سيفوتك من أحداث الحياة الكثير، وأنت في الطرف الآخر من العالم.
الصغير سيكبر من دون أن تشاهدوه وهو ينمو ويحبو...
أقدار الحياة التي تخطف الأحباب أو تصيبهم بالمرض فجأة، ستصيبكم بالهلع والصدمة.
هذا الهلع سيكون مضاعفاً أضعافاً كثيرة إذا كنت لوحدك، من دون صديق تتكئ عليه.
وهنا أدعوك إلى اختيار الأصدقاء بدقة في الغُربة.
وسأدعو الله أن تبقوا وأحبابكم سالمين.
ولعلي كنت محظوظة بشدة، بسارة وهند...
هند التي قدمت إليّ حافية القدمين لأني أخبرتها أنني أحتاجها، وأني لا أعلم ما الذي حدث مع والدتي تحديداً في خضم الشتاء القارس في بريطانيا.
وسارة التي تكفّلت بمتابعة إنهاء عقدي وتسوية أموري.
واهمٌ مَن يعتقد أن الحياة في الغربة كلها فصول وردية... ستتناوب عليك الفصول الأربعة.
وكل فصل سيحمل ما يساهم في نضجك.
وكل ذلك سيهون عند لحظة تخرجك.
وسترجع حاملاً ما هو أكثر من الشهادة الدراسية.
سترجع حاملاً خبرات ودروساً ونضجاً سابقاً لأوانه وهدايا لأسرتك.
ما زلت أتذكّر هاشم الذي كاد أن يفقد عقله ومرّ بأزمة سيئة، لأن مطار الكويت أغلق أبوابه أثناء «كورونا»، ولم يستطع أن ينجز بقية المشاريع الدراسية.
ذكريات الغربة كثيرة. ولعل أصعبها أن تذهب للمستشفى لوحدك وأنت مريض.
تستند على نفسك بصعوبة حتى تصل للطبيب.
لا يوجد أحد يسألك ما بك. فاليوم هو عطلة رسمية والوقت أصبح متأخراً.
أنت الذي أمنيت نفسك أن بعد ساعات عدة ستصبح أفضل، لكنك لم تفعل.
والمسكنات التي أخذتها من الصيدلية لم تفِ بالغرض.
بل ان الصيدلية نفسها تخبرني بأن ما أخذته قبل أيام كان أقوى مسكن موجود لديها.
وتستدعي شخصاً آخر ليخبرني بأن أتصل على دكتوري مباشرة.
أذهبُ للمستشفى ليلاً بعد أن أصبحت عاجزةً عن الأكل والشرب.
وتطور الأمر للعجز عن للنوم. فالألم أصبح لا يحتمل.
وفي كل لحظة أنا أتذكّر الكويت... أتذكر منزلنا، والدفء الذي يحتويه. وأخي الذي يتصل لأخبره أنه لا يستطيع الدخول لغرفة النساء. وأهلي من حولي يميناً ويساراً.
وبعد مرور الوقت في الطوارئ يأتي دوري. تأخذ الدكتورة مني الأعراض وتقيس النبض وبقية الإجراءات الطبية الاعتيادية.
أخبر الممرضة بأن المسكنات لا تكفيني.
تصمت لبرهة. ترفع نظرها لتراني. تخبرني بأنها لا تستطيع أن تزيد الجرعة.
لأن حجمي صغير!! ومن الممكن أن يكون خطراً على جسمي وصحتي.
تتملكني الضحكة والاستغراب ويتبدّد الحزن.
تخبرني الدكتورة أنها اتصلت بالجراحة.
يأتي آخر لانتقل على الكرسي المتحرك.
أصابُ بالحيرة. كيف لم أنتبه بأن وضعي صعب.
أشغل نفسي بالشرود الذهني. هذا ما كنت بارعة فيه منذ صغري.
منذ انتبهت أن الصفوف الدراسية قد تكون مملة.
وانني أفضل أن أكون في مكان آخر.