تنهّدتْ بحسرة قبل أن تمُد يدها لكوب ماء كنتُ وضعته أمامها على حافة منضدة المكتب، قالت صديقتي وهي تميل برأسها لليمين إنّ المنزل الذي تسكنه مع زوجها لم يعد مكاناً تظلله الأُلفة والتفاهم وهناء العيش الذي طالما شهدته حياتهما في السابق، واستطردت قائلة وطيف من الدمع بدا لي خلف رمشيها: تدخلات أهله في حياتنا ومسؤوليات الأولاد وضغوطات العمل وروتين الحياة الممل أحالتها لجحيم لا يمكنني احتماله أبداً، صرت عندما أدخل بيتي على اتساعه وجمال تفاصيله أراه كسجنٍ، وقبل أن تستدير وتأخذ نَفَساً آخر لتكمل القصة، قلت: لا تتسرعي في اتخاذ أي قرار ينسف استقرار بيتك طالما أنّ الأمر متعلق بظروف الحياة وليس هو، تذكري أن البيوت عادة لا تخلو من المشاكل، ولا حتى في أفضل حالاتها عندما يكون الطرفان في أقصى درجات الوئام الناتج عن تلاقي الأرواح قبل أي شيء آخر.
ولكن العاقل من تدارك الأمور قبل انحدارها لنقطة اللاعودة، قبل أن تطيح الفأس بالرأس، فرحلة الحياة ليست سهلة وطُرقها ليست مفروشة بورد الربيع، وإن كنت أتعاطف مع صديقتي، وأبذل ما في وسعي لمساعدتها في تجاوز أزماتها التي عكّرت صفو حياتها، إلا أني أعتقد أن احتمالات الحلول الممكنة كافة والتي يجب العمل عليها لترميم العلاقة بيدها، ويمكنني هنا الحديث بإسهاب طالما أنني أعتزم الكتابة عن العلاقات الزوجية وكيف يمكن ترميمها بين الشريكين بعد الخلافات التي تعصف بكيان الأسرة وربما تُعجل بما لا تحمد عقباه.
لا تأتي الخلافات الزوجية من فراغ، بل تفرضها ظروف الواقع في البيوت كافة، كتدخلات الأهل في تفاصيل حياة المتزوجين، خلافات الزوجين في ما يتعلق بتربية الأبناء، اختلاف الأمزجة والطباع لا سيما في بداية الزواج... إلخ.
وثمة أسباب أخرى أكثر تأثيراً في مجرى العلاقات الزوجية كفتور الحب أو ربما انطفاؤه وما يترتب على ذلك من نتائج وخيمة على درجة الرضا وسعادة الحياة الزوجية، ويقيني أن انطفاء الحب وماله من أثر حاسم على ازدهار العلاقات الزوجية لهو شيء على النقيض تماماً لحالة الوله وتأجج المشاعر التي تنجح في الغالب لإنقاذ العلاقة من التداعي والانهيار، غير أن ما ذكرت مسبقاً من أسباب متعددة لا يعني حتمية الوصول لطريق مسدود ينذر بالنهاية، فمهما تنامت الأخطار هنالك ما ينُجينا منها إذا أحسنا التدبير، وفي أسوأ الأوضاع ثمة أشياء يمكننا فعلها لتفادي الخسارة، وتلك مسؤولية الطرفين «شركاء الحياة»، فالأطراف الأكثر حكمة يمكنهم ببساطة إدارة خلافاتهم بتفهم وثقة طالما بقي حبل الود موصولاً، ولا يمكن أن ينهض أي بنيان سليم سواء في العلاقات الزوجية أو العاطفية إذا كان يعاني خللاً في أساسه.
الانفتاح العقلي والاستعداد وسعة الأفق والحب يسعفنا في ترميم أي علاقة، وفي التعاطي بإيجابية مع الخلافات الزوجية بوضعها على طاولة البحث والنقاش الهادئ غير المتشنج، واستماع كل من الطرفين للآخر لتفهم وجهة النظر للتوصل إلى مركز ونقطة الخلاف، ومن ثم إيجاد الحلول المناسبة لكلا الطرفين للوصول بهما إلى بر الأمان والاستقرار، ويسعفنا أيضاً في الترفع وتجاوز الخلافات غير الجوهرية بروح الود والتسامح.
ويمكنني أن أُضيف بلا تردد أن ما يرمم أي علاقة حتى اذا تصدّعت وأخذت في التداعي والانهيار، إنما هو حرص طرفيها على أخذ زمام المبادرة والشروع فوراً وبأي وسيلة وطريقة لتلافي أسباب التأزم كي يدوم الحب والود والاستقرار حاضرين في بيت الزوجية.
Twitter: t_almutairi
Instagram: t_almutairii
Email: talmutairi@hotmail.com