قمة جدّة... وجرأة دعوة الرئيس الأوكراني

تصغير
تكبير

يعطي حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، القمّة العربيّة في جدّة ثقلاً للحدث. إنّها من دون شكّ ضربة معلّم للسعوديّة ولوليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان تؤكد ارتباط المملكة بأحداث كبيرة يشهدها العالم، خصوصاً وقوف المجتمع الغربي خلف أوكرانيا في مواجهة الحرب التي يشنّها فلاديمير بوتين عليها وعلى شعبها... وعلى كلّ دولة أوروبيّة.

الأهمّ من ذلك كلّه، أن مجيء الرئيس الأوكراني إلى جدّة كشف كم أن إعادة النظام السوري إلى احتلال مقعد «الجمهوريّة العربيّة السورية» في جامعة الدول العربيّة لا تقدّم ولا تؤخّر.

كذلك لا تقدّم ولا تؤخّر مشاركة بشّار الأسد في قمّة جدّة. صار وجود الأسد الابن في القمّة حدثاً هامشياً لا أكثر، خصوصاً أنّ مثل هذه المشاركة لا يمكن أن تؤدي إلى أي نتيجة على أرض الواقع.

لا معنى لوجود بشّار في غياب أي قدرة لدى النظام السوري على تنفيذ أي التزام يقطعه للعرب الآخرين الحريصين فعلاً على خروج سورية من أزمتها العميقة التي كلّفت شعبها الكثير.

أخذ العرب الواعون لما يدور في العالم علما بموقف الدول الصناعيّة الغربيّة التي يجتمع زعماؤها في مدينة هيروشيما اليابانية مسقط رأس رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا.

توقف زيلينسكي في جدّة في طريقه إلى هيروشيما. قبيل افتتاح قمّة جدّة، اتفق زعماء مجموعة G7 التي تضمّ الولايات المتحدة وكندا واليابان وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، على دعم أوكرانيا.

ليس حلول زيلينسكي ضيفاً على المجتمعين في هيروشيما سوى تأكيد لتصميم غربي، بقيادة الولايات المتحدة، على إلحاق هزيمة بفلاديمير بوتين.

واضح أن العرب الذين يمتلكون وعياً سياسياً أخذوا علماً في وقت باكر بالحاجة إلى إنهاء الحرب الأوكرانيّة بأسرع ما يمكن.

هذا ما يفسّر الدور الذي لعبه رئيس دولة الإمارات الشيخ محمّد بن زايد الذي حرص منذ البداية على إبقاء قناة الاتصال مفتوحة مع بوتين. زاره في موسكو من أجل تفادي مزيد من سفك الدماء والخروج من وضع شاذ ناجم عن حسابات خاطئة للرئيس الروسي.

هؤلاء العرب الواعون يدركون ما هو على المحكّ في الحرب الأوكرانيّة وأين مصلحة أميركا وأوروبا في تفادي سقوط أوكرانيا تحت الهيمنة الروسية ومعنى ذلك.

في كلّ الأحوال، كشفت كلمة الأسد في قمة جدّة أن لا علاقة له بما يدور في المنطقة والعالم. حسناً فعل الملك عبدالله الثاني عندما تجاهل ذكر اسمه مكتفياً بذكر سورية كبلد من واجب كلّ عربي المحافظة عليه والسعي إلى حماية شعبه.

ألقى رئيس النظام السوري كلمة تكشف أنّه لم يتعلّم شيئاً من دروس السنوات الـ12 الماضية. نسي بكلّ بساطة أن الطفل يعرف أنّ من عاد إلى جامعة الدول العربيّة هي «الجمهوريّة الإسلاميّة» في ايران وليس «الجمهوريّة العربيّة السوريّة».

الطفل يعرف أنّ ايران تمسك بمقدرات النظام السوري وأن لا وجود لهامش للمناورة لديه.

في النهاية، ليس في استطاعة الأسد الإجابة عن أي سؤال يطرح عليه، لا بالنسبة إلى القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمتعلّق بالحلّ السياسي في سورية ولا بعودة اللاجئين السوريين.

هناك عشرة ملايين لاجئ سوري بين الداخل والخارج موزّعون على مناطق سورية وعلى دول مثل لبنان وتركيا والأردن.

هل وجد النظام السوري حلاً لهذه المشكلة - المأساة بمجرد ربط بعض المسؤولين السوريين بين عودة اللاجئين من جهة وحصول النظام على مساعدات ماليّة من جهة أخرى؟

يظلّ أسوأ ما في كلمة الأسد تجاهله تهريب المخدرات، عبر الأردن ودول أخرى، إلى دول الخليج وأوروبا، كذلك تجاهل تهريب السلاح إلى الأردن.

وهذه مشكلة كبيرة تحتاج إلى حلّ وليس إلى شعارات طنانة ودروس في المبادئ والوطنيّة.

نعم، «إن العالم العربي في حاجة إلى رؤى واستراتيجيات وأهداف مشتركة تحولها لاحقاً إلى خطط تنفيذيّة»، على حد تعبير رئيس النظام السوري.

من هذا المنطلق، تبدو الحاجة قبل أي شيء إلى مزيد من الوضوح بدءا بالاعتراف بأن الانتصار الذي يدّعي النظام تحقيقه على الشعب السوري لا يعني شيئاً بمقدار ما يعني أن الأزمة السورية مستمرّة إلى ما لا نهاية... إلى اليوم الذي يتكرّس فيه تفتيت البلد الواقع تحت خمسة احتلالات.

أكّدت المملكة العربيّة السعوديّة من خلال قمّة جدّة دورها الإقليمي والدولي. تحتاج دعوة الرئيس الأوكراني إلى جرأة، كذلك الإفساح في المجال له كي يلقي كلمة في جلسة افتتاح القمة العربيّة.

كان لدى الرئيس الأوكراني ما يقوله. جاء في كلمته، أن بلاده «لن تخضع أبداً للمطامع الروسية»، طالباً من الوفود في القمّة دعم الخطة الأوكرانية للسلام.

اتّهم زيلينسكي زعماء عرباً بـ«غض الطرف» عن تصرفات روسيا في بلده، مطالباً بموقف موحّد «لإنقاذ الناس» من السجون الروسية.

وقال «للأسف، هناك البعض في العالم، وبينكم هنا، يغضون الطرف عن (...) السجون والضم غير القانوني» للأراضي الاوكرانية، مضيفاً «أنا متأكد من أننا يمكن أن نتّحد جميعاً لإنقاذ الناس من أقفاص السجون الروسية» موضحاً «لم يكن خيارنا الحرب ولم ننخرط في أي أعمال عدائية في أراضي دول أخرى، وما يحدث في بلادنا حرب وليس مجرد نزاع».

الأكيد أن ممثلي النظام السوري يرفضون سماع مثل هذا الكلام. ما هو أكيد أكثر أنّ عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربيّة ليس سوى خطوة أولى في طريق طويل لن تتحدد معالمه إلّا بعد ظهور النيات الحقيقية لإيران.

من يقرّر في سورية هو «الجمهوريّة الإسلاميّة» التي ليس معروفا بعد ما إذا كانت قادرة على تنفيذ ما ورد في البيان الثلاثي السعودي - الروسي - الإيراني الموقع في بكين في العاشر من مارس الماضي.

الكرة في الملعب الإيراني. هل ستفرج «الجمهوريّة الإسلاميّة» التي تعهّدت عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى عن سورية، بل ستظل رهينة لديها كما حال لبنان؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي