السعودية لا ترتضي «الفراغ الرئاسي المهدِّد لاستقرار الشعب اللبناني ووحدته»
المأزق الرئاسي في لبنان... أكثر من «عضّ أصابع»
بدا من الصعب في بيروت استشرافُ مآلاتِ التحريك المتجدّد، على المستوى الخارجي كما الداخلي، للمياه الرئاسية الراكدة، وإذا كان الأمر في إطار تهيئة الأرضية عبر «كاسحة ألغام» مزدوجة لتسويةٍ في الأسابيع المقبلة، أم هو في سياق إعلان نيات متجدّد على قاعدة الثوابت المعروفة التي تُبْقي الاستحقاقَ في دائرة الاستعصاء.
وإذا كان «الإطار الزمني» لهذا التحريك انطلق من مناسبة إنهاء لبنان «نصف سنة» في عهدة الفراغ بموقع رئاسة الجمهورية الذي دخل في 1 مايو شهره السابع، فإن «نقطة الوصول» فيه يُراد أن تكون محكومةً بمحطة يتم ترسيخها كموعد «لن يكون بعده كما قبله» ويتمثّل في انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (آخر يوليو) ما يستوجب أن تكون عجلة الحُكْم استعادت دورانها الدستوري بدءاً من انتخاب رئيس وتشكيل حكومة، وإلا فإنّ «الحجَر الأخير» سيكون وُضع في آخِر النفق الذي يقبع فيه لبنان منذ بدء العاصفة المالية التي استجرّتْ انهياراتٍ متتالية على مختلف الصعد وصولاً الى السياسية.
فبعد خروج الولايات المتحدة عن صمتها حيال الاستحقاق الرئاسي محدّدة مواصفاتٍ لـ «رئيس الإصلاحات القادر على توحيد البلاد» ومع تشديدٍ على أن «الحل داخل لبنان»، وهو ما اعتُبر «إشارة مشفّرة» وشدًّ حبْلٍ لفرنسا بعد تماديها في محاولة إدارة هذا الملف بعيداً من «الضوابط» السياسية والإصلاحية الشاملة التي ترتأيها غالبية المجتمعيْن العربي والدولي، وفي أعقاب نفْض طهران يدها من مسار التشدد الأقصى الذي يتبعه حلفاؤها بقيادة «حزب الله» باصطفافهم الثابت حول ترشيح زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية وذلك على قاعدة أن «الحل والربط» بيد الحزب، انطبع المسرح الداخلي أمس بتحرك ديبلوماسي مزدوج:
• الأول للسفير السعودي وليد بخاري، الذي استأنف بعد عودته إلى بيروت، لقاءاته مع المسؤولين والقادة اللبنانيين، بدءاً من مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، مروراً برئيس البرلمان نبيه بري، وصولاً إلى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، على أن يَستكمل زياراته في الساعات المقبلة لأطراف آخَرين.
وكان بارزاً أن بخاري، الذي ترفض بلاده الانجرار إلى لعبة الأسماء الرئاسية وسبق أن ربطتْ الدعم الذي يُطلب منها لأي رئيس بألا يكون «منغمساً في فساد مالي أو سياسي»، أطلق موقفاً مباشراً من الملف الرئاسي بعد لقائه بري إذ أعلن «لا نرتضي الفراغ الرئاسي المُستمر الذي يُهدِّد استقرار الشعب اللبناني ووحدته»، مؤكداً «أن الموقف السعودي يُشدِّد على ضرورة الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية قادر على تحقيق ما يتطلّع إليه الشعب اللبناني الشقيق».
وكانت المعلومات التي وُزعت عن زيارة السفير السعودي لمفتي الجمهورية أفادت أن بخاري أكد «حرص المملكة على لبنان ومؤسساته وعلى العيش المشترك الإسلامي-المسيحي»، آملا «أن يشهد لبنان استقراراً ومستقبلاً واعداً»، فيما عَكس كلام الشيخ عبداللطيف دريان أجواء اللقاء إذ أكد أن «دور المملكة العربية السعودية في لبنان أساسي كما هو في المنطقة العربية والدولية»، مشدداً على ان «انتخاب رئيس للجمهورية واستقرار لبنان وازدهاره وإنمائه هي مسؤولية تقع على عاتق اللبنانيين بدايةً ومن ثم على الأشقاء العرب والدول الصديقة الذين يدعمون ويقدمون المساعدة عندما تكون الإرادة اللبنانية صادقة وجدية في الوصول الى حلول لمصلحة الوطن والمواطن».
وحضّ مفتي الجمهورية «المسؤولين المعنيين بعملية انتخاب رئيس للجمهورية على التعالي عن مصالحهم الذاتية لمصلحة لبنان السيد الحر المستقلّ العربي الهوية والانتماء»، معتبراً أن «أي تسوية في هذا الإطار إن كانت محلية أو خارجية يجب العمل فيها لإعادة الاعتبار للدولة ولمؤسساتها وسيادتها في كل المجالات».
• حركة السفير الإيراني مجتبى اماني في اتجاه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي يفترق عن «حزب الله» في الملف الرئاسي ويرفض بشدّة دعْم وصول فرنجية للرئاسة.
وبحسب ما وُزع عن اللقاء، فقد أطلع أماني باسيل على نتائج زيارة الوزير حسين أمير عبداللهيان «الذي كان يرغب بلقائه إلا ان تضارُب المواعيد لم يسمح بذلك»، كما «أطلعه على تفاصيل مسار التفاوض الايراني - السعودي ومَحاور الاتفاق»، مجدداً «موقف ايران بعدم التدخل بالشأن الداخلي اللبناني ودعْم كل ما يتفق عليه اللبنانيون».
من جهته ثمّن باسيل «موقف إيران الداعم لاتفاق اللبنانيين» وأمِل «المساعدة على توفير الجو المؤاتي لإيجاد مشروع إنقاذ وبناء الدولة لملاقاة تطلعات وآمال اللبنانيين اليائسين من تكرار السياسات نفسها التي أدت الى الانهيار».
وإذ عَكَس كلام باسيل ثباته على رفْض خيار زعيم «المردة»، كان لافتاً أن رئيس البرلمان حرص عشية استقبال السفير السعودي وفي غمرة حركة «مدّ الجسور» التي يستكملها نائبه إلياس بوصعب على مختلف القوى السياسية، على المجاهرة بالتمسكّ بفرنجية «حتى تنتهي حروف الأبجدية» جازماً بأن ليست لديه خطة «ب» أو «ج» أو «ت» أو غيرها «فباختصار بالنسبة إلى مسألة تأييدي لانتخاب فرنجية لا أعترف سوى بالخطة(أ)، أمّا بقية حروف الأبجدية فليست موجودة في قاموسي السياسي».
وفي موازاة تشدُّد بري، لم تقلّ دلالة رفْع المعارضة سقف اعتراضها «غير القابل للعودة عنه» على انتخاب فرنجية، وهو ما عكستْه بأوضح صورة أمس مواقف رئيس حزب «الكتائب» اللبنانية سامي الجميل الذي ذهب بعد استقباله بوصعب إلى اعتبار أن هذا «خيار موت للبنان وسنواجهه بكل الإمكانات المتاحة».
وفي هذا الوقت، كان مجلس المطارنة الموارنة يدعو بعد اجتماعه الشهري برئاسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي «النواب إلى الإفادة من المؤشرات الإيجابية الإقليمية والدولية في ما يتعلق بالفسحة المتوافرة لانتخاب رئيسٍ جديد للدولة. كما يدعونهم إلى تحاشي كل ما من شأنه تقويض آمال اللبنانيين بالخروج من سلسلة الأزمات المدمِّرة التي تصيب حياتهم في الصميم، وحلقتها الأساسية تَعَذُّر إنجاز الاستحقاق الرئاسي».
كما استغرب المطارنة «الخطاب السياسي المؤيّد لإعادة لبنان إلى مسار توريطه في نزاعات إقليمية مسلّحة لم يحصد سابقاً من جرائها سوى الموت والدمار»، مناشدين اللبنانيين «الوقوف في مواجهتها بكل قوة وحزم، إنقاذاً للوطن وأهله».