باربرا ليف في بيروت غداً... وهذا ما استشفّه جنبلاط من زيارته للكويت

«جنون الدولار» ألهب لبنان... صعود هستيري ثم هبوط سوريالي

قطع طريق بالإطارات المُشتعلة احتجاجاً على تردي الوضع الاقتصادي والصعود المتفلت للدولار في لبنان
قطع طريق بالإطارات المُشتعلة احتجاجاً على تردي الوضع الاقتصادي والصعود المتفلت للدولار في لبنان
تصغير
تكبير

- مصرف لبنان أعلن «عملية مفتوحة» عبر «صيرفة» وعيْنه على تجفيف السوق من الليرة
- قطع طرق في مناطق واسعة... وحشدٌ لاحتجاجات اليوم في وسط بيروت
- إرباكات واسعة في الأسواق... قطاع المحروقات كاد يقفل والصيدليات أعلنت إضراباً وتعود عنه اليوم

... هو يومُ «جنون» الدولار، صعوداً هستيرياً ثم هبوطاً سوريالياً تحت ستارِ دخانٍ أسود من قطْع طرق وإرباكاتٍ كبرى في الأسواق و«حبْسِ أنفاسِ» فَرَضه ما بدا «إعصاراً» من الفوضى الشاملة طَرَقَ أبواب لبنان الذي يتقلّب على جَمْرِ الانهيار الكبير.

هكذا كان المشهد أمس في بيروت بعدما «تحسس الجميع رؤوسَهم» على وقع أعتى موجة ارتفاعٍ لـ «الدولار الأسود» الذي قَفَزَ في أقلّ من 24 ساعة بأكثر من 30 ألف ليرة ملامساً 145 ألفاً لكل دولار، ليعود في «دقائق» إلى حدود 110 آلاف بفعل «هندسة» جديدة لمصرف لبنان المركزي الذي أطلق «عمليةً مفتوحة ومستمرة لشراء الأوراق النقدية اللبنانية وبيع الدولار نقداً على سعر صيرفة»، معلناً أنه «يمكن للجمهور أن يسلّم الليرة النقدية الى الصرافين من فئة«أ»او الى المصارف العاملة ويتسلّم الدولار بعد ثلاثة أيام».

وإذ رَفَعَ «المركزي» مجدّداً سعرَ دولار «صيرفة» وهذه المَرّة إلى 90 ألف ليرة، مؤكداً أنه «يمكن للمَصارف (مستمرة في إضراب مفتوح جزئي) التي تعود عن إضرابها المُشارَكة في هذه العملية»، فإن الساعاتِ العصيبةً التي عاشتْها «بلاد الأرز» أمس بدت بمثابة «بروفة» لكابوس تَفَلُّتِ الانهيار، - الذي حام شبحُه فوق «الوطن المنكوب» - من أي مكابح ودخول السقوط الحرّ آخِر مراحل ما قبل الارتطام المميت وتشظياته المعيشية والأمنية الكارثية، فيما لبنان عالق في قلب أزمة سياسية يختزلها استحقاقُ الانتخابات الرئاسية الذي يدور في حلقةٍ من مُراوَحَةٍ قاتلة ومُراوَغَةٍ لا تقلّ فتْكاً تمارسها الأطرافُ المحلية الوازنةُ عبر الإمعان في استرهان هذا الملف لحساباتِ الصراع على الأوزان في الداخل والاقليم.

وكاد «احتراق» العملة الوطنية التي تدحرجتْ بسرعة قياسية من نحو 81 ألف ليرة (في 9 الجاري) إلى 145 ألفاً أن ينقل البلاد إلى ضفةٍ أخرى تماماً، لم يتوانَ البعض عن ربْطها:

إما بلعبة مضارباتٍ استظلّت مضي القطاع المصرفي في إضرابه ما جعل منصة «صيرفة» واقعياً «خارج العمل» (كانت حددت سقف مليار ليرة شهرياً للأفراد و10 مليارات للشركات وفق سعر المنصة) قبل أن «يحررها» المركزي من قيود الجهاز المصرفي.

وإما بـ «كبسة زرّ» سياسية لمحاولةِ جرّ الجميع إلى خيارٍ رئاسي (سليمان فرنجية المدعوم من حزب الله والرئيس نبيه بري) على وهج فوضى الدولار وارتجاجاته على الأرض، وبـ «توقيتٍ» يستبق دخول تفاهم بكين بين المملكة العربية السعودية وإيران حيّز «التسييل» بعد مرور «الفترة التجريبية».

ورغم أن الإجراء الذي أعلنه «المركزي» لا يعدو كونه، كما نسخه السابقة، خطوةً «تخديرية» سرعان ما ستتبدّد مفاعيلها وسط رصْدٍ لقدرة مصرف لبنان على تحقيق هدف «سحب كل الليرات من السوق ولدينا القدرة على ذلك» كما أعلن الحاكم رياض سلامة بالتوازي مع مؤشرات لعودة بعض المصارف عن الإضراب للمشاركة في عمليات صيرفة،

فإن أوساطاً سياسية ترى أن «ركْلَ الزجاجة» مجدداً عبر معاودة تفعيل سياسة «شراء الوقت»، عكس استشعاراً بمَخاطر الانزلاق إلى الانهيار «الفوضوي غير المنظّم» بتداعياته المروّعة عشية رمضان المبارك والتي لاحَ بعض سيناريواتها أمس مع احتجاجاتٍ واسعة وعمليات قطع طرق نهاراً (بينها لطرق حيوية) شملتْ العاصمة والضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق عدة في الشمال والجنوب والبقاع مع تسجيل إطلاق نار في الهواء بأكثر من بقعة ومحاولاتٍ لقفل محال بالقوة.

وجاء هذا الصخب عشية دَعواتٍ وجّهها نوابٌ تغييريون وقطاعاتٍ عدة ومتقاعدون لتظاهراتٍ اليوم في وسط بيروت ولاقتْها مطالباتٌ نقابية بانتفاضة شاملة وإضراب عام (يعمل عليه الاتحاد العمالي العام) بوجه «المجاعة» التي بدأتْ ورَفْضاً لترْك الواقع المالي والمعيشي يُطْبِق على أعناق اللبنانيين الذين يواجهون اختناقاتٍ متزايدةً في مختلف نواحي حياتهم التي باتت واقعةً بين «فكّيْ كمّاشة» دولار السوق الذي تُحتسب على أساسه «فورياً» أسعار السلع والمواد الغذائية في السوبرماركت، ودولار صيرفة الذي يُعتمد لتقاضي رسوم وفواتير مثل الهاتف والكهرباء (تسعيرة مؤسسة كهرباء لبنان هي دولار صيرفة زائد 20 في المئة أي أن السعر بات يوازي حالياً السوق السوداء) وغيرها والذي لا ينفكّ يتحرّك صعوداً.

وكانت حمى الدولار استجرّتْ، قبل تدخّل المركزي في «عمليّته المفتوحة»، ارتجاجاتٍ خطيرةً في الأسواق حيث سادت بلبلة غير مسبوقة مع قفل عدد كبير من محطات المحروقات أبوابها ورفع خراطيمها لعدم قدرتها على مجاراة الوثبات الخيالية للدولار وما ترتّبه من خسائر على أصحابها، وسط تلويح بأن تتوقف عن العمل سرعان ما عادت عنه لمصلحة إعطاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مهلة حتى صباح اليوم لإيجاد حل بين حدّيْن: الأول صدور جدول التسعير عن وزارة الطاقة بالدولار بحيث يدفع المستهلك بالعملة الخضراء أو بالليرة على سعر السوق، وإما اعتماد آلية أكثر مرونة تتيح اللحاق بتقلبات الدولار الحادة.

وإذ استدعتْ أيضاً «عاصفة الدولار» في ذروتها امتناعَ عدد من المحال التجارية عن البيع في محاولة للحدّ من الأضرار، في موازاةِ مسارعة مؤسسات تجارية (ألبسة وأحذية) كانت مازالت تعتمد التسعير بالليرة (وإن ارتكازاً على سعر ثابت للمنتَج بالدولار) إلى «الهجرة» نحو إعلان الأسعار بالعملة الخضراء تفادياً لخسائر متوالية، لجأت نقابة صيادلة لبنان إلى الخيار المُرّ مؤكدة أنه «إزاء الانهيار الحاصل من دون أي مبالاة لدى المسؤولين، وبعد توقّف الشركات والمستودعات عن تسليم الادوية للصيدلية بشكل شبه كلّي منذ أكثر من اسبوعين، وبعد إفراغ الصيدليات من الأدوية، يدعو مجلس النقابة الصيدليات في لبنان الى الاقفال ابتداءً من اللحظة»، قبل أن تعود لتؤكد عصراً فتْح أبوابها مجدداً اليوم.

وأتى «التمرين» على «الدمار الشامل» المالي - المعيشي وسط تحويل هذا «الفتيل» عاملاً ضاغطاً على القوى السياسية لاستدراجِ عقْد جلسة تشريعية للبرلمان الأسبوع المقبل (ترفضها غالبية القوى المسيحية باعتبار مجلس النواب هئية ناخبة يتعين عليها أولاً انتخاب رئيس للجمهورية) يُرجح أن يُطرح فيها تعديل قانون النقد والتسليف بما يتيح طبع ورقة نقدية قيمتها أعلى من 100 ألف ليرة (500 ألف أو مليون) وتمويل الانتخابات البلدية والاختيارية، وأيضاً لتوجيه دعوة جديدة لجلسة حكومية لبحث أمور معيشية ومساعدات للقطاع العام والعاملين فيه.

وفيما لم يكن ممكناً الجزم بمآل المحاولة الجديدة لفكّ أسْر الجلسات التشريعية للبرلمان في كنف الشغور الرئاسي، تحط مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط بربرا ليف في بيروت غداً حيث ستلتقي كبار المسؤولين وشخصيات سياسية على مدى يومين وتبحث معهم في الواقع اللبناني من مختلف جوانبه وفي مقدمه الاستحقاق الرئاسي.

وكان لافتاً أمس ما أعلنه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لجهة أن المطلوب من بعض «كبار القادة» في لبنان أن يفهموا المتغيرات في العالم والسير إلى الحد الأدنى من تسوية مقبولة، وعدم المراهنة على الفراغ الذي يعيد هاجس التقسيم، معتبراً عبر جريدة «الأخبار» أن سليمان فرنجية قد يكون مرشح تحدّ، كما أن ميشال معوّض مرشح تحدٍّ (تطرحه غالبية المعارضة) «وآن الأوان أن نخرج إلى صيغة توافقية»، واصفاً المقايضة بين الرئاستين (الجمهورية والحكومة) بأنها «بدعة».

واذ اعتبر أن المصالحة السعودية ـ الايرانية «تطور استراتيجي كبير جداً»، قال رداً على سؤال حول زيارته الأخيرة للكويت وهل طلب مساعدات: «زرت الكويت لحضور حفل بدعوة من مركز سرطان الأطفال (سان جود).

لكنها كانت فرصة لتجديد العلاقة مع الكويت، لكن لا أعتقد أن دول الخليج ستعود إلى ما كانت عليه في الماضي بإعطاء المال من دون شروط. بالنسبة للبنان، هناك اليوم دفتر شروط وضعه صندوق النقد الدولي لم يُنفّذ منه شيء حتى الآن».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي