تساؤلات وانتقادات لتطوير القواعد الناظمة لها مستقبلاً

نظرة على النظام القانوني لشركات المحاماة المهنية

علي العريان
علي العريان
تصغير
تكبير

أرسى قانون الشركات 1/ 2016 الأساس التشريعي لتأسيس الشركات المهنية، ونظمها بالمواد من 80 إلى 84 منه، كما نظمتها اللائحة التنفيذية لهذا القانون، الصادرة بالقرار الوزاري 287/ 2016، في الباب الخامس منها، في المواد من 42 إلى 53، وقد سمحت اللائحة لأصحاب مهنة المحاماة والمحاسبة والطب والهندسة والاستشارات، التي يباشرها أرباب المهن والمنظمة قانوناً، والمرخص بمزاولتها من قبل الجهات الرقابية، بتأسيس الشركات المهنية لمزاولة أعمالهم، وكان من المفترض أن تصدر لوائح تنظم الشركات المهنية التي تخص كل مهنة على حدة، وقد تأخر ذلك كثيرا، منذ أن أرسى المشرع الأساس القانوني لتلك الشركات، حتى صدر قرار وزير التجارة 161 / 2020، في شأن إصدار لائحة تنظيم الشركات المهنية للمحاماة، ثم تلاه القرار 162 / 2020، في شأن إصدار لائحة تنظيم الشركات المهنية الهندسية، ثم القرار 180/ 2020، في شأن إصدار لائحة تنظيم الشركات المهنية للخدمات المحاسبية ومراقبة الحسابات، ولاتزال مهنة الطب تنتظر إصدار لائحتها منذ سنوات.

وبمطالعة قانون الشركات ولائحته التنفيذية، ولائحة الشركات المهنية للمحاماة سالفة الذكر، تطفو على السطح تساؤلات وانتقادات عدة، نود الإشارة إليها هنا على سبيل العجالة، لعلها تكون بذرة لتطوير القواعد الناظمة لشركات المحاماة المهنية مستقبلاً.

أولاً: خلط المشّرع بين مفهوم الشركات المدنية والتجارية

لا يُعرّف القانون الكويتي (الشركة المدنية)، ولم يقم بتنظيمها في قانون الشركات، ومن ناحية أخرى، فقد اعتبر قانون التجارة الشركة تاجراً من حيث الشكل، فبمجرد كون الشخص القانوني شركة، فهو يكتسب صفة التاجر، وهنا وقع التناقض، حيث قرر قانون الشركات في المادة 80 منه، أن الشريك في الشركة المهنية لا يكتسب صفة التاجر، حتى لو كان شريكاً متضامناً في شركة تضامنية، إذ لم يستثن ذلك، وهو الأمر الذي أكدته المادة 33 من لائحة تنظيم شركات المحاماة المهنية بقولها «ولا يكتسب الشريك أو المساهم في الشركة المهنية أيا كان شكلها صفة التاجر، تبعاً لشراكته أو ملكيته للأسهم»، ونصت المادة 2 من هذه اللائحة، على أنه «ولا يجوز تأسيس شركات تجارية لممارسة أعمال المحاماة أو الاستشارات القانونية»، وهذا ترديد لما جاء في المادة 43 من اللائحة التنفيذية لقانون الشركات، وهو ما يشكل مخالفة صارخة للمادة 13 من قانون التجارة، التي نصت على أنه «... وكذلك يعتبر تاجراً كل شركة، ولو كانت تزاول أعمالاً غير تجارية».

ثانياً: حرمان أصحاب المهن من تأسيس شركة شخص واحد لا يقوم على أسباب منطقية وسائغة

من أبرز العيوب التي شابت قانون الشركات – من وجهة نظري – هو أنه استبعد شركة الشخص الواحد من الأشكال المسموح بتبنيها لتأسيس الشركات المهنية، حيث أوجب أن تتخذ تلك الشركات شكل الشركة المساهمة المقفلة، أو شركة ذات مسؤولية محدودة، أو شركة التضامن، أو التوصية البسيطة، وهو بذلك أغلق الباب أمام أصحاب المهن الذين يرغبون بمزاولة المهنة بمفردهم، دون الدخول في شراكة من الآخرين، وهم كثر في سوق العمل، وحرمهم من الامتيازات التي يمنحها إياهم العمل تحت مظلة الكيان القانوني للشركة دون وجه حق، وهو الأمر الذي قد يكون ظاهرة، سبق أن حاربها المشّرع في الشركات التجارية، وهي دخول شريك صوري في الشركة بنسبة ضئيلة. وفي الواقع لم يقم المشّرع بشرعنة شركة الشخص الواحد، إلا استجابة لتلك الحاجة الملحة التي كانت موجودة على أرض الواقع التجاري، ولحل تلك المشكلة، وإذا به يعود – ودون أسباب سائغة ومنطقية – ليحرم أصحاب المهن من تلك الميزة.

ثالثاً: إلزام أصحاب المهن بالتأمين ضد مخاطر المهنة حماية للمتعاملين مع الشركة هو خروج عن الفكرة الأساسية للشركات وهي الحد من مسؤولية الشركاء

اشترط القانون على أصحاب المهن، أن يقوموا بإبرام عقد مع إحدى شركات التأمين، حماية للمتعاملين معهم ضد مخاطر هذه المهن.

وهذا شرط تحكمي يتنافى مع أحد أهم أهداف الشركاء في تأسيس الشركات وهو الحد من مسؤولية الشريك تجاه الغير، وكان للحد من المسؤولية دور كبير في تعزيز النشاط الاستثماري، حيث تم تحديد مسؤولية المستثمر في حدود ما يستثمره من رأسمال في الشركة، بما يمكنه من تحديد مستوى المخاطر الاستثمارية التي يرغب بالتعرض لها. وإذا كان هذا الأمر حلالاَ على المستثمرين والتجار كافة، دون أن يشترط القانون عليهم أن يبرموا عقود تأمين لحماية من يتعامل معهم، فلماذا يكون الحد من المسؤولية حراماً على أصحاب المهن، ويلزمهم المشرع بالتأمين، بما تترتب معه عليهم تكاليف إضافية؟

رابعاً: الغموض والخلط بين علاقة الشراكة وعلاقة العمل في ما يتعلق بتنظيم علاقة صاحب المهنة بالشركة المهنية

قد يرغب أحد أصحاب المهن بالدخول كشريك صامت في إحدى الشركات المهنية، فتكون علاقته بالشركة علاقة شراكة فقط، بينما يرغب شريك آخر بالعمل أيضا في الشركة، فيرتبط بها بعلاقتين مختلفين، علاقة شراكة وعلاقة عمل.

وقد خلطت اللائحة التنفيذية لقانون الشركات بين العلاقتين، وهذا الخلط ناتج عن افتراض أن الشريك يجب أن يعمل في الشركة المهنية التي يشارك فيها، فاشترطت أن يبرم عقد تأمين يغطي جميع الشركاء، رغم أن الشريك قد لا يكون عاملاً في الشركة، وليس هنالك جدوى من التأمين عليه، فنصت المادة 51 من اللائحة التنفيذية لقانون الشركات مثلاً، على أنه «على الشركة المهنية تقديم وثيقة تأمين مبرمة، مع شركات تأمين المهنية التي تقع من الشركاء أنفسهم أو أحد العاملين لديها».

كذلك يلاحظ أن اللائحة سالفة الذكر، اشترطت التأمين على الشركاء قبل تأسيس الشركة وقيدها في السجل التجاري واكتسابها الشخصية الاعتبارية، حيث نصت في المادة 51 منها، أن إبرام عقد التأمين هو شرط أولي للموافقة على تأسيس الشركة، حيث نصت على ما يلي: «ولا تمنح الشركة ترخيص مزاولة النشاط من الجهة المشرفة، إلا بعد تقديم تلك الوثيقة – أي وثيقة التأمين –»، وهو يوقعنا في مشكلة عملية، وهو أن التأمين سوف يغطي الشركاء لا الشركة، ولن يكون من الممكن أن نتمسك بعقد التأمين، في حال رفع دعاوى على الشركة، وذلك لأن للشركة شخصية قانونية اعتبارية مستقلة عن شخصيات الشركاء الطبيعيين، بما تصبح معه وثيقة التأمين غير ذات جدوى في حماية الشركة.

خامساً: القصور التشريعي في حماية العملاء عند حل وتصفية الشركة

من واقع الخبرة العملية، فنحن نعلم بأن تولي المحامي لبعض القضايا قد يمتد لسنوات طويلة، وهذه مشكلة تواجه مكاتب المحاماة التي ترغب في إغلاق أبوابها والاعتزال، حيث إنها تكون ملتزمة بتعاقدات تتطلب سنوات مديدة لتنفيذها، لدرجة أن بعض المكاتب أخذت تميل إلى إبرام عقود مرتبطة بمدة أداء الخدمة وقابلة للانهاء عند أي مرحلة تصل إليها القضية المنظورة، وذلك تجنباً لتلك المعضلة التي تواجه من يتعاقد على تولي القضايا بكامل مراحلها، مقابل مبلغ ثابت من الأتعاب.

وعندما نأتي إلى المادة 48 من اللائحة التنفيذية لقانون الشركات، نجدها قد نصت على أنه «لا يجوز للشركاء، حل الشركة أو تصفيتها قبل نهاية مدتها، إلا بعد إخطار عملائها بفترة لا تقل عن ثلاثة أشهر قبل البدء في إجراءات الحل والتصفية، ولا يتم التأشير بقرار الحل أو التصفية في السجل المعد لذلك لدى الجهة المختصة بالإشراف على المهنة، إلا بعد الإخطار» كما نصت المادة 53 من تلك اللائحة، على أنه «تحل الشركة في حالة فقد جميع الشركاء بالشركة شروط مزاولة المهنة، ويتم تصفيتها وفقاً للقانون».

وتتركنا كلتا المادتين، في مواجهة العديد من التساؤلات التي تطرح نفسها، والتي جاء القانون ولائحته قاصرين عن إجابتها، فما هو مصير التعاقدات التي أبرمتها الشركة ولم تقم باستكمال تنفيذها في حالة حل الشركة وتصفيتها؟ وهل يملك العميل أن يعترض على حل وتصفية الشركة؟ وماذا لو تم الحل أو التصفية وفقاً للإجراءات التي حددها القانون واللائحة؟ فهل يملك العميل أن يرجع بالتعويض على الشركاء، خصوصاً إذا كانت الشخصية الاعتبارية للشركة قد زالت؟

العديد من هذه التساؤلات قد تجيب عنها القواعد العامة في قانون الشركات وقانون تنظيم مهنة المحاماة، ولكن ترك تنظيم هذه المسألة هكذا مفتوحاً للاجتهاد، والتشتت ما بين تشريعات متعددة، ليس من الحصافة التشريعية، خصوصاً أن للشركات المهنية وضعاً خاصاً، يميزها عن سائر الشركات التجارية، وذلك باعتراف قواعد القانون ولائحته نفسها.

سادساً: عدم اشتراط أن يكون أحد المحامين الشركاء مقيداً أمام المحكمة الدستورية ومحكمة التمييز

نصت المادة 2 من لائحة تنظيم شركات المحاماة المهنية على أنه: «يجوز للمحامين الكويتيين المقيدين بالجدول العام للمحامين المشتغلين (ب- كلية، ج- استئناف، د- دستورية وتمييز) تأسيس شركات مهنية للمحاماة... الخ»، وهذا النص يفتح الباب لتصور حاصله، أن يكون جميع الشركاء مقيدين أمام المحكمة الكلية، وأن تخلو الشركة من محامٍ مقيد أمام محكمة التمييز والدستورية، الأمر الذي نرى بأنه لا يتوافق مع حقوق العميل، حيث انتهت أحكام قضائية عديدة في القضاء المقارن، إلى أن بعض الالتزامات التي تقع على عاتق المحامي تجاه موكله، تتطلب أن يكون مقيداً أمام محكمة الاستئناف على أقل تقدير، كما أن العميل قد يجهل طبيعة تصنيف قيود المحامين، فيلجأ إلى شركة مهنية لا تستطيع أن توافر له جميع الخدمات القانونية التي يتوقعها مثل الطعن بالتمييز، بما قد يوقعه في مشكلات عملية. وقد جاءت لائحة تنظيم شركات المحاماة المهنية، مسايرة لقانون تنظيم مهنة المحاماة بهذا الصدد، فوقعت في نفس القصور.

ثم تأتي اللائحة لتناقض نفسها في المادة 13 حيث تشترط أن يكون من يتولى إدارة شركة المساهمة المهنية للمحاماة مقيداً أمام محكمة الاستئناف على أقل تقدير، فلا يجوز لمن هو مقيد أمام المحكمة الكلية ذلك، وهو الأمر الذي يتناقض مع ما سمحت به المادة 2 من أن يكون جميع الشركاء مقيدين أمام المحكمة الكلية.

سابعاً: لم تراعِ لائحة تنظيم شركات المحاماة المهنية حجم أعمال الشركة المهنية في تحديد شريحة التأمين الواجب عليها إبرامها

حيث خيرت المادة 21 من اللائحة المحامي بين مجموعة من شرائح التغطية التأمينية، دون الأخذ بعين الاعتبار حجم أعمال الشركة، وخطورة القضايا التي وكلت فيها، وحجم الدخل والتدفقات المالية التي تحققها، وجعلت الشرائح التأمينية محض خيار للشركة، دون تفرقة بين الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة.

ثامناً: إلزام الشركات المهنية للمحاماة بميثاق الشرف

ألزمت المادة 33 من لائحة شركات المحاماة المهنية، تلك الشركات بالالتزام بميثاق الشرف لتقاليد وآداب مهنة المحاماة، رغم أن هذا الميثاق لا يمثل قانوناً ولا قرار تنظيمياً، وبالتالي فهو فاقد للقوة القانونية الملزمة، كما أنه لم ينشر في الجريدة الرسمية، وتشوبه جملة من العيوب في الصياغة والمضمون، إلا أن اللائحة أحالت إليه إحالة مرسلة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي