صدر أخيراً حكم المحكمة الدستورية بإبطال مجلس الأمة الأخير، وإبطال نتائج الانتخابات برمتها، بناء على إبطال مرسوم الحل على سند قانوني أن الحكومة لم تتعامل مع المجلس الذي رفعت به كتاب عدم تعاون ولم تقسم أمامه، وهذا السند القانوني جعل غالبية الخبراء الدستوريين يتوقعون هذا الحكم قبل صدوره من المحكمة الدستورية بعد أن تحولت القضية إلى موضوع متداول بين أصحاب الاختصاص، وهذا أمر مألوف وطبيعي، لكن وبصراحة الأمر المستغرب هو هذه اللهجة الشرسة على الحكم وعلى المحكمة الدستورية من أحد الأفرقاء السياسيين ممن لم يوافق هذا الحكم أهواءهم، فصبوا جام غضبهم عليه وعلى من أصدره، والسؤال المشروع هل كانوا سيهاجمون الحكم لو أنه كان في مصلحتهم أم كانوا سيشيدون به وبعدالة المنظومة القضائية؟
إن سياسة الاقصاء التي شهدناها بقوة خلال الفترة الأخيرة في مشهدنا السياسي وتسببت بالكثير من الكوارث على مستوى العمل والإنجاز والتنمية نراها اليوم تمتد لتصل الى القضاء، وكأن الحكم الذي لا يوافق هواهم كفر، وهذا الأمر الانتقائي المبني على المصلحة ليس جديداً، يقول تعالى: (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أُعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون).
أما آن الأوان عند هؤلاء لإعادة النظر في تقييم المشهد السياسي وأن يدركوا أن ما يقومون به لم ولن يتسبب إلا في مزيد من المشكلات والأزمات وتراكمها، وأن من يدفع ضريبة سلوكهم هو الوطن والمواطن؟ أما آن الأوان لأن يقبلوا الرأي الآخر في السياسة وأن يتقبلوا التعامل مع المخالف لهم في الرأي بعيداً عن المزايدات السمجة والمبالغات وبيع البطولات الوهمية؟
وأخيراً، فنحن نرفض مهاجمة الحكم ونرفض مهاجمة المحكمة الدستورية، لأن ذلك هو الأصل القانوني والمنطقي، وأطالب الجميع بأن ينأوا في خلافاتهم عن المؤسسات المرجعية في الدولة ومنها القضاء، وتعلموا التعامل مع الوقائع والأحداث بحيثياتها لا أن تحاولوا دائماً إيجاد شماعة تعلقون عليها فشلكم.