستمرّ عبّرت عنه علانية بإعراب الخشية من أن يستخدم باسيل الحوار معها من أجل تحسين شروط تَفاوُضه مع «حزب الله».
إلا أن الطرفين لم يقطعا خطوطَ التواصل، رغم أن «القوات» أجهضت فعلياً اللقاء الموسع الذي كان يريد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عقده في بكركي، خشية استغلال باسيل وفرنجية له وعدم الإلتزام بما يصدر عن أكثرية النواب المسيحيين المُعارِضين لترشيح فرنجية.
اذاً كانت نقطةُ الالتقاء الوحيدة بين «القوات» و«الكتائب» و«التيار» هي معارضة فرنجية، إلا أن «التيار» يتفرّد عنهما برفْضه أيضاً ترشيح قائد الجيش.
ولذا بدأت مروحةُ الخيارات تتقلّص. تارةً يؤيد باسيل الوزير السابق جهاد أزعور فترفضه «القوات»، وتارة تقبل به «القوات» فيتحفظ التيار عنه لأنه لا يريد مرشحاً يستفزّ «حزب الله»، لكن الاسمَ يلاقي شبه إجماع من المعارضة.
ويقدّم «التيار» بدلاء عنه، كزياد بارود الذي ترفضه «القوات»، وتكرّ سبحة الأسماء والمفاوضات التي لم تصل بعد إلى خاتمة إيجابية.
على الضفة الأخرى، خيْط التواصل بين «التيار» و«حزب الله»، ما زال معلَّقاً في انتظار حسْم باسيل موقفه. فالحزب قال كلمته ومشى، لكن موقف باسيل تَدَرَّجَ من تعويله على تَراجُع «حزب الله» تحت ضغط الموقف المسيحي الموحّد مع بكركي وخصوصاً تجاه باريس ومبادرتها بتسويق فرنجية، إلى السعي للحصول على ضماناتٍ من المعارضة التي لم تعطه أجوبةً شافيةً.
لكن باسيل تَصَرَّفَ وكأنه «بيضة القبان»، في تكرارٍ للدور الذي كان يؤديه رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط. وهو يحاول أن لا يخطو خطواتٍ ناقصة، كما فعل سابقاً في التخفيف من وقْع تمسك «حزب الله» بفرنجية.
في المقابل، بالنسبة إلى المعارضة من المبكر إعطاء باسيل أي أجوبة لأنه يريد أجندة كاملة من الضمانات التي يطلبها من أي مرشح حتى من «حزب الله».
و«الحزب» بدوره ليس مستعجلاً إعطاءه ما يريده، لأن رئيس «التيار» الذي تَمَرَّسَ في لعبةِ السلطة منذ 2005، وفي الأعوام الستة من عهد عون، لن يقبل بسهولةٍ التغاضي عن المحاصصات وعن الوجود عنصراً أساسياً وفاعلاً في السلطة المقبلة، التي تحتاجه حُكْماً كي تصل عبر أصوات كتلته.
يرتاح باسيل إلى ان أصوات الكتلة مضمونة وأي صوت متفلت، معروف سلفاً هوية صاحبه.
لكن كمّ الأصوات التي يحتاجها «حزب الله» لإيصال مرشّحه تستحق من باسيل ان يذهب بعيداً في رفْع سقف شروطه.
أما «الحزب» الذي يرى في موقف باسيل إحراجاً له بعد وفائه بالوعد الذي قطعه قبل ستة أعوام لعون، فليس مستعداً لأن يقدم تعهدات قبل أن يحين موعد التسوية الكاملة.
فتلبية شروط باسيل في الوقت الراهن لن تقدّم أو تؤخّر، لا بل ثمة قلقٌ من أن يُضاعِفَ رئيس «التيار» شروطه بحيث لا يتبقى للرئيس العتيد الأدوات اللازمة التي يَحكم بها.
يُراهِنُ «حزب الله» على أن باسيل سيُضطر عاجِلاً أم آجِلاً إلى التعقّل واستعادة التوازن في علاقته بالحزب وتغيير شروطه، ولو أنه يعترف بأن باسيل مُحْرَجٌ بكيفية تبديل موقفه لِما سيتركه ذلك من ارتداداتٍ عليه الشارع المسيحي وقاعدة «التيار» بعدما رفع السقف عالياً ضدّ تسوية فرنجية.
لكن المَخرج بالنسبة إلى باسيل قد يكون في التغطية العربية والتسوية الإقليمية التي تجعل من إنتخابِ رئيس للجمهورية أحد مندرجاتها المُلِحّة.
في المقابل، يرى اللصيقون بباسيل أن «الحزب» الذي يتصرّف وكأنه تحرر من عبء رئيس «التيار»، لا يدرك أن الأخير لن يتراجع عن عدم تأييد فرنجية، وأن حواره مع المعارضة كان يتقدّم يومياً.
وكلام باسيل حول التسوية في حديث صحافي نُشر أخيراً ليس رسالة إلى الحزب بقدر ما هو تعبير واقعي عن مجريات الحدَث الرئاسي.
وما زال باسيل يتصرّف من وحي تغطية العماد ميشال عون له، وهذه نقطةُ قوةٍ في المقايضة التي يريدها مع «حزب الله». لأن عون أكثر تَمَسُّكاً من رئيس «التيار» برفض فرنجية، وعاتِبٌ بشدّة على أداء «حزب الله» تجاه «التيار».