احتكار الأراضي حكومياً يزيد جنون العقار محلياً رغم عقلانيته خليجياً

الفيلا في أبو ظبي بـ 300 ألف دينار وفي الكويت 1.2 مليون... لماذا؟

تصغير
تكبير

- إبراهيم العوضي: محدودية معروض الأراضي وفرص الاستثمار أشعلت الأسعار محلياً
- إذا طرحت الكويت مساحات شاسعة للتطوير مثل دبي فستنخفض الأسعار
- ارتفاع كلفة الأراضي في السوق المحلي يجعل المستثمر لا يربح إلا إذا خالف القانون
- شركات كويتية تنافس خليجياً بأسعار محفّزة للشراء ولا تستطيع ذلك محلياً
- عبدالعزيز الدغيشم: نسمع كل فترة عن طرح مدينة جديدة بدول مجاورة والكويت «محلك راوح»
- قلة معروض الأراضي وعدم وجود مصانع محلياً يرفعان كلفة الشراء والإنشاء
- توسع التأجير لغير المواطنين في مناطق السكن الخاص أحد أسباب الغلاء
- إحياء فكرة المطوّر العقاري ضرورة على أن يصاحبه تشديد على تجار الباطن
- معدل السعر محلياً إلى الدخل 3 أضعاف دبي وأبوظبي وأعلى بكثير من الرياض ولندن
- أسواق مجاورة شهدت طرح فلل 5 نجوم بأسعار تقارب خُمس الأسعار المتداولة محلياً
- المواطن العادي يحتاج 16.5 سنة من دخله الحقيقي في سداد قرضه السكني
- طرح شركات في دول خليجية لمدن إسكانية بأسعار مغرية قياساً بالكويت يزيد الحيرة

بينما لا يزال متر الأرض السكني في الكويت يعزّز موقعه ضمن قائمة الأغلى عالمياً، تنامت أخيراً موجة إعلانات خليجية عن وحدات سكنية جاهزة للبيع، بأسعار مغرية قياساً بالمتداولة محلياً، إذ يشكّل سعر بعضها نحو 20 في المئة من قيمة قطعة أرض بيعت بمنطقة مشابهة محلياً قبل فترة بـ2.5 مليون دينار مع اختلاف المساحة.

وما يزيد أهمية أسعار المعروض السكني خليجياً بالنسبة للكويتيين، أن بعض وحداته يصنّف ضمن خانة الـ5 نجوم، ما دفع البعض في البداية إلى التشكيك بمصداقية إعلاناتها، مدفوعاً باستمرار تصاعد نيران الأسعار في الكويت يومياً، إلا أن تبني شركات كبرى معروفة خليجية لهذه المشاريع أكسبها مصداقية مضاعفة.

ورغم أن الحديث عن معاناة غالبية المواطنين من جنون العقار السكني يبدو متكرراً مع استمرار معاناة تضخم أسعاره بالسنوات الماضية، إلا أن ما تشهده أسواق مثل أبوظبي ودبي والسعودية من طرح فلل جاهزة وبيوت ووحدات سكنية بأسعار تتراوح بين 100 و500 ألف دينار أشعل النقاش مجدداً ليكون تدافع الأسئلة كويتياً منطقياً.

لماذا العقار المحلي الأغلى خليجياً؟ ولماذا نجحت أسواق مجاورة في تقديم معروض عقاري كاف بأسعار تُصنّف على أنها رخيصة مقارنة بالكويت؟ ولماذا لم تتمكن الكويت حتى الآن من تقديم نماذج إسكانية على غرار هذه الأسواق وبأسعارها أو حتى أعلى منها بقليل؟

ولعل ما يكسي هذا النقاش أهمية إضافية أنه رغم طرح المعروض السكني في أسواق مثل الإمارات للتملك من الجميع وبينهم غير الإماراتيين بخلاف الكويت التي تحظر التملك على غير المواطنين، يعتبر السوق المحلي الأكثر تسجيلاً للأسعار المرتفعة خليجياً.

وهنا يبرز سؤال لا يقل استحقاقاً يتعلق بأنه إذا كانت الحكومة عاجزة عن السيطرة على الارتفاع الجنوني للأسعار، لماذا لا تُفسح المجال أمام شركات التطوير العقاري المحلية لتنفيذ هذه المشاريع، أو حتى السماح للشركات الخارجية بتنفيذ مشاريع داخل الكويت على غرار ما تقوم به في دول خليجية ويلقى رواجاً كبيراً لمساهمته الفاعلة في حل أزمة السكن؟

وما يزيد المفارقة مفارقة إعلان عن إحدى الفلل المعروضة في أبوظبي على مساحة تقارب 380 متراً مربعاً، حيث يظهر أن سعرها يبلغ نحو 300 ألف دينار، وبافتراض عمل مقاربة محلياً على المساحة نفسها في الكويت، نجد أن متوسط سعرها في منطقة مثل أبوفطيرة يقارب 600 ألف دينار، وفي جنوب السرة نحو 750 ألفاً، أما في منطقة مثل ضاحية عبدالله السالم فقد يصل إلى 1.2 مليون دينار.

دخل حقيقي

من حيث المبدأ، تشير الإحصائيات وفقاً لتقرير صادر في وقت سابق من بنك الخليج إلى أنه عند مقارنة الكويت مع أسواق مثل دبي وأبوظبي والرياض، تبدو تكلفة الإسكان مرتفعة، حيث يبلغ معدل السعر محلياً إلى الدخل 16.5، ما يقارب 3 أضعاف دبي وأبوظبي، وأعلى بكثير من معدل الرياض، وحتى لندن. وهذا يعني أن الكويتي العادي يحتاج لنحو 16.5 سنة من دخله الحقيقي لسداد قرضه السكني.

وفي هذا الخصوص، يلفت متخصصون بالعقار إلى أن قلة معروض الأراضي يمثل السبب الرئيس في ارتفاع تكلفة العقار السكني محلياً، مشيرين إلى أن الحكومة تمتلك نحو 95 في المئة من الأراضي، وتسيطر إلى حد كبير على التطوير السكني من خلال تقسيم وتخصيص قطع الأراضي، فيما تحظر القوانين على الشركات الخاصة شراء العقارات السكنية والاتجار بها.

وأوضحوا أنه نتيجة لذلك غابت الكفاءة والمنافسة المتعلقة بمشاركة القطاع الخاص، ما أضعف المعروض السكني، لتواجه المساحات المعروضة ضغط التناقص المستمر، ومن ثم ارتفاع الأسعار.

قيود مفروضة

وأكدوا أن تحرير الأراضي، والسرعة في تنفيذ المشاريع الإسكانية بمشاركة القطاع الخاص بشكل أكبر يساهمان في تخفيف القيود المفروضة على العرض والضغوط المفروضة على الأسعار، كما أن إقرار قانون الرهن العقاري الجديد والتدابير الإضافية مثل توافر منحنى العائد ستفتح الطريق أمام ازدهار سوق الرهن العقاري، وبالتالي طرح وحدات سكنية تناسب الجميع ما يخفف حدة زيادة الأسعار.

وقال رئيس اتحاد العقاريين إبراهيم العوضي إن القطاع السكني الذي يشكل 50 إلى 60 في المئة من إجمالي التداولات العقارية شهد ارتفاعات كبيرة خلال فترة الجائحة وما بعدها، مبيناً أن محدودية معروض الأراضي إلى معدلات غابت معها فرصة الاستثمار العقاري المناسب مثل الشركات الخليجية الأخرى التي تطرح مشاريع بتكلفة مقبولة أسهمت في اشتعال الأسعار وسط عدم مكافأة معروض العقار السكني للطلب المتزايد بمعدلات ملموسة.

انحسار الفرص

وأوضح العوضي أن ندرة الفرص الاستثمارية في الكويت وانحسارها في أسواق الأسهم والودائع والعقار يعني أن تدفقات الأموال متجهة إلى أسواق محدودة، كما أن عدم تشدد الحكومة في متاجرة الأفراد أُسوة بمنع الشركات أسهم من ناحيته في زيادة أسعار العقار.

ونوه العوضي إلى أنه إذا طُرحت في الكويت أراض كافية للتطوير العقاري مثل المساحات المطروحة في دبي ستتراجع الأسعار محلياً بمستويات كبيرة، لا سيما إذا تم تفعيل دور القطاع الخاص، باعتبار أن حضوره يزيد المنافسة ويحسّن المعروض، مؤكداً ضرورة إشراك القطاع الخاص في حلحلة الأزمة السكانية وإقرار الرهن العقاري.

وأشار العوضي إلى أن عدم وجود مصانع إنشائية في الكويت على غرار السعودية والإمارات أسهم في زيادة التكلفة لجهة إضافة مصاريف الشحن، ما جعل تكلفة البناء في الخارج أرخص من السوق المحلي.

وقال «في ظل محدودية الفرص الاستثمارية بالعقار السكني بالكويت وزيادة الأسعار لمستويات عالية جداً يكون التاجر عرضة لعدم الربح إذا كان نظيف اليد، وقرر السير وفقاً للقانون، حيث لا يستطيع تحقيق الربح إلا إذا خالف القانون».

ولفت العوضي إلى أنه «في حال توافر المساحة المناسبة مثل الأسواق الخليجية سيكون المستثمر المحلي أمام فرصة أوسع لتقديم مشاريع عقارية بتكلفة تقارب المتداولة خليجياً والدليل أن هناك شركات كويتية موثوقة تنافس في هذه الأسواق على الجودة والسعر».

مناطق شاسعة

من جهته، أفاد رئيس الاتحاد الكويتي لوسطاء العقار، عبدالعزيز الدغيشم، بأن المشهد العقاري في الكويت مختلف جداً عن بقية أسواق الخليج، فما يميز السوق المحلي قلة المعروض من الأراضي المحرّرة للتداول، بعكس دولة مثل الإمارات تشهد باستمرار طرح مناطق شاسعة للبناء، موضحاً أنه رغم جهود الحكومة في الكويت لتحرير بعض الأراضي، لكنها لا تغطي الطلب بالكامل.

وبين الدغيشم أن من يتابع تحرك الأسواق الخليجية سيلحظ بسهولة أن كل فترة تطرح مدينة سكنية جديد للتطوير، أما الكويت فـ«محلك راوح»، مشدداً على أنه إذا عاكست الكويت سيرها واتبعت المسار الخليجي لجهة تحرير الأراضي فستشهد أسعار العقار محلياً انخفاضات ملموسة.

وذكر أن أسعار العقار محلياً سجلت في الفترة الأخيرة ارتفاعات مرهقة لجيوب المواطنين، للدرجة التي وصل فيها سعر شقة في منطقة بنيد القار على مساحة 100 متر مربع مبلغ 120 ألف دينار، مؤكداً أهمية تحرير الأراضي للحد من الغلاء محلياً.

ونوه الدغيشم إلى أسباب إضافية لارتفاع تكلفة البناء من قبيل ارتفاع تكاليف تطوير البنية التحتية غير الواسعة في الكويت لطرح مدن جديدة، حيث تتطلب نفقات رأسمالية عالية، بخلاف دول أخرى لديها شبكة بنية تحتية أوسع، ما يوفر على المستثمر كلفة إضافية.

وأوضح أن توسع التأجير لغير المواطنين في مناطق السكن الخاص وعدم انضباط سوق العمل شكلا ضغوطاً إضافية لزيادة التكلفة، مع السماح لغير المتخصصين بالمشاركة في تحديد تكلفة البناء باستدخال منتجات ونماذج أعمال أكثر تكلفة، فضلاً عن عدم وجود مصانع إنشائية مثل السعودية والإمارات تسهم في خفض المصاريف الإضافية، والتي يأتي في مقدمتها تكلفة الشحن.

وذكر الدغيشم أن انتعاش الطلب الإسكاني محلياً مقابل قلة المعروض أدى إلى زيادة الأسعار، حيث شهد متوسط أسعار العقارات السكنية ارتفاعاً كبيراً بعد أن وصل أدنى مستوياته في 2017، مشدداً على ضرورة إحياء فكرة المطوّر العقاري على أن يصاحب ذلك تشديد على منع الاستعانة بتجّار الباطن.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي