نحنُ جميعاً نقطع بفترات مؤلمة وحزينة وللحظات نعتقد بأنها نهاية الحياة، ولن نستطيع تكملة هذه الرحلة التي يوجد بها العديد من المحطات.
ها قد مرّت السنة الأولى...
نعم لقد مرّت بالفعل!
مرّت السنة الأولى على وفاة والدي الغالي وصديقي ومشجعي. الحقيقة لم تكن سنة واحدة بل كانت سنوات بعدد سنة واحدة... هذه السنة التي أحدثت الفارق الكبير الذي كنت أعتقد بأن هذا الحدث سوف يكسرني بالكامل ويحطمني ولن أستطيع أن أسترجع قوتي مرّة أخرى.
لن أنسى تلك الليلة عندما نمت على أمل شفائك واستيقظت على فاجعة رحيلك.
لا أخفيكم، فقد كانت فاجعة مؤلمة تفطر لها قلبي ولن أنسى الليلة الأولى بعد الفقد، الليلة التي كان ينهش بها الحزن جميع جوارحي.
أبي الذي رحل بسبب الوباء، الذي لم يستطع جسده تحمله سوى بضعة أيام رحل بهدوء وبسلام.
ما زلتُ أتذكّر عندما دخلت إليه العناية المركزة وانتزعوا من جسده جميع الأجهزة وقالوا... لقد فارق الحياة!
نعم ما زلت أتذكّر تلك الجُملة وأنا أنظر إلى وجهه الذي فارق الحياة مبتسماً بكل هدوء وسلام، وكأنه ذهب وبكامل سعادته وراحته... وكأنه يخبرني: يا ابنتي لقد أتممت رسالتي في هذه الحياة وأنا الآن أفارقها وأنا مستعد...
أبي الذي كان مصدر قوة وأمان، وكان الملاذ الدائم والداعم للجميع الذي تحمّل الكثير وواجه الكثير.
نعم رحل... هذا الرحيل آلمني وأحزنني وفطر قلبي ولكن أيضاً أصبح مصدر قوتي كما في حياته كان دائماً مصدراً للقوة.
بعد وفاته وضعتُ يدي على قلبي استشعرت وجوده وكأنه بجانبي، ووعدته بأني أحول طاقتي في الحزن والعزاء إلى طاقة تحدٍ ومثابرة، سوف أتحدى حزني وأشغل نفسي في أن أكون بمكان يليق بابنته.
لن أسمح لحزني أن يدمر ما أسسه بشخصيتي، وعدته بأني سأحاول أن أنهض وأن أستعيد قواي وأن أحارب أوجاعي مهما بدت الأمور صعبة.
نعم مرّت سنة وأنا الآن أسترجع جميع الأحداث بالتدريج كيف كانت بدايتها مؤلمة وحزينة وكيف تعلّمت منها الكثير، ومن هم الذين كانوا كتفاً لنا لا تميل... كان والدي دائماً يقول المواقف وإن أحزنتنا، فلقد علّمتنا!
فعلاً الأحزن التي نمرُّ بها تعلّمنا بطريقة أو بأخرى.
رحيله كان رسالة أيضاً...
لا بأس بأن نحزن ونتألّم، ولكن علينا عدم جعل هذا الحزن يسيطر علينا، أو يمنعنا من تكملة رحلة الحياة أو فقدان الشغف والقوة. مهما كان الجرح مُؤلماً وفاجعاً تأكد أنه سيزرع بك قوة لم تكن تتخيلها، لكن عليك معرفة كيفية التعامل معه وفهم الرسالة والمعنى من هذا الحزن.
كن الرفيق والسند الدائم لروحك. إياك أن تميل مهما اشتدّ الألم والحزن. تأكد أن لك رباً أرحمُ بك من نفسك، فقد قال الله تعالى:
«لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا».
وهكذا، مرّت السنة الأولى...