رئيس مجلس الشعب المصري يكتب لـ «الراي» عن قضية القدس

الدكتور أحمد فتحي سرور / التعثّر الراهن الذي يواجه عملية السلام ينذر بمخاطر عدة على الأمن والاستقرار في المنطقة بأكملها

تصغير
تكبير
| بقلم الدكتور أحمد فتحي سرور * | في ظل التطورات التي شهدتها ولا تزال تشهدها - القضية الفلسطينية، لا يزال القدس الشريف يحتل المكانة الأبرز من بين هذه التطورات، خصوصاً أنه يشكل نقطة محورية في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فضلاً عن أنه لصيق كل الصلة بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، التي على رأسها إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف.

إن القدس ليست مجرد عاصمة أو موقع على الخريطة الجغرافية، ولكنها مدينة مقدسة اجتمعت على أرضها الديانات السماوية الثلاث، فأصبحت على هذا النحو رمزاً للتحالف بين الأديان السماوية والحضارات لا مجرد الحوار في ما بينها.

لقد شكلت القدس لقرون طوال رمزاً للتعايش السلمي بين أتباع الديانات الثلاث، ويمكنها اليوم أن تنتصب من جديد كرمز للسلام والتعايش بين الديانات. ولكن ما يدعو للأسف أن هذه المدينة المقدسة، بدلاً من أن تصبح ملتقى للتسامح والديانات، ظلت أسيرة لسياسات إسرائيلية متغطرسة ومخالفة لقواعد القانون الدولي.

واسمحوا لي أن أركز في هذا الصدد على أربعة محاور رئيسة، أرى ضرورة التذكير بها، المحور الأول: السياسات الإسرائيلية تجاه القدس، والثاني: وضع القدس في القانون الدولي، والثالث: سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية تجاه القدس وانعكاساتها على مسيرة السلام، والرابع: موقف مصر من السياسات الإسرائيلية تجاه القدس.

إذا ما بدأت بالمحور الأول، وهو السياسات الإسرائيلية نحو تهويد القدس، نجد أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي عملت على تغيير معالم القدس وإحداث تغيير سكاني بها، بهدف تكريس ضمها الرسمي واقعياً، تحسباً لعدم الاعتراف الدولي بالضم الذي أعلنته إسرائيل. وقد اتبعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في سبيل ذلك سياسات متعددة لا يجهلها الجميع، وتمثلت بالأساس في:

أولاً: تغيير الوضع القانوني للمدينة المقدسة بضم القدس المحتلة إلى إسرائيل واعتبارها عاصمة لها. ففي أغسطس 1980، أقدمت إسرائيل على ضم القدس المحتلة برمتها واعتبرتها عاصمتها الموحدة، واتخذت إجراءات عدة في هذا الشأن بمقتضاها أُخضعت المدينة للنظم الإسرائيلية.

ثانياً: الاستيطان وتغيير المعالم الجغرافية والديموغرافية لمدينة القدس. لقد كان قرار الضم نقطة البداية لعملية تهويد شاملة وواسعة النطاق للمدينة التاريخية، سبقته محاولات إسرائيلية نحو تغيير المعالم الجغرافية لمدينة القدس من خلال سياسات استيطانية منظمة.

كما اعتمد الاحتلال الإسرائيلي سياسة مصادرة الأراضي المملوكة للفلسطينيين من أجل توسيع مستوطناته، وبالتالي تضييق الخناق على الوجود العربي في مدينة القدس. وتنتشر هذه المستوطنات في لواء القدس على شكل تجمعات استيطانية مكثفة تتخذ الشكل الدائري حول المدينة وضواحيها ممثلة بمراكز استيطانية كبيرة المساحة.

ثالثاً: العبث بالأماكن المقدسة وتدنيسها، فقد دأبت إسرائيل منذ احتلالها لمدينة القدس على القيام بسلسلة انتهاكات صارمة ضد المقدسات الإسلامية، في محاولات للإضرار بالمسجد الأقصى، وذلك استناداً للعقيدة التوراتية التي يرتكز عليها اليهود في مزاعمهم بالحق التاريخي في الضفة الغربية أو في القدس، خصوصاً في موقع المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وقد قامت إسرائيل بالعديد من أعمال الحفر في هذا الشأن.

فقد استطاعت العناصر المتطرفة من اليهود هدم كثير من المساجد والمآثر الإسلامية، وقامت إسرائيل بالعديد من الحفريات إضراراً بالمسجد الأقصى غير عابئة بقرارات الأمم المتحدة، واليونسكو.

وكان الاعتداء الأثيم الذي تمثل في محاولة إحراق المسجد الأقصى في أغسطس 1969، ما أثار غضب العالم أجمع، وعكس ذلك قرار مجلس الأمن رقم 271 في 15 سبتمبر 1969 وصف فيه عمل إسرائيل بأنه عمل مقيت لتدنيس المسجد الأقصى في محاولات للإضرار بالمسجد الأقصى. ثم جاء اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق آرييل شارون المسجد في حراسة أكثر من ألفي ضابط وجندي في سبتمبر العام 2000، الذي كان الأسوأ من نوعه في تحدي مشاعر العرب والمسلمين عموماً والفلسطينيين خصوصاً.

وبالنسبة إلى المحور الثاني، وهو وضع القدس في القانون الدولي، فقد بدأت القدس تأخذ خصوصية معينة في الصراع العربي - الإسرائيلي منذ صدور قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947، الذي اقترح تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، وهو أول قرار دولي يصدر عن الأمم المتحدة يتناول القضية الفلسطينية.

وقد جعل هذا القرار للقدس وضعاً دولياً لا يجوز لأي طرف واحد بأن يؤثر عليه. ورغم ذلك تطلعت إسرائيل منذ قيامها في 15 مايو 1948 إلى ضم القدس الشرقية التي احتلتها العام 1967 إلى القدس الغربية التي احتلتها العام 1948، والإعلان عن اعتبارها عاصمة موحدة وأبدية لها. ومنذ ذلك الحين عملت إسرائيل وحتى اليوم على تهويد القدس بكاملها وطمس جميع معالمها. وتناست إسرائيل أن شرعية قيامها نابع من قرار التقسيم، وأن هذا القرار يضع بذور التشكيك في شرعيتها.

لقد صدرت عشرات القرارات الدولية - بعد ضم إسرائيل للقدس الشرقية وتوحيد المدينة تحت السيادة الإسرائيلية - طالبت فيها إسرائيل التراجع عن إجراءاتها ووقف أعمالها غير الشرعية.

ومن أهم هذه القرارات ما صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التي لها علاقة بالقدس، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2253 في 4 يوليو 1967، الذي اعتبر التدابير التي اتخذتها إسرائيل لتغيير وضع القدس الشرقية باطلة، ودعاها إلى إلغاء جميع الإجراءات التي اتخذتها في المدينة، والعدول عن اتخاذ أي عمل في المستقبل من شأنه أن يغير معالمها. ويعتبر هذا القرار أول القرارات الدولية التي تنتقد التصرفات الإسرائيلية في القدس. كما أصدرت الجمعية العامة قراراً آخر رقم 2254، في 14 يوليو 1967، ندد بفشل إسرائيل في تنفيذ قرار الجمعية العامة السابق، ووجه نداء جديداً لإسرائيل دعاها فيه إلى إلغاء جميع التدابير التي اتخذتها في القدس الشرقية، والعدول عن اتخاذ أي عمل من شأنه تغيير معالم المدينة.

وبدوره، أصدر مجلس الأمن الدولي قرارات عدة في شأن القدس، منها قراره رقم 250 في 27 أبريل 1968، ودعا فيه إسرائيل إلى الامتناع عن إقامة العرض العسكري في القدس، وقراره رقم 252 في 21 مايو 1968، ودعا إسرائيل إلى إلغاء جميع إجراءاتها في تغيير وضع القدس وعلى رفض الحصول على أراضٍ عن طريق الغزو المسلح، واعتبر جميع التدابير والأعمال الإدارية والتشريعية الإسرائيلية باطلة، بما في ذلك نزع ملكية الأراضي والممتلكات القائمة عليها. وطالب إسرائيل بإلغاء جميع الإجراءات التي قامت بها في القدس الشرقية، والعدول فوراً عن اتخاذ أي عمل آخر يرمي إلى تغيير القدس.

كما صدر أيضاً قرار مجلس الأمن رقم 267 في 3 يوليو 1969، وأكد على عدم جواز ضم الأراضي بالغزو العسكري، وانتقد جميع الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير معالم القدس، وطالبها بإلغاء جميع تلك الإجراءات. وكذلك قرار المجلس رقم 271 إثر إحراق المسجد الأقصى صدر في 15 مايو 1969.

وفي الأول من يوليو 1969 أكدت الولايات المتحدة أمام مجلس الأمن على لسان مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة أن القدس التي وقعت تحت سيطرة إسرائيل في حرب يونيو العام 1967 تعتبر منطقة محتلة تخضع لأحكام القانون الدولي الذي اعتبر إسرائيل دولة محتلة للقدس، مطالباً إياها بتنفيذ نصوص جميع القرارات الصادرة بخصوص المدينة المقدسة.

وغير ذلك، هناك الكثير من القرارات الأخرى التي أصدرها مجلس الأمن الدولي في شأن القدس، وهي القرارات التي تحمل الأرقام التالية: 298 الصادر في 25 سبتمبر 1974, ورقم 446 الصادر في 22 مارس 1979، والقرار رقم 452 الصادر في 20 يوليو 1979، ورقم 465 الصادر في 1 مارس 1980، والقرار رقم 471 الصادر في 5 يونيو 1980، والقرار رقم 476 الصادر في 30 يونيو 1980، والقرار رقم 478 الصادر في 20 أغسطس1980 الذي كان أكثر وضوحاً عندما أعلن عدم الاعتراف بالقانون الأساسي الإسرائيلي في شأن القدس، ودعا الدول الأعضاء إلى سحب بعثاتها الديبلوماسية منها، والقرار رقم 592 الصادر في 8 سبتمبر 1986، والقرار رقم 6058 الصادر في 22 ديسمبر 1986، والقرارات 672 لعام 1990، و673 لعام 1990، و904 لعام 1993، التي أدانت إسرائيل لارتكابها أعمال عنف ضد الفلسطينيين في المذبحة التي شهدتها ساحة المسجد الأقصى في أكتوبر 1990 ووصفت القدس بأنها أرضٍ محتلة.

هذه القرارات كلها التي صدرت عن المجتمع الدولي تؤكد بوضوح أن القدس الشرقية أرض عربية محتلة، وتؤكد بطلان ضم القدس لإسرائيل، وتحذر إسرائيل من إجراء أي تغيير في معالم المدينة المقدسة، سياسياً أو قانونياً أو جغرافياً أو سكانياً، كما أشارت بعض هذه القرارات إلى اعتبار الإجراءات التي نفذتها إسرائيل في القدس الشرقية بأنها أعمال عدوانية وتعرض السلام في الشرق الأوسط إلى الخطر.

إذاً هناك عشرات القرارات الدولية الصادرة بحق القدس، بيد أننا لابد أن نفرق بين رفض المجتمع الدولي لجميع الإجراءات التي تقوم بها إسرائيل، في المدينة المقدسة، وبين سياسة الأمر الواقع التي فرضتها على المدينة من دون الاكتراث للرفض الدولي. فلا شك أن إسرائيل أرادت فرض أمر واقع في القدس قبل التفاوض على المرحلة النهائية، من أجل خلق أكبر قدر من الحقائق الواقعة قبل المفاوضات، ووضع عراقيل أمام تنفيذ أي قرار أو مشروع سلام دولي لا يتلاءم مع مخططاتها. ولنتذكر قول السيد روبين كوك، وزير خارجية بريطانيا، في العام 1988، مخاطباً المسؤولين الإسرائيليين: «إن كنتم تريدون سلاماً حقيقياً فلابد من جعل القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية».

ومن ناحية المواقف الدولية الحالية، فإن هناك بالأساس الموقفين الأميركي والأوروبي. فبالنسبة إلى الموقف الأميركي، فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما أعلن العام الماضي في جامعة القاهرة أن القدس يجب أن تكون موطناً لجميع الديانات، وأن أميركا لن تقبل سياسة الاستيطان الإسرائيلية. أما بالنسبة إلى الموقف الأوروبي، فقد أكد وزراء الاتحاد الأوروبي - بناء على اقتراح السويد - أن مدينة القدس يجب أن تكون عاصمة لدولتين: إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقلة في نطاق تسوية للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. ورغم أن إسرائيل تمكنت من الضغط من أجل تعديل هذا القرار، إلا أنه لا يزال بعد التعديل يشكل موقفاً جيداً من قضية القدس.

وأصارحكم أن تفعيل الشرعية الدولية يتطلب قوة ديبلوماسية عربية هائلة تعتمد على تماسك وتضامن الأمة العربية، ودورها الفاعل في السياسات والعلاقات الدولية.

إننا نتطلع إلى صدور قرار ملزم من مجلس الأمن تحت الفصل السابع يلزم إسرائيل بخطة سلام تقوم على إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. ومن دون هذا القرار الملزم سوف نعيش في ظل ضوضاء من كلمات القانون تبدده سياسة الأمر الواقع التي تساندها القوة الغاشمة.

أما في ما يتعلق بالمحور الثالث الخاص بسياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية تجاه القدس، فلعلكم تابعتم موافقة وزارة الداخلية الإسرائيلية، أخيراً، على بناء 900 وحدة سكنية استيطانية جديدة في القدس الشرقية المحتلّة، رغم جميع الضغوط الدولية التي مورست، ولا تزال تمارس على إسرائيل من أجل إقناعها بالتوقف عن التوسع الاستيطاني حتى تتيح الفرصة لاستئناف العملية السلمية التي تواجه موقفاً صعباً، وهي خطوة تعكس السياسة الأحادية والتعسفية لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

ولا يمكن النظر إلى الخطوة الأخرى التي أقدمت عليها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أخيراً، وقضت بتمويل إضافي للمستوطنات في الضفة الغربية بمقدار 30 مليون دولار، إلا باعتبارها مكافأة من قبل الحكومة للمتطرفين من المستوطنين، ومحاولة من الحكومة لتأكيد تمسكها بعملية الاستيطان، رغم الانتقادات الواسعة لها على المستوى الدولي.

إن إصرار إسرائيل على التوسع الاستيطاني واستهدافها القدس خصوصاً بهذا التوسع يشيران بشكل واضح إلى أن حكومتها غير معنية بالسلام أو توفير ظروف تحقيقه، أو أن لديها رؤية خاصة لهذا السلام تبتعد كلياً، ليس عن الرؤية الفلسطينية والعربية فقط، وإنما أيضاً عن الرؤية الدولية، ناهيك عن قرارات الشرعية الدولية ومرجعيات العملية السلمية التي قامت عليها منذ «مؤتمر مدريد».

ومن ناحية أخرى، يشير التوتر الحادث حول المسجد الأقصى خلال شهر أكتوبر الماضي - الذي أسفر عن العديد من الإصابات والمواجهات بسبب محاولات جماعات يهودية متطرفة دخول المسجد والصلاة في باحته - إلى الخطر الكبير الذي ينطوي على أي عبث بالمقدسات في مدينة القدس وما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من انفجار للأوضاع ربما لا يمكن السيطرة عليه أو الإحاطة بتداعياته التي لن تنحصر في حدود القدس أو الأراضي الفلسطينية المحتلة فقط، وإنما ستمتدّ إلى خارجها لتشمل البلاد الإسلامية كلها.

بالنسبة إلى المحور الرابع والأخير والخاص بموقف مصر من السياسات الإسرائيلية تجاه القدس، فقد اتسم الموقف المصري تجاه القدس بالوضوح والمساندة الفعالة من منطلق الحفاظ على عروبة القدس ومكانتها في العالمين العربي والإسلامي، إذ أكد على اعتبار أن القدس مدينة عربية محتلة وجزء من الضفة الغربية لنهر الأردن، ومن ثم فيجب أن تكون القدس العربية تحت السيادة العربية وأن يحق للفلسطينيين في القدس العربية ممارسة حقوقهم الوطنية المشروعة، باعتبارهم جزءاً من الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية.

وتماشياً مع موقف مصر الثابت تجاه مسألة القدس، وتأكيداً لعروبتها، تؤكد مصر دائماً أن القدس كلها مدينة عربية محتلة يجب ردها للعرب مع الاعتراف بحقوق الطوائف الدينية الأخرى فيها. ولقد نصت اتفاقيات «كامب ديفيد» الصادرة في 18 سبتمبر 1978، في «الوثيقة الأولى» الخاصة بالحل الشامل، على اعتبار أن القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الضفة الغربية.

وتأكيداً لموقف مصر الثابت إزاء القدس الذي يقوم على الحيلولة دون المساس بوضعها الديني والسياسي، رفض الرئيس محمد حسني مبارك زيارة القدس مع تمسك إسرائيل بموقفها بالنسبة إلى المدينة. وأكد الرئيس مبارك في جميع تصريحاته الخاصة بالقضية الفلسطينية على إثبات الحق الفلسطيني والعربي في القدس وعدم الاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل.

ومن المؤكد أن الجهود المتواصلة التي تبذلها مصر بقيادة الرئيس مبارك مع جميع الأطراف إقليمياً وعالمياً تحمل مضمون هذا الموقف لكسب التأييد العالمي لوجهة نظرها، باعتبار أن القدس لا تزال عربية إسلامية رغم عمليات التهويد السكانية والعمرانية على أرض الواقع. وقد جاء آخر بيان لمجلس الشعب (البرلمان) المصري في 28 أبريل 2009، مؤكداً أن القدس أرض عربية لا يمكن التنازل عنها في أي مفاوضات أو حلول.

وأخيراً فإن التعثر الراهن الذي يواجه عملية السلام ينذر بمخاطر عدة على الأمن والاستقرار في المنطقة بأكملها، خصوصاً بالنظر إلى ثلاثة اعتبارات رئيسة.

الاعتبار الأول: إن الحكومة الإسرائيلية لم تعد تهتم بمواقف المجتمع الدولي، وهي بذلك تحكم بالفشل المسبق على أي جهود أو تحركات لاستئناف المفاوضات. في الوقت ذاته، فإنها تستغل حال الجمود الراهنة في مواصلة سياساتها المناهضة لعملية السلام، سواء تعلق الأمر بتسريع خطط الاستيطان في الضفة الغربية، أو بتنفيذ مخططاتها الرامية إلى تهويد مدينة القدس وتغيير طابعها العربي، وذلك لفرض أمر واقع على الفلسطينيين والعرب يُستعصى تغييره في ما بعد، في حال استئناف جهود عملية السلام، ليس هذا فحسب، بل تسعى أيضاً إلى الانقلاب على المرجعية الرئيسة التي قامت عليها عملية السلام منذ «مؤتمر مدريد»، المتمثلة في «الأرض مقابل السلام».

والاعتبار الثاني: هو أن التعثر الراهن الذي يواجه عملية السلام يمنح الفرصة لقوى التطرف والتشدد في المنطقة للترويج لأفكارها الهدامة التي لا تؤمن بالسلام أو التعايش، ما يضع المنطقة كلها، بل العالم كله أمام منزلق خطر، وفي الوقت ذاته فإنه يمثل إحراجاً لقوى الاعتدال في المنطقة، التي تراهن على السلام باعتباره الطريق الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار.

والاعتبار الثالث: إن الخلاف الفلسطيني الفلسطيني الراهن لا يساعد على دعم المواقف العربية والإسلامية من القضية الفلسطينية في مجملها، وفي مسألة القدس تحديداً. ولذلك يصبح إنهاء ذلك الخلاف الفلسطيني الفلسطيني واجباً عربياً يجب السعي إلى تحقيقه في أقرب وقت من أجل نجاح الجهود الرامية إلى تحسين الموقف الفلسطيني العربي في سعيها إلى سلام حقيقي مبني على دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلت في يونيو العام 1967.

والسؤال هنا هو: هل يمكن تدارك ما فات في شأن القدس؟

بالطبع لا يزال أمام العالم العربي فرصة لتدارك ما فات، ويساعد على ذلك ما يبدو أنه عودة دولية من جديد لصلب الصراع في المنطقة، وهو القدس، ومن المهم في هذا الصدد تأكيد موقف عربي وإسلامي موحد، وثانياً الدفع بمواقف أكثر إنصافاً من جانب الاتحاد الأوروبي وغيره من القوى الدولية، وثالثاً مزيد من التحرك الإيجابي مع إدارة أوباما في الولايات المتحدة. وذلك كله - كما قلت - يتطلب تحركاً ديبلوماسياً عربياً واسعاً يعتمد على التأثير العربي في التوازن الدولي.

أخيراً... فإن علينا أن ندرك وبيقين أن الشعوب العربية لن تقبل أوضاعا لن ترسخ عروبة القدس، كما أن علينا أن ندرك - وباليقين ذاته - أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية قابلة للحياة من دون القدس.

إن القدس تقف على أبواب منعطف تاريخي، ولا تزال الفرصة أمامنا للقيام بعمل جاد يحمي القدس وفلسطين معاً قبل أن يكون قد فات الأوان. إن البرلمانات هي صوت الشعوب، وعلى الحكومات والدول أن تصغي إلى صوت الشعوب، وأن تبذل كل جهد مطلوب من أجل التصدي للسياسات الإسرائيلية في القدس وفلسطين، ومن أجل بناء دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. إن ذلك أمر لا يمكن أن يكون فيه تفريط أو تنازل، بل دعم للشرعية الدولية في أصدق معانيها.

يجب أن تكون إرادتنا واضحة وقوية من أجل تحقيق هدف حماية القدس أرض السلام. ولتعلم جميع القوى الدولية أن عجزها أمام إسرائيل عن تحقيق الشرعية الدولية، هو إيذان بحكم قانون الغاب يتحول بعده القانون الدولي إلى مجرد ضجيج تتحطم أمامه جميع منجزاتنا الحضارية ومبادؤنا الإنسانية الخالدة.



* رئيس مجلس الشعب المصري
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي