قمم الرياض التاريخية تشكل واقعاً دولياً جديداً
الرئيس الصيني على السجاد البنفسجي
لم يعتد الخليجيون على رؤية رئيس دولة غير رئيس أميركا، يشارك في قمم خليجية وعربية، وسيكون الرئيس الصيني شي جينبينغ أول رئيس يسير على سجاد المراسم البنفسجي للقاء قادة الدول الخليجية والعربية.
وتفاعل نشطاء أمس مع لون السجاد خلال استقبال الرئيس الصيني، وهو أمر سبق وأوضحته وزارة الثقافة السعودية إذ أفادت في بيان أن «المملكة العربية السعودية اختارت اللون البنفسجي لوناً معتمداً لسجاد مراسم استقبال ضيوف الدولة الرسميين من رؤساء ووزراء وسفراء، ومُمثلي الدول الشقيقة والصديقة، إضافة إلى السجاد المستخدم في مختلف المناسبات الرسمية».
يُدرك الرئيس الصيني، الخارج من معركة «كورونا»، أن الوصول إلى قمة النظام الدولي لن يكون إلا عبر طريق قمم الرياض الكبرى، والتي تشكل رافعة تفتح آفاق التعاون الاقتصادي الواعد.
فبعد موجة العداء التي قادتها واشنطن ضد بكين في أعقاب تفشي فيروس «كورونا» بهدف ضرب مشاريع «الحزام والطريق» والاستثمارات الصينية، خرج التنين الصيني من رمال نفوذ الجزيرة العربية ضيفاً في أكبر تجمع خليجي عربي بقيادة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز ومشاركة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وتسعى دول الخليج العربي بقيادة المملكة العربية السعودية للانفتاح على دول العالم، وبناء شراكات صلبة تعود بالنفع على الطرفين، وتفتح آفاقاً للتعاون المشترك والفرص الاستثمارية الواعدة.
فدول الخليج لم تعد تبحث عن حماية من دول كبرى ولا تريد في الوقت نفسه استبدال الحلفاء، وماتريده أن تتعامل مع الجميع، لا سيما مع تغيّر نظرتها للحليف الأميركي الذي باتت له سوابق كثيرة في التخلي عن الحلفاء في الشدائد.
الصين التي صعدت إلى المرتبة الثانية اقتصادياً، متخطية اليابان التي سيطرت على المركز الثاني لأكثر من 20 عاماً، تحلم بالوصول إلى المركز الأول والتخلص من الضربات الأميركية التي تأتي من الأعلى، وكما قال فيلسوف المؤرخين ديروانت في قصة الحضارة «إن الصين ستنتج من الثروة مالم تنتجه قارة وستتزعم العالم».
تشكل قمم الرياض التاريخية واقعاً دولياً جديداً، من أهم سماته كسر التفرد الأميركي، والتعامل على أساس المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة.
لن تكون القيادة الصينية الجديدة قائمة على التحركات العسكرية، بل ستظهر بنسخة محدثة تعتمد التحركات الاقتصادية والمنظور الجديد للرئيس شي جينبينغ الذي يتوجه نحو الشرق الأوسط لاستكمال خطوات المرحلة الاقتصادية الجديدة متسلحاً بالانتصار الثالث في مؤتمر الحزب الشيوعي.
الصين التي تجلس على المائدة العربية المليئة بالفرص الاستثمارية الكبرى، تدرك جيداً أن العرب يشعرون بالضيق نتيجة السياسات الأميركية وهيمنتها، والتي كان آخرها الحملات الإعلامية الأميركية ضد قرار «أوبك بلس» في خفض إنتاج النفط، وجمودها حيال القضية الفلسطينية - قضية العرب المركزية - وتدخلها في القضايا الفرعية للدول، ما ساعد على «تمدد» الديبلوماسية الصينية القائمة على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والحياد واحترام خصوصية المجتمعات، فقد سئم الخليجيون من المفهوم السائد منذ سنوات بأن أميركا «شرطي الخليج»، ويبحثون اليوم عن التعاون مع «المقاول الصيني الجديد».
التلاقي الصيني - العربي فرصة تشبه الفرصة السابقة لأميركا عندما استثمرت انتصارها في الحرب الباردة وشرعت في البناء والتوسع الاقتصادي.
في الرياض، سيجد الرئيس الصيني نفسه أمام لحظة تاريخية وأصدقاء جدد عكس البيئة المجاورة في بكين، المحاطة بعلاقات معقدة مع جيرانها.
حط الرئيس شي بالرياض في أولى زياراته للمنطقة منذ تفشي وباء «كورونا»، متسلحاً بأرقام ضخمة في القوة الاقتصادية الصينية وديبلوماسية هادئة تعتمد على نظرية «الصبر الاستراتيجي»، والتركيز على الدعوة إلى احترام ميثاق الأمم المتحدة والتمسك بمبدأ مساواة السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية المنبثقة من مبادرة السلام الصينية التي تتألف من 5 نقاط، وتشمل (الدعوة إلى الاحترام المتبادل - الالتزام بالعدالة والإنصاف - تحقيق عدم انتشار الأسلحة النووية - العمل على تحقيق الأمن الجماعي - تسريع وتيرة التنمية والتعاون).
وعلى الرغم من الضربة الموجعة التي تلقاها بسبب الوباء، بدأ الاقتصاد الصيني يستعيد عافيته تدريجياً في ظل انشغال العالم بالحرب الروسية - الأوكرانية، إذ تولي الصين أهمية كبيرة للمنطقة العربية، نظراً لموقعها الاستراتيجي وغناها بمصادر الطاقة وأسواقها الكبيرة، فالصين حالياً هي أكبر شريك تجاري للدول العربية وتسعى لتشكيل تحالف اقتصادي مستقبلي يساعدها لتحقيق المصالح الصينية على المستوى العالمي.
محلياً، ستكون الفرصة مواتية أمام الكويت لإحياء حلم الشمال وإنعاش المنطقة الاقتصادية في شمال البلاد والجزر وميناء مبارك الكبير، والاستفادة من مشروع «الحزام والطريق» الذي يعتبر أكبر الممرات الاقتصادية في العالم عبر 65 دولة، ما سيؤدي إلى تحفيز الاقتصاد بالديبلوماسية الاقتصادية الناعمة والعمل في البنى التحتية وقطاع الطاقة.
كل الآمال معلقة على القمم التاريخية في الرياض لدفع سبل تعزيز العلاقات المشتركة في المجالات كافة، وخلق آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والتنموي.