إيران وإسرائيل... الضربات المتقابلة مستمرة ولن تتوقف
لا تملك إيران ولا إسرائيل خياراً سوى تبادل الضربات باستمرار وفي مسارح مختلفة لأن الحرب مفتوحة على مصراعيها، وهي معركة ايديولوجية ومستمرة.
وقد تعلمت دول الشرق الأوسط، الأسلوب الإسرائيلي في توجيه ضرباتها، واستنتجت ضرورة فرض إستراتيجية الردع برد الضربات كي لا تستمر تل أبيب بسياستها التصعيدية واستباحة الدول المجاورة أو القريبة كما فعلت مع العراق وتفعل مع سورية منذ أعوام عدة.
لم يعد مهماً معرفة الجواب الصحيح حول سؤال يتردد دائماً عندما لا يوجد جواب واضح له: مَن وُجد قبل الآخَر الدجاجة أم البيضة؟ وتالياً فلم يعد مهماً تبيان مَن وجّه الضربة الأولى الاستباقية بين إسرائيل وإيران، خصوصاً بعدما استباحت تل أبيب في الأعوام الماضية الأمن الإيراني باغتيال علماء وتوجيه ضربات تخريبية في الداخل وتنظيم أعمال شغب ممنهجة ومدروسة تحت شعارات وأعذار مختلفة.
وآخِر هذه العمليات كانت الهجمات بطائرات مسيرة ضد مبانٍ تملكها وزارة الدفاع، ردت عليها طهران في عرض البحار.
إلا أن طهران تملك أيضاً أدواتها التي تخوّلها الرد على إسرائيل في مسارح مختلفة وبطرق متطورة، وهي تبحث دائماً عن أكثر ما يؤلم إسرائيل، مثل دعم الفلسطينيين الذين يطمحون لاستعادة الأرض بعدما يئسوا من دور الولايات المتحدة المنحاز ضد اتفاق أوسلو كما أكده مراراً القادة الفلسطينيون، وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس الذي صرح بأن «أميركا لم تعد تصلح لدور الوسيط».
وعلى الرغم من فرض حليف إيران الأقوى - «حزب الله» اللبناني - معادلة الردع على إسرائيل، إلا أن تل أبيب وجدت طريقة لضرب أهداف في سورية، وإصابة إيران في بعض الأحيان، ما دام الرئيس بشار الأسد لا يريد الدخول في حرب جديدة. فبدأت بضرب أهداف للجيش السوري وقافلات غذائية موجَّهة لدعم الحكومة بهدف إضعاف دمشق بسبب دعمها المطلق وعلاقتها مع إيران.
وطوّرت إسرائيل ضرباتها بالاتصال مباشرة بالضباط السوريين على هواتفهم في بعض الأحيان، طالبة منهم الخروج من مراكزهم قبل توجيه الضربة، أو الطلب من مستشارين لحلفاء سورية مغادرة ثكنة عسكرية أو مركزاً قيادياً قبل توجيه الضربة.
وقد وجهت إسرائيل ضربة أخيرة في كفرسوسة، جنوب غربي دمشق، في موقع يضم مقاراً أمنية سورية وإيرانية، وهي المنطقة نفسها التي اغتالت فيها القيادي عماد مغنية عام 2008، وهي قريبة من مقام السيدة زينب، المنطقة التي تعرضت لهجمات أمنية عدة وسيارات مفخخة.
ولم تأتِ الضربة الإسرائيلية بجديد لأنها جزء من الحرب المفتوحة التي بدأت عام 1979 عندما أزالت إيران الوجود الإسرائيلي على أراضيها عند انتصار الثورة الإسلامية وسلّمت السفارة إلى فلسطين وأطلقت الاسم نفسه على الشارع الذي يضم الممثلية الفلسطينية.
واختار الطرفان «المعركة بين الحروب» من خلال عمليات الكر والفر حيث مسرح العمليات يتنقل من إسرائيل إلى فلسطين وسورية وإيران والعراق، إلى حرب الناقلات والطائرات المسيَّرة وضربات «الذئاب المنفردة» داخل فلسطين التي تربك إسرائيل كثيراً.
وعندما تصرّح إسرائيل بأنها لن تسمح بالوجود الإيراني على حدودها فهي تدرك أنه تصريح إعلامي ليس إلا، لأن الآوان قد فات وان إيران بمستشاريها وأسلحتها أصبحت جزءاً من المنظومة الأمنية السورية.
إذ إن التدخل الأميركي لتغيير النظام في سورية أعطى طهران الفرصة الذهبية لتمكين وجودها أكثر من أي وقت في بلاد الشام (وكذلك في بلاد ما بين النهرين)، حتى ولو كانت إيران قد أحضرت طلائع قواتها النظامية إلى الحدود السورية - اللبنانية لنصرة لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي منذ 1982.
وما غيّر المشهد اليوم هو امتلاك إيران أسلحة رادعة تمثلت بصواريخ دقيقة وطائرات مسيَّرة والدعم الـ لا محدود لفلسطينيي الداخل الذين يصل إليهم السلاح عبر طائرات إيران المسيَّرة وطرق أخرى بحرية تحاول إسرائيل ردعها - من دون نجاح - لوقف العمليات الفلسطينية التي زادت من هشاشة الاستقرار في الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي تشهد عدم استقرار مقلق، خصوصاً بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الأخيرة المتطرفة التي أثارت احتجاجات واسعة داخل المجتمع الإسرائيلي.
وهذا ما دفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للهروب إلى الأمام بحرف النظر عن الداخل المضطرب بالقول إن الخطر الأكبر يأتي من خارج الحدود، مثل رفع التخصيب الإيراني لليورانيوم بنسبة عالية ومواجهة الخلافات الداخلية السياسية بهدوء.
وهذا ما أخرج نتنياهو بتصريح علني يرد فيه بالمباشر على الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله بقوله: «لا تبنِ على حرب بين الإخوة».
وكان نصرالله طرح «حرب المعادلات» على الطاولة وهدد بتوجيه ضربة إلى إسرائيل إذا استمر حصار لبنان بعدما فسر الوضع الإسرائيلي المأزوم والهش ووصف حكومة نتنياهو بـ «الحمقاء» التي تتجه «نحو حرب أهلية».
وهذا ما كانت أكدته الاستخبارات الإسرائيلية لجهة عدم استقرار الوضع الداخلي وحذرت من تفاقم الوضع ضد الحكومة الجديدة التي يطلق عليها الإسرائيليون لقب «الحكومة المجرمة».
وأتى هجوم إسرائيل ليل السبت - الأحد بخمسة صواريخ خارقة للأسمنت ضد مواقع في دمشق أوقعت 5 قتلى و15 جريحاً، بعدما ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن «حرس الثورة» أطلق مسيرة انتحارية «شاهد 136» نحو سفينة «كابمو سكوير» التي يملكها رجل الأعمال الإسرائيلي ايل عوفر وهي ترفع علم ليبيريا.
ستستمر إسرائيل بضرب أهداف داخل سورية، الحلقة الأضعف، وتُضاعِف إيران دعمَها للداخل الفلسطيني في محاولة لإخراج إسرائيل عن توازنها.
وتالياً فإن الضربات الإسرائيلية والإيرانية ستستمر إلى ما لا نهاية ما دامت الأوضاع الجيو - سياسية في العالم غير مستقرة خصوصاً بعدما أفرزت الحرب الأميركية - الروسية على الأراضي الأوكرانية شرخاً عميقاً فصل الدول التي تناصر الغرب (16 في المئة) عن دول العالم الأخرى التي لا تدعم العقوبات الأميركية على روسيا.
ومن هنا فإن وقوف إسرائيل إلى جانب أوكرانيا سيتبعه نتائج من المتوقع أن تظهر بعد انتهاء قرقعة السلاح، خصوصاً ان روسيا لن تنسى أصدقاءها وايضا أعداءها. ولكن الانتظار يبدو انه سيطول ما سيسمح بجولات إسرائيلية - إيرانية أخرى مستمرة.