جنبلاط: الجامعة العربية شبيهة بالـ Titanic... وهل سألوا الشعب السوري إذا كان يرغب بالعودة إلى الحضن العربي؟ طبعاً لا
العودة العربية لـ «الأسد الجريح» معطى إشكاليّ جديد في «رئاسية لبنان»
- السفير السعودي سلّم ميقاتي دعوة للمشاركة في قمة جدة العربية
اقتحمت العودةُ غير المفاجئة لسورية إلى الجامعة العربية، وإن وفق مسار متدرّج يخضع لمراقبةٍ عربية، الأجندة اللبنانية التي لم تكن حتى الأمس القريب تتّسع إلا للأزمة الرئاسية وسُبل الخروج منها والانهيار المالي وكيفية وقف عصْفه المتعدد الاتجاه.
وبعدما باتت المناخاتُ الاقليميةُ مؤاتيةً لإنهاء الشغور الرئاسي الذي يبقى عالقاً عند عدم قدرة الداخل حتى الساعة على تعبيد الطريق أمام إنضاج حلٍّ من «حواضر البيت اللبناني» وتوازناته «الميكرو والماكرو»، جاء ترميمُ وضعية نظام الرئيس بشار الأسد الذي تحوّل أمراً واقعاً على سورية والعرب بقوةِ «الدرع الواقي» الذي وفّره له طوال أعوام الحرب الضارية كل من «حزب الله» وإيران وروسيا، ليضيف عنصراً يُخشى أن يكون إشكالياً إلى المأزق الرئاسي الذي يدور منذ 1 نوفمبر في حلقة مفرغة محكوماً بالتوازن السلبي في البرلمان بالدرجة الأولى وتقاطعاتٍ «على القطعة» عابرة للاصطفافات السياسية حاصرت ترشيح الثنائي الشيعي «حزب الله» والرئيس نبيه بري لسليمان فرنجية بفيتو مسيحي وازن.
ومع تأكيد المؤكد لجهة «نفاذ» النظام السوري من شِباك الأزمة في بلاده، وإن مع اقتناعٍ بأن «الأسد الجريح» لن يعود إلى «الوزن» السياسي نفسه على الخريطة العربية والدولية في ضوء الطبيعة الجوهرية لشروط الانخراط الكامل والتطبيع الشامل معه كما واقع أنه سيبقى أسير القوى الاقليمية التي يدين لها «ببقاء نظامه حياً»، فإنّ هذا المعطى سيفرض نفسه تلقائياً على الوضع اللبناني عموماً كما الاستحقاق الرئاسي خصوصاً.
وثمة مَن بدأ يتعاطى مع فتْح العرب الباب أمام عودة الأسد الى الجامعة العربية على أنه عامل جديد في حساباتِ الاشتباك الرئاسي الذي لم يتلقَّ تأثيرات تفاهم بكين بين الرياض وطهران وبدء مرحلة إزالة المتاريس الديبلوماسية بينهما على قاعدة مصالح اقتصادية تتطلّب «حماية أمنية» باتفاقاتٍ سياسية عابرة لساحات التنافُس.
وفي هذا الإطار، اعتبر بعض الأوساط أن عودة النظام السوري إلى الحضن العربي ستدعّم حظوظ فرنجية، صديق الأسد، ويوسّع حلقة الملتحقين بخيار زعيم «المردة» الذي يُراكِم النقاطَ في مسار وصوله غير السهل إلى قصر بعبدا، بعدما اعتبر مؤيّدوه في الداخل أن إعلان السعودية عدم وجود «فيتو» على أي مرشّح بمثابة إزالة أي ضوء أحمر كان خصوم فرنجية اللبنانيون يراهنون عليه أو يتفيئونه لمعارضة انتخابه.
في المقابل، رأت أوساط أخرى أن احتضانَ الأسد عربياً، سيجعل معارضي النظام السوري وهم في غالبيتهم الساحقة نفسهم معارضو فرنجية (ما عدا التيار الوطني الحر حليف الأسد ورافض وصول زعيم المردة) يتشدّدون في ممانعة انتخاب زعيم «المردة» الذي سيعني دخوله قصر بعبدا انتصاراً مزدوجاً: أولاً لـ «حزب الله» وامتداده الاقليمي.
وثانياً، للرئيس السوري الذي للمفارقة سيُلاقي (في حال انتخاب فرنجية) مرحلة ما بعد «إنقاذه» بوجودِ نظيرٍ له في الساحة اللبنانية لصيق الصلة به ولم يُنتخب رئيساً حتى في عزّ الوصاية السورية، بعدما حالُ تحفُّظ «حزب الله» في 2004 دون أن يخلف الرئيس إميل لحود الذي فضّل الحزب التمديد له مواكبةً للقرار 1559 على قاعدة أنه «مجرّب» و«لا نعرف سليمان فرنجية (حينها)»،
قبل أن تمنع التوازنات التي أعقبت 2005 لبنانياً وصول رئيس من 8 مارس، ما خلا انتخاب الرئيس ميشال عون في 2016 على متن تفاهُم أريد أن يشكل «بوليصة تأمين» سياسية «تعويضية» وهو ما لم يحصل.
من هنا ترى هذه الأوساط، أن رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي كان متمسكاً بعدم السير بفرنجية، سيجد نفسه في موقعٍ أكثر تشدداً في هذا السياق، في ظل صعوبة تَصَوُّر أن يكون الزعيم الدرزي في وارد التعاطي مع انتخاب زعيم «المردة» كمدخل لصفقةٍ يكون فيها الأخير «ضمانةً» له بمواجهة أي تمدُّد جديد للنفوذ السوري لبنانياً وتحديداً في منطقة الجبل.
ولم يكن عابراً أمس ما كتبه جنبلاط في تغريدة على «تويتر» قال فيها «هل سألوا الشعب السوري إذا كان يرغب في العودة الى الحضن العربي؟ طبعاً لا. الجامعة العربية شبيهة بسفينة الـ Titanic تحمل هذا الشعب الى غرق محتوم وقد أعطي النظام شرعية التصرف. والذين نجوا من التعذيب أو السجون أو التهجير فإن الحضن الحنون كفيل بشطبهم. ومتى بربكم استشرتم الشعوب».
وأرفق التغريدة بهاشتاغ «العرب».
وجاءت هذه التغريدة، غداة زيارة قام بها جنبلاط لبري على وقع تسريباتٍ عن احتمال حصول «انعطافة» للزعيم الدرزي في اتجاه تأييد فرنجية، وهو ما أعطى رئيس «التقدمي» إشارة إلى أنه مازال في غير وارده، وتحديداً حين أعلن بعد الزيارة «أنني لا أستطيع اتخاذ موقف من دون التشاور مع رئيس اللقاء الديموقراطي تيمور جنبلاط فالمستقبل له وليس لي».
علماً أن معلومات متقاطعة كانت أكدت أن تيمور لن يسير بفرنجية وأن والده غير مستعدّ للضغط عليه لعكس ذلك.
وإذ لفت جنبلاط بعد لقاء بري أيضاً إلى أن السفير السعودي وليد بخاري الذي زاره قبل أيام «أكّد للجميع أنّ المملكة على مسافة واحدة من الجميع وليس لديها أيّ فيتو على أيّ اسم»،
أكدت مصادر «التقدمي» أن موقف الحزب لم يتبدّل من ضرورة وصول مرشح يحظى بقبول مسيحي واسع (لا يحظى به فرنجية) وذلك «صوناً لمصالحة الجبل المسيحية - الدرزية»، وبقبول عربي وخليجي صريح وليس فقط بعدم وجود فيتو عليه «كي لا تتكرّر تجربة الرئيس عون، حين قيل لنا افعلوا ما تريدونه ونحكم على نتائج أداء الرئيس، ورأينا هذه النتائج الكارثية».
واعتبرت أن هذا هو المعيار الذي يُخْرِج أي مرشح (سواء فرنجية أو غيره) من دائرة رئيس التحدي ليكون توافقياً.
ولم يقلّ دلالة في «السياق السوري» المستجدّ للأزمة اللبنانية، بدء ارتسام استقطاب داخلي حول المسار الذي سيحكم العلاقة مع نظام الأسد والذي ينفصل عن أزمته مع المجتمعين العربي والدولي، باعتبار أن ثمة مشاكل قديمة - جديدة للبنان مع سورية تفرض نفسها ويفترض أن تشكّل خريطة طريق لأيّ انتظام للعلاقة الرسمية مع دمشق.
وبينما كان حلفاء لسورية يسارعون لاعتبار عودة سورية إلى الجامعة العربية مناسبة لإسقاط أيّ تحفظ عن استعادة العلاقات اللبنانية - السورية طبيعتها بين حكومتيْ البلدين وعلى كل المستويات،
كان معارضون للنظام يذكّرون إلى جانب أولوية معالجة موضوع النازحين «الذين مازال النظام يستخدمهم بإطار مناوراته السياسية لتعزيز موقعه في السلطة»،
كما قال النائب بلال عبدالله (من كتلة جنبلاط) بضرورة «أن يكون ضمن هذه العودة الاعتراف الكامل بالسيادة اللبنانية وإعادة النظر ببعض الاتفاقات المعقودة، منها ضبط الحدود وترسيمها بين البلدين وأن يترجم شعار الشعبين الشقيقين من خلال سيادة البلدين والحفاظ على هذه السيادة».
في موازاة ذلك، كان السفير السعودي يسلّم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي دعوةً من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للمشاركة في قمة جدة العربية التي ستُعقد في 19 الجاري.
وقال بخاري بعد اللقاء إن «الرياض تأمل أن يُغلّب الأفرقاء السياسيون المصلحةَ اللبنانية العُليا لمواجهة التحدياتِ والمخاطر التي يعيشها لبنان».